q
تُشكّل المدرسة في عصرنا الحالي الأداة الرئيسيّة لبناء النموذج المجتمعي المنشود، وهي، بمختلف مراحلها وموادها ومسمّياتها، مدعوّة اليوم لأن تلعب دوراً فاعلاً في بناء المواطنة السليمة والمتكافئة، كأداة لتمكين الأجيال الصاعدة من حقّها في التعلّم، وفي اكتساب الكفايات الضروريّة التي تساعدها على شقّ طريق حياتها المستقبليّة...

تُشكّل المدرسة في عصرنا الحالي الأداة الرئيسيّة لبناء النموذج المجتمعي المنشود، وهي، بمختلف مراحلها وموادها ومسمّياتها، مدعوّة اليوم لأن تلعب دوراً فاعلاً في بناء المواطنة السليمة والمتكافئة، كأداة لتمكين الأجيال الصاعدة من حقّها في التعلّم، وفي اكتساب الكفايات الضروريّة التي تساعدها على شقّ طريق حياتها المستقبليّة.

وبعد ذلك، فالمدرسة مجال لتمكين الأجيال من حقّها في التربية ييسّرُ لها الاندماج في المجتمع وبنائه مستقبلاً، لأنها فضاء للتزوّد بالمعرفة وبالمنهج العلمي والسلوك الأخلاقي. وإذا ما توافقت رؤية أصحاب القرار مع هذا التوجّه فيمكن حينئذٍ الارتقاء بالمجتمع نحو الأفضل على جميع الصّعُد، الحقوقية والقانونية والتربوية والأخلاقية، باتباع خطة طويلة الأمد، وإن كانت متدرّجة، في التربية على المواطنة تبتدئ من الطفولة والمرحلة الابتدائّية وتتصاعد في المرحلة الثانوية وصولاً إلى ما بعدها، بحيث تتم ترجمة القيم وتمثّلها عمليّاً تساوقاً مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وتعميمها في المناهج الدراسية كافة. ما يوفّر الأرضية السليمة لتكوين مواطن حرّ صالح وقادر على اكتساب المعارف، ومتشبّع في الوقت نفسه بهُويّته ذات البُعد الإنساني الحضاري المنسجم مع عصره، بحيث تجعله فخوراً بهذا الانتماء من جهة، ومُدركاً للحقوق والواجبات من جهة أخرى، ومستعدّاً لخدمة بلده بكل صِدق واقتدار، خصوصاً حين يقترن القول بالعمل لتكوين نموذج ثقافي وأخلاقي.

وتعتبر المدرسة من أبرز أدوات النهوض المجتمعي، وهي في الوقت نفسه الآليّة المناسبة والتي لا غنى عنها لتكوين الإنسان وتنمية مداركه في الدفاع عن حقوقه وحرّياته، خصوصاً في مرحلته الأولى الضروريّة، من خلال ثلاث مراحل: أولها الإعداد، وثانيها مرحلة التجريب، وثالثها مرحلة التعليم، على الرغم من أنها مراحل متداخلة وغير منفصلة عن بعضها بعضاً، وأنّها تتم بموازاة بين مراحلها وبالارتباط معها والتفاعل فيما بينها.

ولتقديم منهج تربوي جديد يقوم على اعتماد المواطنة أساساً، لا بدّ من أن يأخذ في الاعتبار:

1. العمل على حذف النصوص من جميع مناهج التدريس المختلفة، ذات المضامين المتعارضة مع قيم المواطنة المتساوية والمتكافئة.

2. وضع برنامج خاص بالتربية على المواطنة كجزء من منظومة حقوق الإنسان يغطّي المراحل الدراسية كافة.

3. الجمع بين كونيّة هذه الحقوق الجامعة للبشر مع مراعاة الخصوصيّة، بحيث تكون هذه الأخيرة عاملاً إضافياً لتوسيع الحقوق، وليس للتحلّل منها، فإنكار الخصوصيّة يؤدّي إلى فرض نمط أحادي بزعم الشمولية والعالمية، والتشبّث بها، ورفض القِيم الكونية (المشتركة) سيؤدّي إلى الانغلاق والتملّص من احترام القِيَم العالمية.

ولكي يكون مثل هذا الأمر ممكناً، فلا بدّ من تأهيل المعنيّين بذلك، خصوصاً إعداد دورات متخصّصة ومكثّفة للمُعلّمين أنفسهم، لاسيّما في ما يتعلّق بالمواطنة ومنظومة الحقوق، إضافة إلى التدريب على وضع المناهج عبر الاحتياجات ومعرفة الحيثيّات، فيما يخصّ الكتب المدرسيّة ومروراً بالمفتّشين المركزيّين وبقيّة العاملين في الحقل الإداري بالمؤسسات التعليميّة.

ولا بُدّ من تصنيف المواثيق الدوليّة والعمل على تكييف الانضمام إليها، أو تنفيذها في حال التوقيع عليها، ووضع مضامينها ومحتوياتها ضمن المراجع والمواد التربويّة وعمليات التدريب والتكوين، ولذلك ينبغي مراجعة البرامج وجَرد الكتب وإعداد دليل مرجعي وتنظيم أيّام تربويّة خاصّة، فالعنصر البشري هو الأساس في إنجاح كلّ مشروع من خلال ثلاث مقاربات:

أولاها – المقاربة القانونيّة، وهي تحتاج إلى تكوين قانوني للعاملين في حقل التربية على المواثيق والاتفاقات الدوليّة الخاصة بالحقوق بعد توفر الإرادة السياسيّة.

وثانيتها – المقاربة السوسيوسيكولجية (الاجتماعية – النفسية) لرفع مستوى الوعي للعاملين في الحقل التربوي وتبصيرهم بالمقومات الذاتية والموضوعيّة في العمل التربوي لنشر قيم المواطنة والحق.

وثالثتها – المقاربة الاستراتيجيّة، أي وضع خطّة إدماجية للمواد المُتعلقة بالحقوق والحريات على المستويات المعرفية والوجدانية والسلوكية، عبر وسائل حديثة مثل المسرح والسينما والرسم والفنون التشكيليّة والوسائل الابداعيّة الأخرى، إضافة إلى حقوق المرأة والطفل، ومبادئ أولية في الجوانب القانونية، ويُمكن الاستفادة من الإعلام والمجتمع المدني في هذا الخصوص.

والأمر يتعلّق أوّلاً - بمجال المعرفة بالحقوق، وثانياً - اكتساب القِيَم الحقوقية، وثالثاً – التطبيق، أي مراعاتها في الواقع العملي. ولا يُمكن بلوغ تلك الأهداف من دون التكامل مع دَور الأُسرة ووظيفتها في التنشئة للجيل الجديد، خصوصاً حين تتمكّن من ترسيخ قيمة المواطنة والتعايش مع الآخر، واحترام حق الاختلاف، والإقرار بالتنوّع والتعددية تساوقاً مع روح العصر، بما يحصّن ضدّ الجمود والتقليد ويفتح الآفاق للتفاعل بين الهُوية الوطنية والحقوق الإنسانية.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق