q
لاتزال العقوبات الاميركية المفروضة على ايران تثير الجدل عالمياً فيما ماستكون نتائجها في المستقبل، اذ يرى البعض إن هذه العقوبات ليست موجهة لأيران وحسب وانما ستطال دول أخرى مشتركة مع ايران ولكن بطريقة غير مباشرة عن طريق قطع الامدادات النفطية بين ايران وهذه الدول وهذا الجانب غير المعلن لسياسة الولايات المتحدة...

لاتزال العقوبات الاميركية المفروضة على ايران تثير الجدل عالمياً فيما ماستكون نتائجها في المستقبل، اذ يرى البعض إن هذه العقوبات ليست موجهة لأيران وحسب وانما ستطال دول أخرى مشتركة مع ايران ولكن بطريقة غير مباشرة عن طريق قطع الامدادات النفطية بين ايران وهذه الدول وهذا الجانب غير المعلن لسياسة الولايات المتحدة، وهذا يبدو واضحا من خلال تصريح الكثير من الدول عبر وسائل اعلامها من رفضها القاطع لهذه العقوبات، وهذا ماسينعكس سلباً على مستقبل أسعار وأسواق النفط عالمياً، اذ يرى مراقبون بأن صادرات النفط الإيرانية قد تهبط بنحو الثلثين بنهاية العام نظرا للعقوبات الأمريكية الجديدة، وهو ما يضع أسواق الخام تحت ضغط كبير وسط انقطاعات في الإمدادات من أنحاء أخرى في العالم، ويرى معظم المحللين أن العقوبات ستخفض بشكل كبير صادرات الخام الإيراني، ويرى بعضهم أسوأ احتمال بهبوطها بنحو الثلثين إلى 700 ألف برميل يوميا فقط، وتعتقد فاكتس جلوبال إنرجي (إف.جي.إي) لاستشارات الطاقة أن صادرات إيران من الخام ربما تتراجع إلى 700 ألف برميل يوميا فقط بسبب العقوبات. وستتجه هذه الصادرات بشكل رئيسي إلى الصين، مع شحنات أصغر حجما إلى الهند وتركيا ومشترين آخرين معفيين من العقوبات، في حين بينت إف.جي.إي إن 100 ألف برميل يوميا أخرى من المكثفات ربما تتجه إلى الصين ومشترين يتمتعون بإعفاء من العقوبات، وربما أيضا إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وكوريا.

توعد أمريكي للشركات التي تتعامل مع إيران

تعهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمنع الشركات التي تجري معاملات مع إيران من التعامل التجاري مع الولايات المتحدة، مع بدء سريان العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران على الرغم من مناشدات حلفاء واشنطن، ورفضت إيران في اللحظة الأخيرة عرضا من إدارة ترامب بإجراء محادثات موضحةً إنها لا يمكن أن تتفاوض بعد أن تراجعت واشنطن عن الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015 وينص على تخفيف العقوبات مقابل فرض قيود على البرنامج النووي الإيراني.

وقرر ترامب هذا العام الانسحاب من الاتفاق متجاهلا مناشدات قوى عالمية أخرى شاركت في رعايته ومن بينها حلفاء واشنطن الأوروبيون بريطانيا وفرنسا وألمانيا بالإضافة إلى روسيا والصين.

ووعدت الدول الأوروبية بمحاولة التخفيف من تأثير العقوبات الأمريكية الجديدة من أجل إقناع إيران بمواصلة الالتزام ببنود الاتفاق. لكن اتضحت صعوبة هذا الأمر مع انسحاب الشركات الأوروبية من إيران قائلة إنها لا يمكنها المغامرة بخسارة معاملاتها مع الولايات المتحدة، وانتقد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تغريدة ترامب ووصفها بأنها مكررة وندد ”بالنزعة الأحادية الأمريكية“، في حين بين جون بولتون مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض إن فرصة إيران الوحيدة للنجاة من العقوبات هي قبول عرض ترامب بالتفاوض على اتفاق أكثر صرامة.

