بصرف النظر عما إذا كانت عملية تلقيح السحب قد حدثت أم لا، فإن العاصفة كانت جزءًا من تحضيرات شديدة ظهرت في نماذج التنبؤ قبل أيام من وقوعها. وستصبح أحداث هطول الأمطار الغزيرة مثل هذه أكثر تكرارًا مع استمرار دفء الغلاف الجوي، مما يسمح له بامتصاص...

عكفت دبي المدينة الصحراوية التي تتباهى بحداثتها على تنظيف وتطهير طرقها المغمورة بالمياه وتجفيف المنازل الغارقة بعد يومين من عاصفة مطيرة غير مسبوقة.

وواجه مطار دبي الدولي، وهو مركز رئيسي للسفر، صعوبات في إنهاء إجراءات الرحلات الجوية المكدسة.

وشهدت الإمارات هطولا للأمطار هو الأكبر في 75 عاما منذ بدء تسجيل البيانات، أدت إلى إصابة مناطق واسعة بالشلل وألحقت أضرارا كبيرة.

وحاصرت مياه الفيضانات السكان في الشوارع والمكاتب والمنازل. وأبلغ كثيرون عن تسرب المياه لمنازلهم، فيما أظهرت لقطات متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي مراكز تجارية تجتاحها المياه المتدفقة من الأسطح.

كما واجهت حركة المرور عوائق في دبي، وهي الأكثر اكتظاظا بالسكان في البلاد، رغم استئناف خدمات النقل العام.

وتسبب إغلاق شوارع وتحويل المسارات والطرق المغمورة جزئيا في ازدحام شديد، فيما سارت بعض السيارات في الاتجاه العكسي لمحاولة تجنب المناطق التي تغمرها المياه.

وقلصت السلطات مساحة طريق سريع يقطع دبي ليصبح حارة واحدة في اتجاه واحد مما أدى إلى تكدس حركة المرور، كما أغلقت الطريق الرئيسي الذي يربط دبي بالعاصمة من ناحية أبوظبي.

وقال جوناثان ريتشاردز وهو بريطاني مقيم في دبي لرويترز "الأمر غير مسبوق. كان أشبه بغزو فضائي".

وتابع قائلا "استيقظت على أشخاص يستقلون قوارب صغيرة مع كلاب وقطط أليفة وحقائب سفر خارج منزلي".

وذكرت مقيمة أخرى تدعى رينكو ماخيتشا أن الأمطار غمرت منزلها الذي جددته مؤخرا وانتقلت إليه قبل أسبوعين.

وقالت "غرفة معيشتي بأكملها... كل أثاثي يطفو في المياه حاليا".

وغمرت المياه بعض المركبات، ومن بينها حافلات، بالكامل تقريبا في دبي. وفي أبوظبي، واجهت بعض المتاجر والمطاعم نقصا في المنتجات، ولم تتمكن من استلام طلبات من دبي.

ويعد هطول الأمطار أمرا نادر الحدوث في الإمارات ومناطق أخرى من شبه الجزيرة العربية التي تشتهر بمناخها الصحراوي الجاف. وقد تتجاوز درجات الحرارة فيها خلال الصيف 50 درجة مئوية.

وقال رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في بيان إنه وجه الجهات المعنية بسرعة حصر الأضرار وتقديم الدعم اللازم للأسر المتضررة.

وقال ولي عهد دبي الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم على موقع التواصل الاجتماعي إكس "ستبقى سلامة كل مواطن ومقيم وزائر على رأس أولوياتنا".

وأضاف "وجهنا اليوم المسؤولين في الجهات الحكومية في دبي بتطوير خطة استباقية متكاملة لمواجهة الحالات الجوية الطارئة".

وضربت العاصفة الأسبوع الماضي سلطنة عمان أولا في 14 نيسان/أبريل، وأودت بحياة 21 شخصا على الأقل بسبب الفيضانات المفاجئة وحوادث أخرى، بحسب وكالة الأنباء العمانية الرسمية.

وبعد يومين، وصلت إلى الإمارات، حيث هطلت أمطار غزيرة بكميات لم تشهدها الدولة الخليجية منذ 75 عاما، وأحدثت فيضانات في الطرقات والمنازل في كل أنحاء البلاد، ما تسبب بشلل على مدى أيام مع انقطاع طرقات كثيرة نتيجة تجمع مياه الأمطار، ما حال دون وصول موظفين كثر إلى عملهم، وتوقف خدمات التوصيل المنزلي والمترو وسيارات الأجرة، وخلو رفوف الخضار والفاكهة في المتاجر نتيجة تعذر عمليات التسليم، فيما لقي أربعة أشخاص حتفهم.

