يبقى ملف المياه بين العراق وتركيا اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدول على تحويل الجغرافيا من مصدر صراع إلى جسر للتعاون، كما أن يمثل الاتفاق الأخير بين العراق وتركيا نقطة تحول في العلاقات الثنائية، وفرصة لإعادة صياغة السياسة المائية على أسس التعاون لا التنازع. ومع ذلك، يبقى نجاح هذا المسار مرهونًا...

في منطقة تتسم بندرة الموارد وتزايد التحديات البيئية، يبرز ملف المياه بين العراق وتركيا كأحد أكثر الملفات حساسية وتعقيدًا، فنهري دجلة والفرات، اللذان يشكلان شريان الحياة للعراق، ينبعان من الأراضي التركية، ما يمنح أنقرة موقعًا تفاوضيًا قويًا في أي نقاش حول تقاسم المياه.

على مدى عقود، ظل العراق يعاني من انخفاض مستمر في تدفق المياه، نتيجة بناء تركيا لسدود ضخمة ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول (GAP)، أبرزها سد إليسو الذي أثّر بشكل مباشر على نهر دجلة، أذ أن هذا التراجع في الموارد المائية انعكس سلبًا على الزراعة، والأمن الغذائي، وحتى الصحة العامة في العراق.

العلاقات السياسية بين العراق وتركيا تشهد تحولاً استراتيجياً في عام 2025، مع توقيع اتفاقيات تاريخية في مجالات المياه والنفط والتنمية، مما يعكس رغبة البلدين في تجاوز التوترات وبناء شراكة إقليمية متينة، ففي السنوات الأخيرة، مرت العلاقات العراقية التركية بمراحل متباينة بين التوتر والتعاون، إلا أن عام 2025 شكّل نقطة تحول مهمة في مسار هذه العلاقة. فقد شهدت بغداد وأنقرة سلسلة من اللقاءات والاتفاقيات التي تهدف إلى إعادة صياغة أسس التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين.

لكن في تحول لافت، شهد شهر نوفمبر 2025 توقيع اتفاقية تاريخية بين بغداد وأنقرة لتنظيم ملف المياه، بحضور رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إذ ينص هذا الاتفاق الذي لم يقتصر على توزيع الحصص، بل شمل تحويل 26 مذكرة تفاهم سابقة إلى مشاريع تنفيذية، وإنشاء آلية مشتركة لإدارة الموارد المائية، وتقديم دعم تركي لتطوير البنية التحتية المائية في العراق.

هذا الاتفاق يعكس إدراكًا متبادلًا بأن المياه لم تعد مجرد مورد طبيعي، بل قضية أمن قومي تتطلب تعاونًا إقليميًا، كما أنه يمثل خطوة نحو بناء الثقة بين البلدين، ويفتح الباب أمام شراكات أوسع في مجالات الطاقة والنقل والتعليم.

الاتفاق يعكس تحولًا في العلاقات الثنائية من التوتر إلى التعاون، ويعزز الاستقرار الإقليمي، ويمثل نموذجًا للدبلوماسية المائية في منطقة تعاني من ندرة الموارد وتغير المناخ، كما أنه يفتح الباب أمام شراكات اقتصادية أوسع بين البلدين، خاصة في مجالات الطاقة والنقل.

تبقى هناك تحديات قائمة، فغياب اتفاقيات دولية ملزمة، وتغير المناخ، والضغوط الداخلية في كلا البلدين، قد تعيق تنفيذ الاتفاق على الأرض، لذلك فإن نجاح هذه الخطوة التاريخية يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وآليات رقابة شفافة، ودعمًا دوليًا لضمان العدالة المائية.

يبقى ملف المياه بين العراق وتركيا اختبارًا حقيقيًا لقدرة الدول على تحويل الجغرافيا من مصدر صراع إلى جسر للتعاون، كما أن يمثل الاتفاق الأخير بين العراق وتركيا نقطة تحول في العلاقات الثنائية، وفرصة لإعادة صياغة السياسة المائية على أسس التعاون لا التنازع. ومع ذلك، يبقى نجاح هذا المسار مرهونًا بالإرادة السياسية، والشفافية، والالتزام الفعلي من الطرفين. فالمياه ليست مجرد مورد طبيعي، بل هي قضية وجود وسيادة واستقرار.

العلاقة بين العراق وتركيا في 2025 تتجه نحو إعادة صياغة شاملة، تجمع بين الحوار السياسي، المشاريع الاقتصادية الكبرى، والتنسيق الأمني الحذر. ورغم استمرار بعض التحديات، فإن الإرادة السياسية المشتركة تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون الإقليمي، قد تكون أكثر استقراراً وفاعلية من العقود السابقة.

اضف تعليق