ان باب الجامعة سيغلق بوجه الضعفاء علميا، وحصر فرص التأهيل الجامعي لمن يستحقها، بدل هدرها على طلبة لا يمكن تطويرهم لافتقادهم الحدود الدنيا التي تؤهلهم للجامعة، وبالتالي الحصول على مخرجات جامعية نوعية يمكن الاستفادة منها فعليا في مؤسسات الدولة بضمنها مدارس وزارة التربية التي تشهد تراجعا واضحا يعرفه الجميع...

أمر مفرح أن يشهد التعليم العالي توسعا في مراحله الأولية والعليا، ذلك ان من مهام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن توفر ما يمكنها توفيره من فرص تعليمية للشباب، ولكن يجب ألا يكون هذا التوسع على حساب الطاقة الاستيعابية للجامعات، وعلى ما تتوافر عليه من امكانيات، وعلى مستوى الجودة التي يفترض ان تتحلى بها المخرجات، وهذه الجوانب الثلاثة مترابطة مع بعضها ارتباطا وثيقا، فلا يمكن ان تتحقق الجودة مع كم كبير من الطلبة يفوق قدرات الجامعة وامكانياتها، وهذه بديهيات مسلم بها والحديث عنها يأتي من باب التأكيد والتذكير. لكن الواقع ومنذ عقود يشير الى ان هذه الجوانب لم تؤخذ بالحسبان، ولأسباب شتى، اذ غالبا ما يوظف التوسع سياسيا، ولا يحدث لحاجة تنموية بدلالة ان غالبية المخرجات لم تجد فرصا كافية للتعيين في مؤسسات الدولة، او العمل في القطاع الخاص، او لتطور حدث في البنية التحتية للجامعة او على مستوى ملاكاتها التدريسية، والأمثلة كثيرة ومنها استحداث كليات في (كرفانات) او في مبان خصصت لأعمال اخرى غير التعليم الجامعي، او قيام تدريسيين بتدريس مواد علمية خارج تخصصاتهم.

وفي الوقت الذي لا تتوافر فيه الأموال الكافية لميزانيات الجامعات، نجد أعداد الطلبة تتزايد في المراحل الأولية ويتواصل التوسع في الدراسات العليا، وبالمحصلة يتعذر على الجامعة تأهيل هذه الأعداد الكبيرة تأهيلا سليما، ما جعل غالبية مخرجاتها لا تتناسب مع حاجة السوق للخبرات والمهارات وما نريده للشباب من حصيلة معرفية تسهم في رقيهم العلمي والحضاري

قد لا يرضي الاعتراف بهذه الحقيقة بعض الأطراف، لكن هذا هو الواقع، وليرد من يرى غيره، نخّرج سنويا مئات الآلاف، لكن نسبة المؤهلين فيهم معدودة والبقية لم يحدث عليها تغييرا، وكأنهم مازالوا طلابا في الاعدادية، ليس بالضرورة أن يكون الخلل في الكليات، بل من الطلبة من لا يستحق أن يدخل الجامعة بالأصل، ويشمل هذا الكلام طلبة الدراسات العليا أيضا الذين لا يصلح الكثير منهم لهذه المرحلة الدراسية اطلاقا.

لم يحدث أن ناقشت الجهات المعنية تراجع مستوى الخريجين الذين يطالبون الدولة بالتعيين، مع ان تعين الكثير منهم يشكل عبئا يثقل كاهل مؤسساتها، وافتقادهم للمهارات يصّعب عليهم شق طريق الحياة، ما يؤدي الى مشكلات اقتصادية واجتماعية وأمنية ظهر بعضها على السطح في السنوات الأخيرة.

فهل التوسع في التعليم الجامعي هو خطوة ايجابية بالمطلق؟، بالتأكيد لا، فمع الكم يضيع النوع، وطالما نريد للمخرجات أدوارا في خطط التنمية، فلابد من اختيار المؤهلين من طلبة الاعدادية للدخول الى الجامعة، وألا تكون الجامعة بابا مفتوحة لكل خريجي الاعدادية، ويقتضي هذا، التنسيق مع وزارة التربية بضرورة الغربلة في نهاية المرحلة المتوسطة، وهو اجراء عُمل به سابقا. يُفترض ان يقتصر الدخول الى المرحلة الاعدادية على الطلبة المتفوقين الذين تحدد وزارة التربية المعدل المناسب لدخولهم الاعدادية، والغربلة الثانية تكون من خلال المعدلات التي يحصل عليها الطلبة بعد تخرجهم من الاعدادية، ليجري تصنيفهم وبحسب معدلاتهم الى الكليات والمعاهد.

ماذا يعني ذلك؟ يعني ان باب الجامعة سيغلق بوجه الضعفاء علميا، وحصر فرص التأهيل الجامعي لمن يستحقها، بدل هدرها على طلبة لا يمكن تطويرهم لافتقادهم الحدود الدنيا التي تؤهلهم للجامعة، وبالتالي الحصول على مخرجات جامعية نوعية يمكن الاستفادة منها فعليا في مؤسسات الدولة بضمنها مدارس وزارة التربية التي تشهد تراجعا واضحا يعرفه الجميع.

اننا نجني على الطلبة غير المؤهلين بقبولهم في الجامعة وخروجهم بخفي حنين منها، بل من مصلحتهم بعد تخرجهم من المرحلة المتوسطة انخراطهم في الاعداديات المهنية ومراكز التدريب المهني، لأن ذلك يكسبهم مهنا على اسس علمية تساعدهم على القيام بمشاريع شخصية توفر لهم سبل العيش بكرامة، بدل اضافتهم الى صفوف العاطلين المرابطين قبالة الوزارات.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق


التعليقات

محمد علي
فكرة جريئة وقوية تحتاج ارضية للتطبيق أهمها ايجاد البدائل للطلبة غير المتفوقين حتى لا نكون امام حالة تهميش وتمييز لها انعكاسات سلبية تعقد الازمة أكثر2020-07-26