وفي دبي، غمرت المياه الكثير من الأحياء السكنية والطرق، ما يتناقض مع صورتها كمدينة حديثة للغاية.

واضطر مطار الإمارة، أحد أكثر المطارات ازدحاما في العالم، إلى إلغاء أكثر من 2000 رحلة جوية، ولم يعد إلى نشاطه الطبيعي إلا الثلاثاء، بعد أسبوع من العاصفة.

وأعلن رئيس وزراء الإمارات الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الأربعاء، أن الحكومة خصصت "ملياري درهم (544 مليون دولار) لمعالجة الأضرار التي لحقت ببيوت المواطنين" جراء الأمطار الغزيرة غير المسبوقة.

وسجل في الإمارات أيضا عدد من الحالات المرضية نتيجة التعرض لمياه الفيضانات الملوثة بمياه الصرف الصحي.

وأعلنت وزارة الصحة، أن منشآت صحية "تعاملت مع عدد محدود جدا من الحالات التي بدت عليها بعض أعراض التأثر بالمياه المختلطة".

وفي مستشفى "برجيل" التخصصي في إمارة الشارقة، أكدت أخصائية الأمراض الباطنية الدكتورة إيمان عبدالقادر العبار، لوكالة الأنباء الفرنسية أن مياه الأمطار المتجمعة "ستكون ملوثة بالمخلفات الموجودة في الشوارع"، وكذلك بمياه "الصرف الصحي في أماكن محدودة غير مسيطر عليها، ويمكن أن تؤدي إلى بعض التلوثات".

وأوضحت أن "المياه الراكدة تزيد فرصة نشاط البعوض والبراغيث التي يمكن أن تكون عضاتها ممرضة في بعض الأحيان".

وبعد حوالي عشرة أيام من العاصفة الاستثنائية، لا تزال آثار الفيضانات واضحة في شوارع مدينة مجاز في الشارقة، التي كانت من بين أكثر المناطق تأثرا.

وشاهد فريق وكالة الأنباء الفرنسية متاجر تعرض بضائعها تحت أشعة الشمس لتجفيفها، وكذلك سيارات عدة فتحت أبوابها وأغطية محركاتها لتنشيف المياه منها، فيما بدا خط أصفر في منتصف هياكل المركبات، ما يدل على مستوى المياه الذي كان في المنطقة. كان يتم سحب مياه الأمطار من مرائب تحت الأرض، فيما تفوح رائحة كريهة جدا في الشوارع.

التغير المناخي

وبعد ما حدث يوم الثلاثاء، ثارت تساؤلات عما إذا كانت عملية تلقيح السحب (الاستمطار) التي تجريها الإمارات بشكل متكرر قد تسببت في هطول هذه الأمطار الغزيرة.

لكن خبراء المناخ يقولون إن الاحتباس الحراري هو السبب الرئيسي للظواهر المناخية المتطرفة.

ويتوقع الباحثون أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الرطوبة وخطر الفيضانات في مناطق بالخليج. ويمكن أن تكون المشكلة أسوأ في دول مثل الإمارات التي تفتقر إلى البنية التحتية للصرف الصحي للتعامل مع الأمطار الغزيرة.

ونفت وكالة حكومية إماراتية تشرف على تلقيح السحب، وهي عملية تهدف إلى زيادة هطول الأمطار، حدوث أي عمليات من هذا القبيل قبل العاصفة.

هذا وكشفت دراسة جديدة أن العاصفة التي ضربت سلطنة عمان وصحراء الإمارات الأسبوع الماضي، وأودت بحياة 21 شخصا على الأقل بسبب الفيضانات المفاجئة وحوادث أخرى، كان سببها "على الأرجح" الاحترار المناخي الناجم عن انبعاثات الوقود الأحفوري.

ويبدو أن الاحترار المناخي الناجم عن انبعاثات الوقود الأحفوري كان "على الأرجح" وراء الهطول القياسي للأمطار التي ضربت صحراء الإمارات وسلطنة عمان الأسبوع الماضي، ما أسفر عن وفيات وفيضانات واسعة النطاق، بحسب ما أعلنت شبكة إسناد الطقس في العالم.

