q

إن ما جرى على يد سلاطين هذه الدولة من الجرائم والأهوال والمؤامرات والدسائس والفتن يعد من أفظع ما مر على العالم الإسلامي في أقسى فتراته، فقد تأسست هذه الدولة على يد حكام متعطشين للدماء وكان شعارهم القتل والنهب والسلب والحرق والتدمير والسبي وزرع الفتن الطائفية بين المسلمين وتأجيج النار بينهم.

ليس من الغريب أن تجد من يغضي عن كل هذه الأفعال ويمجد هذه الدولة لأنها اتخذت سياسة معادية للشيعة وعملت بكل جهودها على إبادتهم وقتل فكرهم فـ (كل إناء بالذي فيه ينضح)، لكن الغريب ممن يذكر هذه الأفعال ويعدها (أياد بيضاء سطرت صفحات رائعة في التاريخ الإسلامي) !!! ولا أدري أي صفحات (رائعة) سطروها فقد امتلأ تاريخهم بصفحات سوداء أضحت وصمة عار في تاريخ الإسلام السياسي.

لننظر إلى تلك الصفحات (الرائعة) التي سطرتها تلك (اليد البيضاء) عبر صفحات التاريخ ولنجعل هذا القول على المحك التاريخي، فالتاريخ يحدثنا إن تلك اليد (البيضاء) كان (أجلّ) خدماتها و(أفضل) انجازاتها و(أروع) مآثرها هي إبادة الشيعة، وارتكاب مذبحة كبيرة بحقهم في بغداد وأحراق دورهم ومكتباتهم ومحلاتهم، فأحرقوا أعظم مكتبة في العالم الإسلامي وهي مكتبة أبي نصر سابور وزير بهاء الدولة البويهي، والتي ضمت كل كتاب صنف إلى ذلك الوقت، يقول عنها محمد كرد علي في خطط الشام (ج6ص185): (فجمع فيها كل ما تفرق من كتب فارس والعراق واستكتب تآليف أهل الهند والصين والروم)، وقد بلغت تلك المؤلفات أكثر من عشرة آلاف مؤلف أكثرها نسخ أصلية بخط مؤلفيها، وقال عنها ياقوت الحموي في معجم البلدان ج2 : (لم يكن في الدنيا أحسن منها، كانت كلها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحررة)، وكان منها (عشرة آلاف مجلد وأربعمائة من أصناف العلوم ومائة مصحف بخط ابن مقلة) كما روى ذلك ابن الأثير في كامله.

ومن (الصفحات الرائعة) لهذه الدولة أيضاً هي إحراق مكتبة العالم الكبير أبي جعفر الطوسي التي كانت تحتوي على نفائس الكتب وفي شتى العلوم وكذلك إحراق كرسيه الذي كان يجلس عليه للتدريس ومطاردته وأصحابه لقتله لكن الله أنجاه منهم فهرب إلى النجف وأسس هناك الحوزة العلمية النجفية، وعمل على ترسيخها وتنميتها حتى توفي سنة (460هـ).

ويصف هذه الحادثة ابن الجوزي في حوادث سنة (448هـ) فيقول: (وفي صفر من هذه السنة كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة بالكرخ وأخذ ما وجد من دفاتره وكرسي كان يجلس عليه للكلام وأخرج إلى الكرخ وأضيف إليه ثلاثة سناجق بيض كان الزوار من أهل الكرخ يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة الكوفة فأحرق الجميع).

هذه هي أبرز (مآثر الدولة السلجوقية) العلمية والفكرية إما إنجازاتها على الصعيد الإقتصادي فقد قسمت البلاد الإسلامية إلى إقطاعيات بين أفرادها وكلٌ عمل على توسيع رقعة ما استحوذ عليه من ولاية بالغزو وتدعيمها بالسرقة والسلب والنهب، فيما كان الشعب يموت جوعاً، وينقل لنا ابن الأثير صورة عن الأوضاع في البلاد الإسلامية في عهد السلاجقة حيث يقول في أحداث سنة (448 ص335) ما نصه: (في هذه السنة انقطعت الطرق عن العراق لخوف النهب فغلت الأسعار وكثر الغلاء وتعذرت الأقوات وغيرها من كل شيء وأكل الناس الميتة ولحقهم وباء عظيم فكثر الموت حتى دفن الموتى بغير غسل ولا تكفين فبيع رطل لحم بقيراط وأربع دجاجات بدينار ..... الخ ثم عم ذلك سائر البلاد من الشام والجزيرة والموصل). ثم ينقل ابن الاثير نفس الكلام في حوادث سنة (449).

