البحث عن مصادر بديلة للطاقة أصبح من أكثر الأمور أهمية لدى العديد من الدول والحكومات، التي تسعى في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية والبيئية الخطيرة التي تعصف بالعالم، الى إيجاد طرق وبدائل جديدة تمكنها من الاستمرار والتقدم، وتخفيض مستوى الغازات المنبعثة وتقليل الاعتماد الكبير على مصادر الطاقة التقليدية من الوقود الاحفوري والبترول ومشتقاته والفحم والغاز الطبيعي التي تسببت وكما يقول بعض الخبراء، بخلق مشاكل صحية وبيئية خطيرة لم يشهد لها مثيل، حيث سعى العديد من العلماء والباحثين الى الاستفادة من التطور العلمي الكبير والبحث عن مصادر للطاقة البديلة والنظيفة والتي تحقق التنمية المستدامة ولا تؤثر سلبا على صحة الإنسان و البيئة، وهذا ما يتحقق في الإعتماد على مصادر الطاقة المتجددة التي تتولد بصورة طبيعية وبصفة مستدامة ودون أن ينتج عنها أي نوع من أنواع النفايات الضارة، وتنتج الطاقة المتجددة من الرياح والمياه والشمس, كما يمكن إنتاجها من حركة الأمواج والمد والجزر أو من طاقة حرارة أرضية وكذلك من بعض المحاصيل الزراعية والأشجار المنتجة للزيوت وغيرها من المصادر الاخرى.

وكما تنقل بعض المصادر فهناك بلدان عديدة وضعت خططا لزيادة نسبة إنتاجها للطاقة المتجددة بحيث تغطي احتياجاتها من الطاقة بنسبة 20% من استهلاكها عام 2020. وفي مؤتمر كيوتو باليابان إتفق معظم رؤساء الدول على تخفيض إنتاج ثاني أكسيد الكربون في الأعوام القادمة وذلك لتجنب التهديدات الرئيسية لتغير المناخ بسبب التلوث واستنفاد الوقود الأحفوري، بالإضافة للمخاطر الاجتماعية والسياسية للوقود الأحفوري والطاقة النووية.

امريكا

وفي هذا الشأن نجح باحثون اميركيون في انتاج الهيدروجين عبر اعتماد وسيلة تجريبية من شأنها السماح بالحد بشكل كبير من الوقت والتكاليف لانتاج هذا الوقود الواعد على صعيد تقليص انبعاثات الغازات المسببة لمفعول الدفيئة. هذا التقدم العلمي الذي نشرت نتائجه في حوليات الاكاديمية الاميركية للعلوم من شأنه المساعدة في الاسراع بانتاج كميات كبيرة من السيارات العاملة بالهيدروجين الذي يتميز بكلفة أدنى وبعدم انتاجه ثاني اكسيد الكربون بحسب خبراء.

حاليا، لا يزال أحد اكبر العوائق امام انتاج الهيدروجين على نطاق واسع، هي كلفته المرتفعة بفعل انتاجه من الغاز الطبيعي. كما ان توزيعه على مستخدمي السيارات المزودة ببطاريات عاملة بخلايا الوقود يمثل تحديا آخر. وأعد الباحثون من جامعة "فيرجينيا تك" عملية حيوية تستخدم انزيمات تسمح بانتاج الهيدروجين سريعا مع مردود كبير انطلاقا من الغلوكوز والزيلوز (سكر الخشب)، وهما نوعان من السكر موجودان بكثرة في اوراق الذرة وحبوبها وقشورها. وللحصول على هذه السكريات، استخدم الباحثون مزيجا من الانزيمات التجارية.

وبفضل نموذج معلوماتي تمكن الباحثون من تحديد الانزيمات وهي جزيئات تسمح بالاسراع حتى ملايين المرات في التفاعلات الكيميائية في الايض القادرة على السماح بانتاج اكبر كميات من الهيدروجين انطلاقا من هذه الكتلة الحيوية. وسمح هذا الامر بزيادة انتاج الهيدروجين بواقع ثلاث مرات مقارنة مع المستويات التي يمكن الحصول عليها باستخدام التركيزات العادية وفق الباحثين.