ووجدت الدراسة أن هطول الأمطار الغزيرة في السنوات التي تشهد ظاهرة "إل نينيو" المناخية أصبح أكثر غزارة بنسبة 10 إلى 40 % في شبه الجزيرة العربية، مضيفة أن تغير المناخ هو السبب المحتمل، ولكن لا يمكن تحديده "بشكل مؤكد".

وقالت الشبكة، في تقرير أعده 21 باحثا دوليا، "إن ارتفاع درجات الحرارة الناجم عن حرق الوقود الأحفوري هو التفسير الأكثر ترجيحا لزيادة هطول الأمطار".

وأضافت الشبكة، وهي مجموعة دولية من العلماء تبحث في دور تغير المناخ بالظواهر الجوية المتطرفة، أنه "لا توجد تفسيرات أخرى معروفة" للارتفاع الحاد في هطول الأمطار.

وبالفعل تعاني الإمارات وسلطنة عمان المنتجتان للنفط، من الحرارة الشديدة الناجمة عن ظاهرة الاحترار المناخي. لكن فيضانات الأسبوع الماضي كشفت عن خطر إضافي لظواهر جوية متطرفة مع ارتفاع حرارة الكوكب.

وقالت سونيا سينيفيراتني، العضو في الشبكة والأستاذة في المعهد الاتحاد السويسري للتكنولوجيا في زيوريخ، إن "فيضانات الإمارات وعمان أظهرت أنه حتى المناطق الجافة يمكن أن تتأثر بشدة بهطول أمطار غزيرة، وهو تهديد يتزايد مع زيادة الاحترار المناخي بسبب حرق الوقود الأحفوري".

وقدم التقرير المنشور الخميس تحليلا لبيانات الطقس التاريخية ونماذج مناخية لتحديد التغيرات في أنماط هطول الأمطار في شبه الجزيرة العربية، بما يشمل السنوات التي كانت ظاهرة إل نينيو مسيطرة فيها. وأوجد أن العواصف الشديدة كانت أقل شدة بشكل ملحوظ في السنوات التي سبقت ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 1,2 درجة مئوية مقارنة بما قبل الثورة الصناعية.

وقالت مريم زكريا، العضو في الشبكة والباحثة في كلية "إمبريال كوليدج" في لندن: "لقد أصبح هطول الأمطار الغزيرة أكثر غزارة بنسبة 10 في المئة على الأقل في الإمارات وسلطنة عمان".

وأضافت أن "هذه النتيجة... تتماهى مع الفيزياء الأساسية التي تقول إن الجو الأكثر دفئا يمكن أن يحمل المزيد من الرطوبة".

فيضانات أكثر فتكا

وقد نفى مسؤولون إماراتيون الأسبوع الماضي تقارير عن تلقيح السحب، وهي ممارسة رش السحب بالمواد الكيميائية لزيادة هطول الأمطار.

وقالت شبكة إسناد الطقس في العالم، إنها لم تحقق في "التأثير المحتمل لتلقيح السحب"، لكنها أضافت أنه "نظرا إلى الحجم الهائل لنظام العواصف، كان من الممكن أن تسقط أمطار غزيرة، بغض النظر عما إذا كانت عمليات (تلقيح السحب) قد نفذت".

واستضافت الإمارات العام الماضي محادثات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب 28)، التي توصلت خلالها الدول إلى اتفاق تاريخي "للانتقال" من الوقود الأحفوري.

وتستثمر كل من الإمارات وسلطنة عمان في الطاقة المتجددة، وتعهدتا بإزالة الكربون من اقتصاداتهما المحلية، من دون أن يشمل ذلك الوقود الأحفوري الذي يبيعانه في الخارج.

لكن على غرار منتجي النفط الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة، تعمل الدولتان على بناء قدراتهما لتلبية الزيادة المتوقعة في الطلب.

وقالت عالمة المناخ الألمانية، فريدريكي أوتو، والعضو في الشبكة أيضا، إنه "في مؤتمر كوب 28 في دبي، وافق العالم على ’الانتقال‘ من الوقود الأحفوري. وبعد مرور نصف عام تقريبا، لا تزال الدول تفتح حقولا جديدة للنفط والغاز".

وأضافت: "إذا استمر العالم في حرق الوقود الأحفوري، فإن هطول الأمطار في مناطق عدة من العالم سيصبح أكثر غزارة، ما يؤدي إلى فيضانات أكثر فتكا وتدميرا".