هذه (منجزات) هذه الدولة (العظيمة) التي تحققت على يد سلاطينها (العظام) أما على الصعيد الإجتماعي فقد رسمت هذه الدولة للمجتمع الإسلامي مستقبلا يقوم على الطائفية والبغض وقتل الناس بعضهم لبعض منذ دخولهم المريب إلى الإسلام وحتى اندحار دولتهم التي جرت الويلات على المسلمين ولننظر كيف دخل هؤلاء إلى الإسلام؟.

يثير دخول السلاجقة إلى الإسلام الكثير من الشكوك والتساؤلات حول النوايا التي حملوها من دخولهم هذا، فما أفرزه تاريخهم من أعمال وحشية بحق المسلمين عامة والشيعة خاصة والتي لا تزال آثارها وويلاتها إلى الآن يدعونا إلى الوقوف على تلك النوايا والمآرب من خلال قراءة تاريخهم وأعمالهم, إذ لم تكن تربطهم قبل دخولهم هذا بالإسلام ومبادئه أية علاقة أو وشيجة لا من قريب ولا من بعيد, فلم يُعرف عنهم صفات قريبة من مبادئ الدين الحنيف كالعلم والتقوى وغيرهما, بل بالعكس فقد كان موقعهم الإجتماعي والعسكري وما جُبلوا عليه من القتل وسفك الدماء بعيداً كل البعد عن مفاهيم الإسلام من الجنوح إلى الخير والسلام والتآلف والمحبة.

كما إن دخولهم المفاجئ يحمل في طياته الكثير من المآرب المعادية للإسلام والتي اتضحت بعد استيلائهم على السلطة, حيث تشير المصادر التاريخية إلى أن دخول السلاجقة إلى الإسلام كان في عهد جدهم سلجوق بن دقاق وقد كان دقاق والد سلجوق هذا وأفراد قبيلته في خدمة أحد ملوك الترك يعرف باسم بيغو وكان في منصب عسكري على مقدمة جيش بيغو، كما كان ابنه أيضاً سلجوق بن دقاق في خدمة بيغو وخلف أبيه في منصبه، فبدت من سلجوق بوادر الاستئثار بالحكم والإنفراد بالسلطة وحوك المؤامرات لخلع بيغو، مما حدى بزوجة الملك بيغو إلى تحذيره من سلجوق وأخذت تثير مخاوف زوجها منه لما رأت منه من بوادر الخيانة، حتى وصل بها الأمر إلى الحد الذي أغرته بقتله، وما أن عرف سلجوق بذلك حتى أخذ أتباعه ومن أطاعه وتوجه إلى دار الإسلام وأقام بنواحي جند- قريباً من نهر سيحون- وفيها أعلن سلجوق إسلامه وأخذ يشن غاراته على المدن التركية الآمنة بحجة أنهم غير مسلمين، وسفك الكثير من الدماء البريئة وقام بكثير من الأعمال الهمجية كالسلب والنهب والحرق والتدمير ساعده على ذلك خبرته العسكرية من أجل تحقيق مآربه.

كل ذلك يدعونا إلى أن نضع دخول السلاجقة إلى الإسلام في محل الشك والريبة ونجعل دخولهم هذا محطاً ومحوراً للكثير من الأسئلة وعلامات الإستفهام, فقد دلت كل أعمالهم على أن لهم مآرب كبرى معادية للإسلام والمسلمين كما اتضح من سياستهم وأعمالهم, وكان أدنى مطامعهم ومطامحهم تلك هو الإستئثار بالسلطة وانتزاعها من يد المسلمين.

فمن هم السلاجقة؟، وكيف وصلوا إلى دفة الحكم في العالم الإسلامي؟.