واعتبر برسيفال شانغ الاستاذ في قسم هندسة الانظمة البيولوجية في جامعة فيرجينيا تك ان "هذا الامر يعني اننا حددنا المرحلة الاهم في اتجاه اقتصاد مبني على الهيدروجين اي انتاج وتوزيع هيدروجين صديق للبيئة وبكلفة زهيدة مصدره الكتلة الحيوية المحلية". وأشار فريق الباحثين الى انه تلقى مبالغ كبيرة لتمويل الانتاج على المستوى الصناعي. وأوضح مدير مركز الوقود المتجدد في جامعة فلوريدا لوني اينغرام الذي لم يشارك في هذه الاعمال أنه "على الرغم من صعوبة التكهن بكلفة الانتاج على مستوى كبير في هذه المرحلة، هذه التقنية الجديدة تمثل مقاربة ثورية مع ايجابيات كثيرة". بحسب فرانس برس.

وخلافا لوسائل الانتاج الاخرى التي تعتمد على الدرجة الكبيرة من التحويل للسكريات، استخدم الباحثون في جامعة فيرجينيا تك مخلفات الكتلة الحيوية. وهذا الامر يقلص تكاليف الانتاج ويسمح باستخدام مصدر متوافر بشكل كبير على مقربة من وحدة الانتاج. وجرى تمويل هذا المشروع جزئيا من جانب مجموعة "شل" في اطار مبادرة "غيم تشينجر" (تغيير المعادلة) ومن المؤسسة الوطنية الاميركية للعلوم.

بريطانيا

من جانب اخر يبدو إنه ليس باصاً عادياً بل يعمل على غاز الميثان الحيوي المتولد من معالجة الفضلات البشرية، ولكن لا تقلقوا فوسيلة التنقل هذه الصديقة للبيئة لن تؤثر على حاسة الشم لديكم. أعلنت بريطانيا، عن بدء خدمات لنقل أكثر من 10 آلاف راكب شهرياً من مطار بريستول إلى قرية بيث التاريخية باستخدام باص "A4"، ليتنقل بين النقطتين بمسافة تقارب 300 كيلومتر. وأشار محمد صديق من شركة "GENeco" المسؤولة عن محطة معالجة مياه الصرف الصحي المزودة لوقود الباص إلى أن الانبعاثات الصادرة عن وسيلة النقل هذه أقل بمقدار 30 في المائة مقارنة بالباصات الأخرى. وأضاف صديق بقوله إن الفضلات التي ينتجها شخص واحد سنوياً كفيلة بتشغيل الباص لما يقارب 60 كيلومتراً. بحسب CNN.

ويشكل الباص خطوة جديدة لتطبيق بريطانيا استعمال غاز الميثان ليشكل مصدراً للطاقة، إذ قامت من قبل باستخدام الغاز ذاته لتزويد آلاف المنازل بالحرارة. ويقدر الخبراء بأن هذا الغاز يمكنه أن يغطي 10 في المائة من حاجة بريطانيا للغاز محلياً إن استغلت الفضلات البشرية للسكان على أكمل وجه.

كينيا

على صعيد متصل لا تعمل الكثير من النساء في مجال الاستثمار في الطاقة النظيفة في كينيا... لكن تسمم الدجاج جعل من ليديا ويثيرا واحدة من هؤلاء. وشرعت مربية الدواجن ويثيرا في البحث عن سبل للحفاظ على حياة طيورها خلال الليلات الشديدة البرودة. وكان أول خيار لجأت اليه هو احراق الفحم النباتي ما نجم عنه نفوق الكثير من الدواجن بسبب التسمم بغاز أول اكسيد الكربون بعد وضعها في حيز مغلق.

لكن بناء على نصائح من جاراتها تحولت الى استخدام قوالب مصنوعة من المخلفات المضغوطة الناتجة من صناعة السكر والعسل الاسود. ونجحت هذه القوالب التي تظل مشتعلة لفترة طويلة بل انها خففت عن كاهلها عناء الاستيقاظ في منتصف الليل والتوجه الى عنابر الدجاج لاشعال الفحم النباتي. وفي غضون عامين ومع رواج تجارتها في الدواجن كانت تحتاج الى 200 جوال من هذه القوالب المضغوطة كل شهر وكان هذا هو موعد انطلاق البحث عن امكانية تصنيعها بنفسها توفيرا للنفقات.