وأصبح العالم الآن أكثر حرارة بنحو 1.2 درجة مئوية مما كان عليه قبل الصناعة. وقد جاء هذا الارتفاع بدرجات الحرارة في المقام الأول بسبب حرق البشر للوقود الأحفوري، مما يسبب التلوث الكربوني الذي يحتبس في الغلاف الجوي للأرض.

وعلى مدار أقل من 24 ساعة بين 14 و15 إبريل/نيسان الجاري، شهدت دولة الإمارات العربية المتحدة أشد هطول للأمطار منذ بدء تسجيلها قبل 75 عامًا. وذكر التحليل أن مدينة دبي شهدت هطول كمية من الأمطار تعادل ما يهطل عادة خلال أكثر من عام ونصف في تلك الفترة.

ورغم استخدام النماذج العلمية، لم يتمكن الفريق من تحديد مدى احتمالية حدوث الفيضانات بسبب تغير المناخ، بشكل دقيق. 

ومع ذلك، خلص العلماء والباحثون إلى أن الاحتباس الحراري العالمي هو "المحرك الأكثر احتمالاً" لتسجيل هطول هذه الكمية من الأمطار، لأن الغلاف الجوي في عالم اليوم الذي تزداد حرارته بـ 1.2 درجة يمكن أن يحتوي على 8.4٪ أكثر من الرطوبة، مما يجعل أحداث الأمطار شديدة الغزارة أكثر تكرارا، ولأن تغير الأنماط المناخية التي يحركها الاحتباس الحراري العالمي يزيد أيضًا من كثافة الأمطار.

وكان الاحتباس الحراري هو السبب الوحيد المتبقي الذي تمكنوا من تحديده لتفسير هطول الأمطار الغزيرة.

وأكد الباحثون للصحفيين أن هطول الأمطار لم يكن ليكون بهذه الشدة لولا ظاهرة النينيو - وهو تذبذب طبيعي يتميز بدرجات حرارة في المحيطات أكثر ارتفاعا من المتوسط مما يؤثر على الطقس العالمي - لكنهم قالوا أيضا إنه لم يكن الهطول ليكون بهذه الشدة دون تغير المناخ.

وقالت فريدريكي أوتو، كبيرة المحاضرين في علوم المناخ بمعهد غرانثام في لندن: "رغم أننا لا نستطيع وقف ظاهرة النينيو، إلا أننا نستطيع وقف تغير المناخ"، وتابعت: "الحل هو وقف حرق الوقود الأحفوري، ووقف إزالة الغابات"، وتُعتبر إزالة الغابات مسؤولة عن 12% على الأقل من التلوث الكربوني حول العالم. 

وأضافت أوتو: "إذا استمر العالم في حرق الوقود الأحفوري، فإن هطول الأمطار في مناطق كثيرة من العالم سيصبح أكثر وأكثر، مما يؤدي إلى فيضانات أكثر فتكاً وتدميراً". 

وقالت سونيا سينفيراتني، أستاذة في معهد علوم الغلاف الجوي والمناخ في زيوريخ: "لقد أظهرت الفيضانات في الإمارات العربية المتحدة وعُمان أنه حتى المناطق الجافة يمكن أن تتأثر بشدة بأحداث هطول الأمطار، وهو تهديد يزداد مع زيادة الاحتباس الحراري العالمي بسبب حرق الوقود الأحفوري".

ما هو الاستمطار السحب والتلقيح السحابي؟

واستمطار السحب عملية يتم فيها تلقيح السحب بمواد كيميائية لزيادة هطول الأمطار في بيئة تشكل ندرة المياه فيها مصدر قلق.

وتلقيح السحب هو مفهوم لتعديل الطقس يحاول سحب المزيد من الأمطار أو الثلوج من السحابة أكثر مما يحدث بشكل طبيعي.

لا تتشكل قطرات السحابة تلقائيًا، بل تحتاج الرطوبة إلى شيء تتكاثف عليه، مثل الماء الذي يتشكل على جانب الكوب البارد في يوم حار. في السحابة، ما يسمى بنوى التكثيف عبارة عن جزيئات صغيرة جدًا في الهواء يمكن للرطوبة أن تلتصق بها.

ويضيف التلقيح السحابي المزيد من تلك الجزيئات إلى الهواء. تطير الطائرات عبر السحب الموجودة وتحقن جزيئات صغيرة، مثل يوديد الفضة، بهدف خلق المزيد من قطرات الماء أو الجليد.