ينحدر السلاجقة من قبيلة قنق التركمانية، وتمثل مع ثلاث وعشرين قبيلة أخرى مجموعة القبائل التركمانية المعروفة بالغز، وفي منطقة ما وراء النهر تركستان حالياً- استوطنت عشائر الغز وقبائلها الكبرى تلك المناطق وعرفوا بالترك أو الأتراك, ثم تحركت هذه القبائل في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي بالانتقال من موطنها الأصلي نحو آسيا الصغرى.

دخلت هذه العشيرة في الإسلام أثناء عهد زعيمها ومؤسِّس السلالة سلجوق بن دقاق ـ كما أسلفنا ـ سنة (960م). فدخلوا بعدها في خدمة القراخانات حُكَّام بلاد ماوراء النهر، وحازوا نفوذاً عالياً في دولتهم وبحلول القرن الخامس الهجري كانت قوة السلاجقة قد تعالت وأصبحوا دولة قوية، وصاروا يغيرورن على المدن فيقتلون ويدمرون وينهبون مما أثار قلق محمود الغزنوي حاكم الدولة الغزنوية في بلاد الهند وفارس، فقام بشن حملة عليهم (عام 415هـ)، انتهت بالقبض على سلطانهم أرسلان بن سلجوق وعدد كبير من أتباعه وأرسلوا إلى السجن فمات أرسلان في السجن بعد أربع سنوات، لكن ذلك لم يردع السلاجقة عن غيهم واعتداءاتهم فعادوا إلى سيرتهم الأولى فخرجوا عام (419هـ) عن سيطرة محمود، فأرسل إليهم بعض الجنود لكنهم هُزموا وتابع السلاجقة سيرهم عبر بلاد ما وراء النهر، فدمّروا ونهبوا العديد من المدن، فأرسل إليهم محمود الغزنوي أمير طوس الذي أستمر بملاحقتهم سنتين في تلك البلاد. لكن في عام (421هـ) توفي محمود دون أن يَقضي على السلاجقة، فسار ابنه مسعود بن محمود إليهم حيث طلبوا الصلح، وبهذا توقف النزاع بين الطرفين لفترة قصيرة. وما إن سار مسعود إلى الهند لقمع حركة مناهضة لحكمه حتى ثار السلاجقة مُجدداً، فأرسل إليهم جيشاً التقوا معه في نيسابور وهزمهم، ولذلك انسحبوا إلى الري فنشبت بينهم وبين مسعود معركة أخرى واستطاع أن يَهزمهم ويخضعهم.

ولم تؤد كل هذه الحروب التي قادها أتباع أرسلان مؤداها لتحقيق أطماح السلاجقة في الحكم فكانوا يُهزمون المرة تلو الأخرى، حتى جاء دور طغرل بك بن ميكائيل - ابن أخي أرسلان - الذي قاد حروب السلاجقة بعد ذلك وقام بتأسيس الدولة السلجوقية، ولم تنفع كل المحاولات العسكرية والسياسية لإيقاف السلاجقة عند حدهم فإضافة إلى الحملات العسكرية التي قام بها مسعود ومن قبله أبوه محمود إلا أنهم كانوا يجمعون صفوفهم مرة أخرى ليعاودوا القتال، كما كانت هناك محاولة من قبل علي تكين صاحب بخارى لتفريق شملهم وضرب بعضهم ببعض لكن هذه المحاولة فشلت أيضاً، ويروي ابن الأثير في كامله في حوادث سنة (432هـ) ص(238) أخبار هذه المحاولة فيقول (إن علي تكين صاحب بخارى أعمل الحيل في الظفر بهم فأرسل إلى يوسف بن موسى بن سلجوق وهو ابن عم طغربلك محمد، وجغري بك داود ووعده الإحسان وبالغ في استمالته وطلب منه الحضور عنده ففوّض إليه علي تكين التقدم على جميع الأتراك الذين في ولايته وأقطعه إقطاعاً كثيرة، ولقب بالأمير اينانج بيغو، وكان الباعث له على ما فعله به وبعشيرته وأصحابه على طغرلبك وداود ابني عمه ويفرق كلمتهم ويضرب بعضهم ببعض فعلموا مراده فلم يطعه يوسف إلى شيء مما أراده منه فلما يئس منه قام بقتله)