وبعد أربع سنوات وعقب تلقيها تدريبا على هذا النشاط ومنحها قرضا كانت تنتج طنا من هذه القوالب يوميا ويعمل لديها اربعة من العمال وقالت إن حجم استثمارات نشاطها التجاري الذي بدأ بمبلغ 1200 دولار وصل الى 18 الف دولار. وقالت "اكتشفت انه استثمار مربح ولم أنظر أبدا الى الوراء". وبسبب النقص في رأس المال وفي مهارات الطاقة النظيفة بين نساء كينيا حاليا هيمن الرجال على وظائف الطاقة المتجددة وأنشطة قطاع الاعمال في البلاد. لكن النساء شرعن وبالتدريج في فتح الابواب على مصراعيها التي كانت موصدة دونهن.

وحتى تساعد ويثيرا في تحويل شركتها لتصنيع القوالب المضغوطة من مجرد فكرة الى نشاط تجاري ناجح انضمت الى برنامج ارشادي تديره منظمة (جلوبال فيليدج انيرجي) للشراكة والتي تركز على توسيع نطاق الحصول على الطاقة في الدول النامية. لكن رغم نجاحها القياسي في هذا المضمار وفي التدريب تواجه ويثيرا مقاومة في بناء نشاطها التجاري وذلك بسبب مفاهيم في كينيا مؤداها ان مجال الطاقة المتجددة لا يناسب المرأة.

وقالت ويثيرا إن كل هذه المسائل يمكن معالجتها إذا تعاونت الجامعات ومؤسسات البحث الفنية مع العاملين في انشطة الطاقة المتجددة لتشجيع التدريب في مجال التكنولوجيا الصديقة للبيئة لاسيما بين السيدات. وقالت إن هذا من شأنه ان يعطي دفعة لصناعة الطاقة المستدامة فيما يحسن من جودة منتجاتها. ووافق سامي كيتولا منسق اعتمادات رؤوس الاموال في (جلوبال فيليدج انيرجي) على ذلك بقوله "للاسف فان قلة من الجماعات الكينية تركز على الطاقة المتجددة لكن مع توفير التقنيات والتدريب الملائم يمكن اشراك المزيد من سيدات الاعمال في كينيا."

وتلعب الكينيات بعض الادوار الرئيسية في قطاع الطاقة المتجددة في حين ان مصممي البرامج والفنيين معظمهم من الرجال فيما تكلف النساء بصفة عامة ببيع المنتجات وتصنيع بعض المكونات منها بطانة مواقد صديقة للبيئة. وقال كيتولا إن عدة هيئات غير حكومية تسعى لارشاد الكينيات للانخراط في أنشطة الطاقة النظيفة من خلال تقديم المشورة ووسائل الاتصال وتوفير الاموال. بحسب رويترز.

وتربط منظمته بين النساء العاملات في مجال الطاقة النظيفة والمؤسسات المالية من خلال عرض ضمانات قروض ومطالبة هذه المؤسسات بخفض اسعار الفائدة. واضاف ان وزارة الطاقة اطلقت مبادرة لتوفير التدريب للنساء في مراكزها الخاصة بالطاقة. وقال كيتولا إن هذه الجهود تتمخض الآن عن زيادة اعداد النساء اللائي يشاركن في التدريب والبحث عن رؤوس اموال لانطلاق مشروعات استثمارية في حقل الطاقة النظيفة. وحثت ويثيرا الكينيات على اغتنام فرص الطاقة النظيفة قائلة إنها تدر أرباحا طائلة. وقالت "هناك طلب هائل".

الهند

في السياق ذاته أصبح باعة الشاي في مدينة ناشيك بغرب الهند ممن يستخدمون مواقد تعمل بالوقود الحيوي النظيف أبطالا مجهولين في معركة البلاد لمكافحة التلوث فهم لا يستخدمون مجرد مواقد صديقة للبيئة فقط بل انهم بدأوا في تسويقها. وتقول منظمة الصحة العالمية إن ثلاثة مليارات شخص على مستوى العالم يستخدمون المواقد التي تعمل بالوقود الصلب مثل الفحم الحجري او النباتي وهي مواقد مفتوحة او تقليدية تنبعث منها كميات هائلة من غاز أول اكسيد الكربون لكن من الصعوبة بمكان اقناعهم بالتحول لاستخدام الطاقة النظيفة.

