q
إسلاميات - الإمام الشيرازي

دلالات خارطة الطريق للساسة القياديين

رؤى من أفكار الإمام الشيرازي

على السياسي القدير ان يضع المستحيل في عداد الممكنات، مع العمل الدقيق والعلمي والمخطط له على تجاوز العقبات، والابتعاد الحاسم أو الكلي عن وضع الذرائع أو الأعذار، والتردد في إمكانية إنجاز الهدف، فالقول بعدم إمكانية الإنجاز...

كل من يقع عليه إنجاز عمل ما، لاسيما إذا كان على درجة من التعقيد والمسؤولية، فإنه يحتاج إلى خارطة طريق يسير عليها، وتُشبه هذه الخارطة مبدأ التخطيط إلى حد بعيد، فمن لا يخطط لكيفية الوصول إلى أهدافه ويترك الأمور تمضي كيفما اتفق، فإنه سوف يضل طريقه وقد ينتهي إلى عكس ما يبغي ويريد، ينطبق هذا على الفرد ذي الأهداف المحددة وعلى الجماعات والحركات السياسية وسواها، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالسياسيين الذين يتبوَّءون مراكز الصدارة في قيادة البلاد؟!.

بالطبع يحتاج الأمر إلى رسم خارطة عمل، مع وضع الدلالات التي تضمن صحة السير في الاتجاه الصحيح، مع حتمية الحاجة إلى أن يؤمن السياسي بأن لا مستحيل يقف في طريق مسيرته الحثيثة نحو أهدافه، وإذا آمن بقدرته على تجاوز حتى المستحيل، فإنه والحال هذه يتحلى بإرادة من العيار الثقيل، وقد تكون إرادة فريدة من نوعها، وهذا هو بالفعل ما يحتاج إليه سياسيو الصدارة، فإن آمنوا بذلك ومهدوا له بالصورة السليمة، وصلوا إلى ما يريدون.

يقول الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (شروط تقدم الجماعات) عن هذا الموضوع:

(ليعلم السياسي القدير أن لا مستحيل إلاّ ما ينتهي إلى النقيضين).

أما المقصود بجملة " ما ينتهي إلى نقيضين" بمعنى أنك لا تستطيع الجمع بين الخير والشر في وقت واحد، مثلما ستعجز عن الجمع بين النور والظلام، لذلك على السياسي أن يخطط لأهدافه بوضوح، وأن يتحلى بنقاء الرؤية وصوابها، وأن يضع المستحيل في عداد الممكنات، مع العمل الدقيق والعلمي والمخطط له على تجاوز العقبات، والابتعاد الحاسم أو الكلي عن وضع الذرائع أو الأعذار، والتردد في إمكانية إنجاز الهدف، فالقول بعدم إمكانية الإنجاز، لا تعني بأن ذلك في عداد المستحيل، وإنما السبب الأساس يمكن في ضعف السياسي نفسه وعدم جدارته في الوصول إلى الهدف المطلوب.

يقول الإمام الشيرازي حول هذا الأمر:

(كل شيء ممكن حتى إذا ما أراد السياسي توحيد ألف مليون إنسان تحت حكومة واحدة، ولقد فعل ذلك غيره من قبل، فإذا قال: إنه لا يمكن فتح مدرسة أو تشكيل منظمة أو إنقاذ بلد، كان ذلك منبئاً عن عدم جدارته، لا عن عدم إمكان العمل).

التخطيط المسبق للتنفيذ والعوائق

إذاً ينبغي أن نوقن بأن الوصول إلى كل ما نبتغيه لن يكون متاحا من دون وضع خارطة عمل مثبتة البنود والخطوات، وأن لا يكتفي السياسي أو رب العمل، ومؤسس المشروع، بالخطوات العملية التنفيذية، وإنما هناك برنامج ثان رديف للأول، وهذا البرنامج الثاني يختص بالتوقعات الأقرب لنوعية المشكلات والمعيقات المتوقّعة، إذ لا يوجد هدف جيد للسياسي أو لغيره، خالٍ من العوائق والمشكلات والمحبطات، لهذا من الأهمية بمكان أن يضع السياسي القائد برنامج التوقع الموازي لبرنامج العمل أو خارطة العمل التي يسير في ضوئها صوب هدفه المحدد.

أما أهمية البرنامج الثاني الخاص بحدس المشكلات المتوقعة، فإنها تكمن في الفرص الكبيرة التي يتيحها ذلك لاستمرار السياسي بالمضي نحو أهدافه المرسومة، ففي كل عمل تنفيذي حتى المخطط له مسبقا، تظهر مشكلات ربما يكون عدد منها معقدا، فإذا تم وضع هذه المشكلات في الحسبان، فسوف يكون السياسي قادرا على عبورها بسهولة أكبر، لأنه كان قد توقع حدوثها ووضع لها الحلول المناسبة التي تساعده على تحويلها من مشكلات إلى مشجعات ومحفزات تقرّب بينه وبين هدفه ضمن خارطة العمل الموضوعة مسبقا.