كبر قتل يُوسف على طغرل، فجمع عشائره ولبسوا ثياب الحداد وجمع ما استطاع من الترك للثأر، وجمع علي تكين جيوشه أيضاً، ثم التحم الجيشان وهُزم جيش علي. وبعد ذلك استمر طغرل بملاحقته، فجمع علي كل جيوشه وكل من استطاع من الأتراك والتقى مع جيوش طغرل في معركة ضخمة عام (421هـ) هُزم فيها طغرل وقتل الكثير من جنده، ولم يَعد طغرل قوياً كفاية بعد هذه الهزيمة فراسل مسعوداً بن محمود لما كان ذاك في طبرستان طلباً للصلح، فاستغل مسعود هذه الفرصة وقبض على رسل طغربلك كي لا يَعودوا بأخباره إلى طغرل ثم جمع جيشاً جراراً وسار إليهم وفاجأهم فألحق بهم هزيمة كبيرة.

واستمرت الحرب في السنوات اللاحقة بين الطرفين حتى عام (1037م/429 هـ)، فالتقى جيش طغرلبك بجيش الغزنوبيين عند باب مدينة سرخس في إقليم خراسان الكبرى وانتصر عليهم انتصاراً حاسماً وشتت شملهم وطاردهم في كل مكان وغنم أموالهم، فكانت هذه الموقعة كما يقول ابن الأثير: (هي التي ملك السلجوقيون بعدها خراسان ودخلوا قصبات البلاد) حيث استولى طغرلبك على ومرو حاضرة خراسان وذكر اسمه في خطبة الجمعة بلقب ملك الملوك، وفي هذا الشهر استولى طغرلبك على نيسابور وأقيمت له الخطبة على منابرها وذكر اسمه مقروناً بلقب السلطان الأعظم، واستقر بدار الإمارة، فكان ذلك هو الظهور الحقيقي للدولة السلجوقية.

وفي سنة (433هـ /1041م) استولى طغرلبك على بلاد الديلم وكرمان، ثم حاصر مدينة أصبهان سنة (438هـ) ولما رأى حاكم أصبهان ألا طاقة له بقتال السلاجقة صالح طغرل بك على مال يؤديه إليه وعلى أن يقيم له الخطبة بأصبهان.

استأنف طغرل تقدُّمه نحو الغرب بعد أن أمَّن خراسان فخاض حرباً مع الدولة البويهية في إيران والعراق، واستغلَّ فرصة استنجاد الخليفة العباسي القائم بأمر الله به ليسير نحو بغداد وينتزعها، وقضى بذلك على الدولة البويهية (التي كانت من أعظم الحواضر في العالم الإسلامي) في سنة (1055م/447 هـ)، واعترف الخليفة به سلطاناً على جميع المناطق التي تحت يده، وأمر بأن يُذكر اسمه في الخطبة.

وكان مما ساعد طغرلبك على دخول بغداد هو الإنشقاق الذي حدث داخل الدولة البويهية فقد كان التنافس على الحكم بين جلال الدولة البيويهي وبين ابن أخيه أبي كاليجار، وخطب لهذا الأخير في بغداد، ونتيجة لهذا التنافس الأسري، فقد دخل السلاجقة بغداد بسهولة.

لكن البويهيين لم ينته حكمهم بهذه السهولة فقد قاد أبو الحارث أرسلان البساسيري، أحد قادة بني بويه تحركاً ضد السلاجقة من مقره في الرحبة فقام بعدة حركات ارتدادية عسكرية، بهدف إخراج السلاجقة من بغداد فنجح في الاستيلاء على الموصل، بعد أن هزم السلاجقة قرب سنجار في عام (448هـ/1056م)، وأخذ يستعد لدخول بغداد، كما أعلن انضمامه إلى الفاطميين وخطب للخليفة الفاطمي الذي أرسل إليه الخلع، مما زاد من إصراره على هدفه.