ويمكن النظر إلى تلقيح السحب على أنه حل لجلب المزيد من المياه إلى المناطق التي تحتاج إليها، ولكنه قد يؤدي أيضًا إلى جعل مناطق أخرى أكثر جفافًا في هذه العملية.

الماء - مثل أي مادة أخرى - لا يمكن خلقه أو تدميره. ولا يمكن تحويله إلا عبر التحرك بالحلقة المغلقة لدورة الماء.

وعلى ارتفاع 9000 قدم فوق مستوى سطح البحر، تطلق الطائرة شعلات ملحية في السحب البيضاء الواعدة، على أمل أن يتسبب ذلك في هطول الأمطار.

وقال الحمادي، رئيس قسم الاستمطار في المركز الوطني للأرصاد في الإمارات العربية المتحدة، إن الاستمطار يتطلب وجود السحب الممطرة، مشيرا إلى أن الحال ليس كذلك دائما.

وتقود الإمارات، التي تقع في واحدة من أكثر المناطق سخونة وجفافا على وجه الأرض، جهود تلقيح السحب وزيادة هطول الأمطار، والتي ما زالت أقل من 100 مليمتر (3.9 بوصة) في المتوسط سنويا.

وقد أدت تأثيرات تغير المناخ، فضلا عن تزايد عدد السكان وتنويع الاقتصاد في السياحة ومجالات أخرى، إلى زيادة الطلب على المياه في الإمارات، التي تعتمد على محطات تحلية المياه باهظة الثمن التي تستخدم مياه البحر.

ويقول مسؤولون إنهم يعتقدون أن تلقيح السحب قد يفيد. يجمع العلماء في أبوظبي بين إطلاق الشعلات الملحية الجاذبة للماء وبين إطلاق جزيئات الملح النانوية، وهي تقنية جديدة، في السحب لتحفيز وتسريع عملية التكثيف، على أمل إنتاج قطيرات كبيرة بما يكفي لتسقط في صورة أمطار.

وقال الحمادي "استمطار السحب يزيد من معدلات هطول الأمطار بحوالي 10 بالمئة إلى 30 بالمئة سنويا... وفقا لحساباتنا، تكلف عمليات تلقيح السحب أقل بكثير من عملية تحلية المياه".

وأعلنت دول أخرى في المنطقة، منها المملكة العربية السعودية وإيران، خططا مماثلة لأنها تواجه موجات جفاف تاريخية.

وقال إدوارد جراهام، خبير الأرصاد الجوية في جامعة هايلاندز اند آيلاندز في بريطانيا، إن الملح المستخدم في استمطار السحب في الإمارات لا يضر بالبيئة.

وأضاف "فيما يتعلق بالبصمة الكربونية، فإن الطائرات التي تطير وسط الغيوم مجرد طائرات صغيرة، مقارنة بمليارات السيارات على هذا الكوكب والطائرات الضخمة التي تقوم برحلات جوية دولية كل يوم، إنها مجرد قطرة في المحيط".

وعلى الطيارين المقيمين في مطار العين الإماراتي الاستعداد للإقلاع في غضون لحظات من إبلاغهم ليحلقوا فوق الصحراء الصفراء المائلة للحمرة قبل توجيه طائراتهم نحو السحب الموجودة على شاشات خبراء الأرصاد الجوية.

وقال أحد الطيارين ويدعى أحمد الجابري "كطيار في تلقيح السحب.. هي ثاني أكثر تحدي طيران للطيارين في عالم الطيران. (في) وجود السحابة نتيقن ونحاول أن نبدأ بمدخل ومخرج لها تجنبا للبرق والرعد وأيضا البرّد".

خرطوم إطفاء الحرائق

لم تظهر الأمطار الغزيرة التي تسببت في فيضانات غير مسبوقة في الإمارات العربية المتحدة وعمان وإيران من العدم. كما أنه لم تؤثر فقط على المناطق التي تشارك في تلقيح السحب.

وكانت الأمطار الغزيرة ناجمة عن عاصفة كبيرة بطيئة الحركة اجتازت شبه الجزيرة العربية وتتبعت خليج عمان على مدار عدة أيام. كانت هذه العاصفة قادرة على امتصاص الرطوبة الاستوائية العميقة والوفيرة الواقعة بالقرب من خط الاستواء وتفريغها مثل خرطوم إطفاء الحرائق فوق المنطقة.

وبصرف النظر عما إذا كانت عملية تلقيح السحب قد حدثت أم لا، فإن العاصفة كانت جزءًا من تحضيرات شديدة ظهرت في نماذج التنبؤ قبل أيام من وقوعها.