وصممت عدة شركات مواقد زهيدة الثمن تتسم بالكفاءة وتستخدم طاقة الكتلة الحيوية مثل الخشب لكن هذه الشركات تبذل جهودا مضنية في الدعاية لمنتجاتها. وتجلت لشركة سوامي ساماراث الكترونيكس بالهند فكرة الاستعانة بباعة الشاي في مدينة ناشيك لتسويق منتجاتها عندما أدركت عدم جدوى منظومة تجار التجزئة والباعة الجائلين والموزعين. وقال سوميترا كولكارني مدير شركة سوامي ساماراث الكترونيكس "الاقبال على شراء هذا المنتج يصبح مؤكدا إذا شاهده الناس وهو يعمل بأنفسهم وإذا رأوا الحد الادنى من الأدخنة المنبعثة منه".

وتمنح الشركة -التي انشئت منذ 20 عاما - موقدا صديقا للبيئة لكل بائع شاي مع اعطائه كمية معينة من المنتج لبيعه. وقال كولكارني "يرى الزبائن شيئا جديدا وانه يعمل بكفاءة. يقوم باعة الشاي بتسويق المنتج ويحصلون على عمولة عن كل قطعة مباعة". واضاف ان 12 من باعة الشاي يتولون تسويق الموقد منذ عام 2010 وساعدوا في بيع سبعة آلاف وحدة منه. ويبلغ سعر الموقد الواحد نحو ألف روبية (16 دولارا) ويكسب بائع الشاي عمولة قدرها 200 روبية (ثلاثة دولارات) عن كل وحدة مباعة وهو ما يعادل بيع كمية تصل الى 800 كوب شاي.

لكن انعدام الوعي بشأن الاضرار الناجمة عن استخدام مواقد الوقود الصلب في مناطق مغلقة لا يزال يمثل تحديا كبيرا في اقناع الناس بالتحول لاستخدام الطاقة النظيفة. وتقول منظمة الصحة العالمية إن ما يقدر بنحو 4.3 مليون شخص سنويا -معظمهم من الاناث والاطفال الصغار- يموتون جراء التعرض لفترات طويلة للتلوث داخل المنازل منهم نصف مليون في الهند وحدها. بحسب رويترز.

وقال كولكارني إنه متفائل فيما تعتزم حكومة نيودلهي بدء حملة توعية في هذا الشأن وستشتري 2.4 مليون موقد صديق للبيئة من شركات التصنيع الاصلية لتوزيعها على الاسر الفقيرة مجانا أو باسعار زهيدة. واضاف إن الامر يستغرق 20 عاما كي يصبح للتلوث داخل المنازل نتيجة استخدام المواقد التقليدية الضارة "أثر عكسي على الصحة لذا فان الناس يستخدمونها باستمرار. التوعية العامة ستساعد قطعا في نمو هذه التجارة الجديدة".

أوروبا

من جانب اخر قال برنامج "مستقبل الكهرباء" التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي في تقرير إنه كان بامكان اوروبا أن توفر 100 مليار دولار من خلال تركيب ألواح الطاقة الشمسية في دول تتمتع بساعات أطول من سطوع الشمس ووضع مزارع الرياح في مواقع تهب عليها الرياح لفترات أطول. وأضاف التقرير الذي وضع مع مؤسسة (بين) الاستشارية إنه كان بالامكان أيضا توفير 40 مليار دولار أخرى من خلال تحسين التنسيق عبر الحدود والتوسع في مد خطوط الطاقة بين الدول.

وقال التقرير إنه رغم أن اسبانيا تحصل على طاقة شمسية أكبر من ألمانيا بنسبة 65 في المئة -إذ تحصل على 1750 كيلووات ساعة للمتر المربع في السنة بالمقارنة بحجم طاقة يبلغ 1050 كيلووات ساعة للمتر المربع في السنة في ألمانيا- إلا أن ألمانيا قامت بتركيب شبكات بقدرات تزيد بنسبة نحو 600 في المئة من القدرة الكهروضوئية الشمسية (33 جيجاوات مقارنة بخمسة جيجاوات). لكن في حين أن الرياح لدى اسبانيا أقل من دول شرق اوروبا فقد قامت بتركيب قدرات طاقة رياح بقدرة 23 جيجاوات. بحسب رويترز.