لكن طغرلبك واجه مشكلة جديدة تمثلت بتمرد قام به أخوه إبراهيم اينال في بلاد الجبل، فاضطر للخروج من بغداد مرة أخرى لقمع هذا التمرد، فانتهز البساسيري ذلك، ودخل بغداد في شهر ذي القعدة (450هـ/ 1058م)، وخطب فيها للخليفة الفاطمي مدة عام كامل، وخرج الخليفة منها إلى عانة ملتجئا إلى قريش بن بدران، وأخذ يراسل طغرلبك يستغيث به.

وتدراك طغرلبك الموقف قبل إمدادات الفاطميين الذين كانوا يخوضون حروبا مع الروم من جهة ومع حلفائهم من جهة أخرى ، فسار طغربلك إلى الموصل بعد أن قضى على تمرد أخيه لوضع حد لثورة البساسيري ضده وبسط نفوذه على ديار بكر مما حدى بالبساسيري إلى الخروج من بغداد عام (451هـ/1059م) ثم قتله جنود طغرل وطافوا برأسه في بغداد، وبسط طغربلك نفوذه على ديار بكر، وعاد إلى بغداد حيث استقبله الخليفة بالترحاب ولقبه (ملك المشرق والمغرب) ويدل هذا التلقيب على أن هذا الخليفة، اعترف لطغرلبك بما أضحى تحت يده من البلاد في المشرق، وكانت تلك إشارة من الخليفة لحث طغربلك على مهاجمة الفاطميين.

وظلت العلاقة القائمة على المصالح السياسية يشوبها الحذر من قبل الخليفة والطمع من قبل السلاجقة ما يقارب ثمانية عشر شهرا، لكن سرعان ما نشب الخلاف بين الطرفين، بسبب محاولة طغرلبك الاستئثار بجميع السلطات في العراق حتى تلك المتعلقة بالخليفة، إضافةً إلى أنه حمل موارد العراق المالية إلى الخزانة السلجوقية، فقد أناب عنه في حكم بغداد، قبل أن يعود إلى عاصمته الري، موظفاً سلجوقياً أطلق عليه اسم (العميد) كما عيّن موظفاً آخر لحفظ الأمن يعرف بـ (الشحنة) يأتمر بأمره، ويتمتع بنفوذ كبير حتى على الخليفة، وترك في بغداد حامية عسكرية، وضمن بعض المدن لخواصه.

كما أن مطامعه في الخلافة لم تقف عند هذا الحد فحاول مد جذوره فيها وتدعيم نفوذه السياسي بأكثر من كل ذلك فخطب ابنة الخليفة أملاً في أن يلد منها ولداً يكون له من شرعية النسب إضافة إلى نفوذ السلاجقة ما يمكّن هذه الأسرة من الإستحواذ على العالم الإسلامي برمته، ولكن الخليفة رفض وبشدة, وأنف أن يخالط نسبه العرق الأعجمي، لكن رفضه خمد أمام إصرار طغرلبك فتم الزواج من ابنة الخليفة عام (455هـ/1063م) وهي السنة التي مات فيها طغرلبك في الري بعد أن بسط نفوذه على إيران والعراق وسوريا وآسيا الصغرى.

لم يُنجب طغرلٌ أولاداً، ولذا فقد أوصى بأن يَحكم من بعده ابن أخيه (سليمان بن داود)، لكن الناس فضلوا (ألب أرسلان) حاكماً لهم فعيّنه وزير طغرل - عميد الملك الكندري - حاكماً للسلاجقة مع أنه كان يَود العمل بالوصية. ومع ذلك فعندما تولى ألب أرسلان الحُكم عزل عميد الملك ثم قتله، وعيّن مكانه نظام الملك الذي كان وزيره قبل أن يَحكم وقد غزا ألب أرسلان الكثير من البلاد الإسلامية وقذف أكثرها بالمنجنيق ودخل جنوده الغزاة من فجوات الأسوار لقتل أهلها ونهبهم كما فعل طغرلبك، وفي عام (465هـ) توفي ألب أرسلان في أرض ما وراء النهر أثناء الغزو وعمره 40 سنة، وأوصى بالحكم بعده لابنه ملكشاه الذي سار على سيرة أبيه، ومن شاء أن يراجع سيرة هؤلاء فليرجع إلى كتب التاريخ ولينظر إلى الفظائع التي ارتكبوها بحق المسلمين.