يقول الإمام الشيرازي في المصدر نفسه:

(ينبغي على السياسي إذا قرر المضي قُدُما في السير أن يخطط لبرنامجين، برنامج خارطة الطريق، وبرنامج المتاعب المتوقّعة ونقيضها).

وكما ذكرنا في أعلاه، عندما يتنبّه السياسي للمشكلات التي ترافق العمل التنفيذي، فإنه سيكون قادرا على التعامل معها بهدوء وذكاء، لأنها سوف تكون من بين المفاجآت المحسوبة، خلاف ذلك أي أنه إذا اقتصر على برنامج تنفيذي بلا عوائق، فإن أية مشكلة تواجهه قد تبطئ من وقت الإنجاز، وربما تحيله إلى فشل تام، من هنا يأتي تركيز الإمام الشيرازي على أهمية أن يعي السياسي هذه المشكلات المصاحبة للتنفيذ.

كما نقرأ ذلك في قول سماحته:

(إذا خطط السياسي لمواجهة المشكلات وارتطم بها أثناء التنفيذ، فإنها لن تؤثر عليه لأنه كان قد أدرجها مسبقاً في برنامجه العام).

وفي التجارب الواقعية على المستوى العالمي أثبت ساسة قياديون أنهم جديرون بالقيادة حقا، ذلك لأنهم خبروا خارطة أهدافهم ودلالاتها مسبقا، لكونهم يتحلون بالذكاء والعلمية والإرادة والقدرة على التخطيط المقترن بالتنفيذ الناجح، بفعل الخبرات التي اكتسبوها في مجال عملهم وتحلّيهم بصفات الساسة المحنكين الذين يحتاج العراق اليوم إلى أمثالهم.

يقول الإمام الشيرازي:

(قد تحدث حواجز استثنائية، ولكن السياسي القدير لا يعبأ بها، لأنه كان قد هضم أمثالها مسبقا، وقد قالت الفلاسفة: إنّ (حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد).

خريطة الوصول إلى الهدف

أما أن يسير السياسي بلا هدى، وبعيدا عن دلالات خارطة العمل الواضح، والمشكلات المؤشَّرة، فإن النتائج سوف تكون تحت رحمة المصادفات، والأخيرة غالبا ما تمضي بالأمور من سيّئ إلى أسوأ، بسبب ضبابية الطريق إلى الهدف، ولا يمكن للسياسي أن يكون محنكا وقديرا إذا لم يدرِّب عقله وإرادته وشخصه على المجال الذي يحتوي مسؤوليته، ذلك أن العمل الارتجالي لن يقود الساسة إلى ما يبغون، وما هذه الفوضى السياسية الإدارية التي تعصف بالعراق وبعض الدول العربية والإسلامية، إلا لكون ساستها لا يعطون عنصر التدريب حقه، لأنهم في الأعم الأغلب يدخلون الميدان السياسي الإداري بلا خبرة ولا تدريب، وهذا خطر ماحق على السياسي وعلى صناعة القرار معاً.

يقول الإمام الشيرازي:

(كلما درّب السياسي نفسه كان أجدر من غيره بالوصول إلى الأهداف).

والتدريب لا يعني الآلية التي يكتسبها السياسي وهو يمضي نحو ما يريد وما يخطط له، بل على العكس، كلما ازداد التدريب والاستعداد العلمي والعملي للسياسي قلَّت الضغوط النفسية التي تنتج عن العمل القيادي أو سواه، فكل من يعمل سوف يكون متوترا بدرجة معينة، وهذا التوتر مصدره نفسي بالدرجة الأولى، فإذا كان ممن أتقن عمله وتدرَّب عليه جيدا، فإن درجة الارتباك والضبابية والتوتر النفسي قد تهبط إلى الصفر، أما إذا لم يعدّ السياسي نفسه بصورة دقيقة وجيدة للمهمات التي ينوي التصدي لها، أو تلك التي تدخل في إطار تخصصه ومسؤولياته، فإنه سوف يكون عرضة للتيه والغموض والارتباك، وبالتالي سينتهي إلى الفشل في ما يروم تحقيقه أو الوصول إليه من أهداف.

لذا جاء تركيز الإمام الشيرازي على أهمية أن يدرِّب السياسيون أنفسهم ويستعدون جيدا لتحمّل مسؤولياتهم، وهذا هو ما ينقص السياسة والإدارة في العراق، فالحنكة مضمحلة لديهم، يُضاف إليها قلّة التدريب، وعدم تشغيل الحدس الذي يستبق الأحداث والمشكلات قبل حدوثها، مع أن العلاقة بين الثقة بالنفس والتدريب تصاعدية، فكلما ازداد تدريب الساسة القياديين ازدادت ثقتهم بأنفسهم وأصبحوا أكثر صلابة وقوية من ذي قبل.

كما يؤكد ذلك الإمام الشيرازي في قوله:

(كلما استطاع السياسي أن يقوّي النفس قلَّ ضغط الانفعالات والاضطرابات عليها، ولذا ورد في الحديث: (المؤمن أصلب من الجبل، فإن الجبل يُقتطع منه والمؤمن لا يقتطع منه).

اضف تعليق