وقال التقرير "تشير التقديرات إلى أن مثل هذا التوزيع دون المثالي للموارد كلف الاتحاد الاوروبي مبالغ تزيد بنحو 100 مليار دولار عما لو كانت كل دولة من دول الاتحاد قد استثمرت بقدرة أكثر كفاءة وفقا لمواردها المتجددة." ومضى التقرير يقول إن الاستثمار الزائد في مصادر الطاقة المتجددة أوجد فائضا ضخما في طاقة توليد الكهرباء في اوروبا مما ينال من أرباح شركات المرافق. وأضاف التقرير أنه خلال السنوات الخمس الأخيرة أضيفت قدرات تبلغ 130 جيجاوات من الطاقة المولدة بوسائل الطاقة المتجددة و78 جيجاوات من القدرة التقليدية إلى الشبكات في الاتحاد الاوروبي فيما احيلت قدرة 44 جيجاوات فقط من الطاقة التقليدية إلى التقاعد.

توربينات الرياح

على صعيد متصل يؤكد معارضو استخدام توربينات الرياح بشدة أنها وسيلة مزعجة وغير فعالة وتشوه صورة المناظر الطبيعية ووسيلة مكلفة للغاية، ولذا فمن الحماقة أن نعتمد عليها. وكان من الغريب أن ينتقد هؤلاء كفاءة التوربينات نظرا لأن الوقود المستخدم – وهو الرياح – مجاني. وبالرغم من أن الكهرباء المولدة من الرياح قد تكون حاليا أكثر تكلفة من تلك المولدة من بعض أنواع الوقود الأحفوري، إلا أن التكاليف تنخفض بسرعة كبيرة.

أما بشأن ما يقال عن أنها تعد منظرا قبيحا، فهذه مجرد مسألة رأي. لكن موجة جديدة من تقنيات التوربينات تتطلع إلى إنهاء مثل هذا النقاش إلى الأبد، من خلال جعل طاقة الرياح أرخص وأكثر مرونة وأقل تأثيرا على الريف، في كثير من الحالات. البعض لا يريد أن يتركها لآليات السوق، لكن أولئك الذين يفكرون في ذلك يمكن أن يحدثوا ثورة في طاقة الرياح. وتعد عدسات الرياح أحد أبسط الأفكار التي يجري العمل على تطويرها. ويقود يوجي أوهيا، من جامعة كيوشو اليابانية، فريقا يعمل على تصميم هيكل مخروطي الشكل يوضع حول ريش التوربينات لتوليد ضغط أقل وتسريع سرعة الرياح.

ويقول أوهيا إن توربينات عدسات الرياح تنتج من ضعفي إلى ثلاثة أضعاف الطاقة التي تولدها التوربينات التقليدية، مع الحد من الضوضاء إلى حد كبير – وهو ما قد يزيل عقبة أمام استخدام التوربينات بصورة أكثر انتشارا في المناطق المأهولة بالسكان. ويقول المصممون إن توربينات عدسات الرياح تولد طاقة أكبر بحيث لا يجب أن تكون الأجنحة بهذا الحجم الكبير. ويضيف أوهيا أن التوربينات المدمجة التي تنتج ما يتراوح بين 1 كيلووات و3 كيلووات تأتي ضمن "المرحلة النهائية للتوزيع العالمي"، في حين يجري اختبار اثنين من التوربينات الأكبر بقوة 100 كيلووات منذ عام 2011. والمرحلة التالية هي بناء نسخة قادرة على توليد 300 كيلووات.

لكن لم يكن الجميع مقتنعا بهذا الطرح. ويشكك الدكتور غوردون إيدج بمؤسسة "رينيوابل يو كيه" في كمية المواد الإضافية اللازمة لكل من العدسة وهيكل التوربينات. ويضيف: "طرحت هذه الفكرة من قبل لكنها لم ترتق إلى المستوى المأمول." وتعمل شركة "شيرويند" الأمريكية على تجربة فكرة أكثر جنونا. وأثناء البحث عن كيفية الحد من الضوضاء والاهتزازات الناجمة عن التوربينات التقليدية لوزارة الطاقة الأمريكية، قال الدكتور داريوش ألي إنه كان يجب أن يكون هناك طريقة أفضل لتسخير طاقة الرياح.