وبعد حكم هؤلاء السلاطين الثلاثة الذين يعتبرون أقوى حكام الدولة السلجوقية وواضعي دعائمها أصاب الدولة التفكك والإنشقاق ثم آلت إلى السقوط والإندحار.

من كل ما تقدم من هذه السيرة المختصرة للسلاجقة تبرز عدة تساؤلات حول شرعية هذه الدولة فضلا عن تمجيدها من قبل الكثير ممن يُحسبون على الكتاب والمؤلفين و(الدكاترة).

لقد افتتحت هذه الدولة سياستها باستباحة الكثير من المدن المسيحية الآمنة التي كان يستيقظ أهلها على قذائف المنجنيق وتهديم الأسوار فلا يجدون أنفسهم إلا وقد أحيط بهم من كل جانب فيستسلمون للقتل والنهب والسلب والتدمير ومع ذلك تجد من يصف هذه الدولة بدولة السلاجقة العظام العادلة ثم يعزو ذلك إلى الفتح الإسلامي وتوسيع رقعة الإسلام !!!

إن الفتح الإسلامي يكون بالدعوة إلى الإسلام والكلمة الحسنى فالإسلام جاء داعياً وهادياً وليس غازياً فالله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه الكريم بقوله: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) ويقول جل وعلا :(لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين).

لقد كانت تلك الغزوات على تلك المدن الآمنة أحد الأسباب المهمة للحروب الصليبية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من المسلمين والمسيحيين وأبيدت بسببها مدن كاملة, ثم إذا حق لهؤلاء أن يبررّوا تلك الغزوات بالفتح الإسلامي فما تبريرهم قيام السلاجقة بقتال الغزنويين والهجوم على المدن الإسلامية وقتل أهلها وانتزاعها من الغزنويين وهم مسلمون سُنة؟، إذاً فعلى هؤلاء الدكاترة أن يجدوا مبررا لذلك، هذا إذا افترضنا أن قتل الشيعة من قبل السلاجقة مبررّ ومحللّ بل واجب لأنهم في رأي هؤلاء (الدكاترة) كفار ورافضة؟.

ومن أعجب الأعاجيب أن تجد من يعد من إنجازات هذه الدولة أنها كانت السبب في إطالة عمر الدولة العباسية, وكانت السبب في انقراض دولة البويهيين (الظالمة) التي أهانت الخلافة!، لقد أعماهم الحقد الأعمى ليقرأوا الحقيقة بالمقلوب فالتاريخ يحدثنا أن الدولة البويهية كانت من أعظم الحواضر التي شهدها العالم الإسلامي وبلغت الحياة الثقافية العربية الإسلامية ذروتها، وفي الوقت الذي سادت فيه الحرية الفكرية والدينية في عهد البويهيين حيث يصف الأستاذ حسن أحمد محمود الشريف في كتابه (العالم الإسلامي في العصر العباسي) العصر البويهي بعصر (حرية المذاهب)، عمد السلاجقة إلى إبادة الشيعة والفكر الشيعي بمنع تدريس الفكر الشيعي وقتل علماء الشيعة وبناء المدرسة النظامية التي بُنيت لغرض واحد فقط وهو محو الفكر الشيعي واختاروا للتدريس فيها أشد الناس تعصباً على الشيعة, فلم يكن هم السلاجقة العلم والتعليم، إذ كانوا منهمكين بالغزو والسلب والنهب.

ولننظر إلى أهم (المنجزات العظيمة) للسلاجقة كما عدها الدخلاء على دراسة التاريخ من (دكاترة) الوهابيين والمقتاتين على موائدهم من الذين باعوا ضمائرهم وشرف مهنتهم ولم يتورعوا عن تزييف حقائق التاريخ.

فقد وصف هؤلاء الدولة السلجوقية بالدولة الحامية للإسلام والخلافة الإسلامية والدولة التي أعادت إلى الخلافة هيبتها وحفظت مكانتها وأعادت اعتبارها بعد أن أهانها البويهيون الشيعة !!!