وستصبح أحداث هطول الأمطار الغزيرة مثل هذه أكثر تكرارًا مع استمرار دفء الغلاف الجوي، مما يسمح له بامتصاص المزيد من الرطوبة مثل الاسفنج وإطلاقها على شكل أمطار فيضانات.

وتقود الإمارات، التي تقع في واحدة من أكثر المناطق حرارة وجفافا على وجه المعمورة، الجهود المبذولة لاستمطار السحب وزيادة هطول الأمطار.

لكن المركز الوطني للأرصاد بالإمارات قال لرويترز إنه لم تكن هناك مثل هذه العمليات قبل العاصفة.

وقالت إسراء النقبي، وهي من كبار المتنبئين الجويين في المركز الوطني للأرصاد التابع لحكومة الإمارات، إن نظام الضغط المنخفض في الغلاف الجوي العلوي إلى جانب الضغط المنخفض على السطح كانا بمثابة "ضغط" شديد على الهواء.

وأضافت أن هذا الضغط، الذي اشتد بسبب التناقض بين درجات الحرارة الأكثر دفئا عند مستوى الأرض ودرجات الحرارة الأبرد في الأعلى، هيأ الظروف الملائمة لعاصفة رعدية قوية.

وأردفت قائلة إن "الظاهرة غير الطبيعية" لم تكن غير متوقعة في أبريل نيسان، لأنه عندما يتغير الموسم يتغير الضغط بسرعة، مضيفة أن تغير المناخ ساهم على الأرجح في حدوث العاصفة.

ويقول علماء مناخ إن ارتفاع درجات الحرارة العالمية، الناجم عن تغير المناخ بسبب سلوكيات البشر، يتسبب في مزيد من الظواهر الجوية المتطرفة في أنحاء العالم بما في ذلك هطول أمطار غزيرة.

وقال ديم كومو، عالم المناخ في جامعة فريجي بأمستردام، "هطول أمطار ناجمة عن عواصف رعدية، مثل تلك التي شهدتها دولة الإمارات العربية المتحدة في الأيام الأخيرة، يشهد زيادة قوية بشكل خاص مع ارتفاع درجات الحرارة. ذلك لأن الحمل الحراري، وهو التيار الصاعد القوي في العواصف الرعدية، يقوى في العالم الأدفأ".

وقالت فريدريك أوتو، كبيرة المحاضرين في علوم المناخ في إمبريال كوليدج لندن، إن هطول الأمطار أصبح أكثر غزارة في جميع أنحاء العالم مع ارتفاع درجة حرارة المناخ لأن الجو الأكثر دفئا يمكن أن يحمل مزيدا من الرطوبة. وأضافت أن من المضلل الحديث عن استمطار السحب كسبب لهطول أمطار غزيرة.

وأردفت قائلة "لا يمكن لاستمطار السحب أن ينشئ سحبا من لا شيء. هو يشجع الماء الموجود بالفعل في السماء على التكثف بشكل أسرع وإسقاط الماء في أماكن معينة. لذا أولا، تحتاج إلى رطوبة. فبدونها لن تكون هناك سحب".

وقال مارك هودن، مدير معهد الجامعة الوطنية الأسترالية لحلول المناخ والطاقة والكوارث، إن ظاهرة الاحتباس الحراري أدت إلى وجود مياه دافئة "غير عادية" في البحار المحيطة بدبي حيث يوجد أيضا هواء دافئ جدا فوقها.

وأضاف "وهذا يزيد من معدلات التبخر المحتملة وقدرة الغلاف الجوي على الاحتفاظ بهذه المياه، مما يسمح بتراكم كميات أكبر من الأمطار على غرار ما رأيناه للتو في دبي".

وقالت جابي هيجيرل، عالمة المناخ في جامعة أدنبره، إن من المرجح أن يتفاقم هطول الأمطار الغزيرة، كما حدث في الإمارات وسلطنة عُمان، في العديد من الأماكن بسبب آثار تغير المناخ.

فعندما تكون الظروف مثالية لهطول أمطار غزيرة حقا، يكون هناك مزيد من الرطوبة في الهواء وبالتالي يهطل المطر بقوة أكبر.

وأضافت أن هذه الرطوبة الزائدة ترجع إلى أن الهواء أكثر دفئا وذلك بسبب تغير المناخ الذي يسببه الإنسان.

* المصدر: وكالات+رويترز+فرانس برس+ سي ان ان

اضف تعليق