في عام 2009، كان داريوش وفريقه يعملون على تصميم نظام لجمع الرياح على مسافة أقرب بكثير إلى الأرض. ونجح نظام "إنفيلوكس" على التقاط الرياح بسرعات منخفضة تصل إلى 2 كيلو متر في الساعة، وزيادة سرعتها قبل تمريرها من خلال توربين صغير. وتمكن هذا التصميم من التقاط الرياح على سرعة منخفضة بحيث "يجعل طاقة الرياح قابلة للتطبيق في معظم أنحاء العالم" علاوة على أن هذا النظام كان أصغر وأبسط وأرخص وأكثر هدوءا من التوربينات التقليدية، حسب كارلا شولز، التي تعمل لحساب شركة شيرويند.

في الواقع، تدعي الشركة أن تكلفة الكهرباء التي يولدها نظام "إنفيلوكس" أقل ثلاث مرات من تلك التي تولدها توربينات مماثلة وموجودة بالفعل. وتم تصميم نموذج الانتشار السريع لشركة شيرويند بحيث يمكن إنشائه سريعا لتوفير الطاقة عند الحاجة. وبدلا من التركيز على الأرض، تتطلع العديد من الشركات إلى السماء. ويقول إيدج: "هناك مزايا واضحة للتحليق عاليا"، حيث تكون الرياح أقوى وأكثر اتساقا. وتوصل بحث أجرته جامعة العلوم التطبيقية في تورينو الإيطالية إلى أن سرعة الرياح على ارتفاع 800 متر تتجاوز ضعف سرعة الرياح على ارتفاع 10 أمتار، في حين كانت الطاقة، إذا ما قيست بالوات لكل الدقيقة، عشرة أضعاف.

وتعد شركة "إنيركايت" إحدى الشركات الرائدة في مجال التوربينات الطائرة. وصمم فريق تابع للشركة جناحا من ألياف الكربون "يتم التحكم فيه للطيران في رياح متعامدة على ارتفاعات متغيرة، ومشدودة بقوة بحبال ويتم قيادتها من خلال كرات على الأرض"، على حد قول الكسندر بورمان، أحد مؤسسي الشركة. ثم يتم لف الجناح وتبدأ العملية مرة أخرى. ويقول بورمان إن طائرة شراعية بقوة 100 كيلووات تنتج نفس كمية الكهرباء التي ينتجها توربين بقوة تتراوح بين 200 كيلووات و300 كيلووات، وهو ما يعني طاقة أرخص.

ويقول بورمان إن صيانة هذا التصميم منخفضة التكلفة ويمكن القيام بها على الأرض كما يمكن نقله بسهولة. ومثل كل مولدات الرياح الطائرة، فإن هذا النظام يستخدم مواد أقل بكثير من التوربينات المحمولة على أبراج. وعلى نطاق صغير، تكون الطائرات الشراعية مناسبة بصورة أكبر للمجتمعات النائية التي قد تعتمد على توليد الديزل للوفاء ببعض أو كل احتياجاتها من الطاقة، لكنها على المدى الطويل قد "تكون قابلة للإنتاج على مستوى المنفعة"، كما يقول بورمان.

ويعمل مركز أبحاث "كايت جين" الإيطالي على تطوير تصميم مشابه، في حين يتجه آخرون إلى استخدام تكنولوجيا المنطاد الهوائي لحمل التوربينات على مسافة مئات الأمتار في السماء. وتستخدم شركة "ألتاآيروس للطاقة"، ومقرها الولايات المتحدة، قوقعة مليئة بالهليوم، يوجد بداخلها توربين خفيف الوزن. ويمكن رفع وخفض التوربين للحصول على أقصى سرعة ممكنة للرياح، كما أنه مثبت في الأرض بثلاثة حبال، ينقل إحداها الطاقة المتولدة إلى الأرض. وتقول الشركة إن التصميم الجديد ينتج طاقة تبلغ ضعفي أو ثلاثة أضعاف توربينات الرياح التقليدية، وبتكلفة تركيب ونقل أقل بحوالي 90 في المئة.