وليت واحد من هؤلاء أشار إلى مصدر تاريخي واحد يدل على قوله هذا، فلا أدري من أي مصدر استقى هذا القول وكل المصادر التاريخية تشير إلى عكس ذلك، ولم يبق سوى مصدر واحد فقط، نعم مصدر واحد في نفوس هؤلاء وهو البغض والحقد الأعمى على الشيعة، فلننظر إلى (هذا المنجز العظيم) الذي وصفوه من خلال الحقائق التاريخية وليقارن القارئ بين قولهم وبين الحقيقة وقد آثرنا نقلها من مصادر السنة.

لقد نقلنا كيفية تعامل طغربلك مع الخليفة في هذا الموضوع وننقل هنا عبارة الدكتور محمد سهيل طقوش من كتابه تاريخ الدولة العباسية (ص241-242) حيث يقول ما نصه: (لكن سرعان ما نشب الخلاف بين الطرفين، بسبب محاولة طغرلبك الاستئثار بجميع السلطات في العراق، حتى تلك المتعلقة بالخليفة، بالإضافة إلا أنه حمل موارد العراق المالية إلى الخزانة السلجوقية، فقد أناب عنه في حكم بغداد، قبل أن يعود إلى عاصمته الري، موظفاً سلجوقياً أطلق عليه اسم (العميد) كما عين موظفاً آخر لحفظ الأمن يعرف بـ (الشحنة) يأتمر بأمره، ويتمتع بنفوذ كبير حتى على الخليفة، وترك في بغداد حامية عسكرية، وضمن بعض المدن لخواصه).

والأدهى من ذلك إجبار الخليفة على تزويجه من ابنته رغم رفضه القاطع ومحاولاته المتكررة للحيلولة دون هذا الزواج لكنه أرغم على ذلك فأي اعتبار أبقى السلاجقة للخلافة؟، ولننظر إلى جانب البويهيين تجاه الخلافة وكيف (أهانوها) كما يقول (الدكاترة)، يقول الأستاذ حسن أحمد محمود الشريف في كتابه (العالم الإسلامي في العصر العباسي) : (إن البويهيين أظهروا احتراما للخليفة في أكثر المواقف والمحافل الرسمية وكانوا أكثر اتباعا للأصول والمجاملات من القادة العسكريين الذين سبقوهم) ويستند الدكتور الشريف في قوله هذا على حقائق من مصادر تاريخية منها قول ابن كثير في البداية والنهاية: (أظهر عضد الدولة من تعظيم الخلافة ما كان دارسا وجدد دار الخلافة حتى صار كل محل آنسا).

هذه هي الحقيقة أيها السادة وكفاكم إخفاء لها وتشويهها، وقد قادكم حقدكم الأعمى على الشيعة أن تعودتم على الكذب والإفتراء، ونسيتم أن الشيعة هم أفضل من دافع عن الإسلام ورد كيد الكائدين به ولهم الفضل الأول في بناء الحضارة الإسلامية والإنسانية, كما كان لهم الفضل في دحر دولة السلاجقة على يد الإسماعيليين النزاريين والذين تطلقون عليهم لقب (الحشاشين) ظلماً وافتراء وهذه الصفات ليس بغريبة عليكم.

اضف تعليق


التعليقات

علي عبيس حسين علي المعموري
عراق
كان دور ال مزيدكبير في استقرار الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في تلك الفترة الزمنية اولهم علي بن مزيد واخرهم علي بن دبيس الثاني حكم من سنة (540ه/1140م- 545هـ/1150)
1-تامين طريق الحجيج
2- التخلص من قطاع الطرق و العشائر المناوئه للحكم
3- التصدي للخليفة العباسي والوقوف بوجه في احداث 513ه\واحداث 518ه
4-التصدي ضد الفتن الطائفيه
5- انقاذ ضريح الامام الحسين علية السلام
- الحفاظعلى الموارد الزراعية
7- العدالة
8-كان الناس تامن بهم وتستجير بهم
9-كان لهم دور علمي كبير ويحبون العلماء والشعراء ولديهم مكتبات2021-09-22