وتطور شركة LTA لطاقة الرياح الكندية فكرة مشابهة، لكنها تعتمد على مركبة هوائية تحتوي على غاز الهيدروجين. وتوربينات الهواء التي صممتها ألتاآيروس تحتوي على غاز الهيليوم لرفع التوربين لمسافة مئات الأمتار في الهواء. كما ينضم مشروع غوغل السري "غوغل إكس" إلى المنافسة، بعد شراء غوغل لشركة طاقة الرياح "مكاني" عام 2013. ويتضمن الابتكار الذي تقدمه غوغل طائرة شراعية مصنوعة من ألياف الكربون، ومثبتة في الأرض، تطير في دوائر على ارتفاع يصل إلى 350 مترا، وتحمل ثمانية توربينات صغيرة تنتج 600 كيلووات من الطاقة. وتقول مكاني إنه بإمكان الطائرة الشراعية إنتاج طاقة تفوق التوربينات التقليدية بحوالي 50 في المئة.

ويعتمد تصميم "مكاني" على طائرة شراعية مثبتة بحبال في الأرض، تطير على ارتفاعات بعيدة لجمع الطاقة من الرياح. ولأن تغير الظروف المناخية من أكبر سلبيات طاقة الرياح، يصعب تجاهل المحاولة للوصول بالمولدات إلى أعلى ارتفاع ممكن. لكن جان ماثيسون، من هيئة الكربون البريطانية، يرى أن هناك "الكثير من التساؤلات والمخاطر حول طاقة الرياح". وقال: "تحتاج هذه الشركات إلى إجراء المزيد من الاختبارات للحصول على نتائج موثقة. ومع ارتفاع تكلفة الاختبارات، سيكون من الصعب تدشين هذه التكنولوجيا في السوق". ويرى أن تكنولوجيا التوربينات الطائرة تحتاج لعشر سنوات على الأقل قبل نشرها في الأسواق.

وتجري عمليات تطوير التوربينات العائمة على الشواطئ بشكل أسرع. وهناك توربينات تجريبية على شواطئ النرويج، والبرتغال، واليابان، في حين يعكف عدد من الشركات على تطوير تكنولوجيا قد تغير في مسار توليد الطاقة من الرياح. وبالنسبة للبلاد التي تنحدر شواطئها بشكل مفاجئ، كسواحل اليابان وغرب الولايات المتحدة، وفرنسا، فلا يمكن الاعتماد فيها على المولدات المثبتة في البحر.

وتعتبر التوربينات العائمة أحد أهم مصادر طاقة الرياح، إذ تتغير سرعة الرياح على الشواطئ بشكل سريع. لذا، فإن التوربينات العائمة ليست مصدرا لطاقة الرياح في مناطق جديدة فحسب، لكن بها بعض المميزات التي تفوق التوبينات الثابتة. ويمكن بناء وتركيب التوربيعات العائمة على الشاطئ، ثم إطلاقها في المياه. وحال حاجتها إلى إصلاح، يمكن سحبها مجددا، مما يجعل الصيانة أسهل وأقل تكلفة. وكما قال إيدج "يمكنها تقليل التكلفة بشكل كبير". بحسب بي بي سي.

وحتما ستساعد التوربينات البعيدة على الشاطئ على إدراك إمكانياتها الكاملة. ولزيادة طاقة الرياح المتولدة من التوربينات على الشاطئ، تحتاج إلى توربينات أكبر، وهو أمر يلقى الكثير من المعارضة كونها تشوه المظهر العام وتحدث الكثير من الضوضاء. وبالفعل، يجري تشغيل بعض التوربينات بأقل من كفاءتها لخفض مستوى الضوضاء. ولكن التوربينات البعيدة عن الشاطئ لا ضوابط عليها، فالرياح الأقوى، بمساعدة التوربينات الأكبر، تولد المزيد من الطاقة، مما يقلل من سعر الوحدة الكهربائية التي تولدها. ويقول ماثيسون: "تحتاج طاقة الرياح إلى بلوغ ارتفاعات أكبر لكي تحدث فرقا. ولا يمكن بلوغ ارتفاعات أكبر إلا بعيدا عن الشواطئ". وقد يختلف مطورو التوربينات الطائرة مع هذا الرأي. لكن مع ظهور هذه الخيارات التكنولوجية الجديدة، يضعف ادعاء صعوبة استغلال طاقة الرياح.

اضف تعليق