ولدى عدد قليل من الشركات الأمريكية أعمال في إيران، الدولة المعادية للولايات المتحدة منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979، لذلك فإن تأثير أي عقوبات يعتمد على قدرة واشنطن على منع الشركات الأوروبية والآسيوية من إقامة أعمال هناك، ومن بين الشركات الأوروبية الكبيرة التي علقت خططا طموحة للاستثمار في إيران استجابة للعقوبات التي فرضها ترامب شركة توتال النفطية الفرنسية وشركتا رينو و(بي.إس.إيه) الفرنسيتان لصناعة السيارات، وأكدت شركة دايملر الألمانية لصناعة السيارات والشاحنات بالقول بأننا ”أوقفنا أنشطتنا المحدودة بالفعل في إيران تماشيا مع العقوبات السارية“.

حيث أكدت شركة النفط والغاز الفرنسية العملاقة توتال أنها أخطرت السلطات الإيرانية بانسحابها من مشروع بارس الجنوبي للغاز الذي تصل استثماراته إلى مليارات الدولارات بعدما لم تحصل على إعفاء من عقوبات أمريكية، من جهة أخرى تعمل شركة السكك الحديدية الألمانية (دويتشه بان) وشركة الاتصالات دويتشه تليكوم على إنهاء مشروعاتهما في إيران، بعدما فرضت واشنطن عقوبات جديدة على طهران وقالت إن الشركات المتعاملة معها ستُمنع من إجراء معاملات مع الولايات المتحدة، وذكرت أن دويتشه بان وقعت مذكرة تفاهم مع بنياد ايسترن ريلوايز (بن ريل) الإيرانية المشغلة للسكك الحديدية في مايو أيار 2017 بشأن المشروع الأول الذي يهدف لتحديد الإمكانات المتعلقة بعربات القطارات والتنظيم، أما المشروع الثاني الذي بدأ منذ نحو عام ونصف العام فهو عبارة عن عقد استشاري مع شركة السكك الحديدية الإيرانية الحكومية يشمل إعادة هيكلة الشركة، بحسب المتحدثة، وجاء إنهاء دويتشه تليكوم أعمالها في إيران عقب إعلان وحدتها الأمريكية تي-موبايل أنها ستشتري سبرنت كورب في صفقة بقيمة 26 مليار دولار ما زالت تنتظر موافقة الجهات التنظيمية الأمريكية.

من جهة أخرى تحث الولايات المتحدة بريطانيا على التخلي عن دعمها للاتفاق النووي الموقع عام 2015 مع إيران وتوحيد جهودها مع واشنطن لمواجهة التهديد العالمي الذي تقول إن طهران تمثله، صرح أليستير بيرت وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط إنه يمكن حماية الشركات الأوروبية من العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران، بعد انسحاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الاتفاق العالمي الذي يهدف للحيلولة دون امتلاك طهران القدرة على تصنيع أسلحة نووية، ومع إعادة فرض واشنطن عقوبات على طهران ، سيبدأ سريان قانون جديد للاتحاد الأوروبي يحمي الشركات الأوروبية سعيا للحد من تأثير ما يصفه مسؤولون بالاتحاد بأنه توسع غير قانوني للعقوبات خارج الحدود الأمريكية، وأضاف أنه إذا كانت الشركة تخشى أي تحرك قانوني ضدها وتنفيد أي قرار بحقها من كيان ما استجابة للعقوبات الامريكية، فإن هذه الشركة يمكن أن تحظى بالحماية من خلال تشريع الاتحاد الأوروبي، وبالنسبة للشركات، قرار مواصلة العمل في إيران هو قرار تجاري.

رئيس بنك الاستثمار الأوروبي لاستثمار في إيران

صرح رئيس بنك الاستثمار الأوروبي إن البنك سيعًرض عملياته الدولية للخطر إذا استثمر في إيران، وهو أبرز رفض علني إلى الآن لخطة الاتحاد الأوروبي للمساعدة في إنقاذ اتفاق نووي مع طهران انسحبت واشنطن منه، وأضاف فيرنر هوير إنه يؤيد جهود الاتحاد الأوروبي الرامية إلى المحافظة على اتفاق 2015 النووي، لكن هذا لا يمنع من أن إيران ما زالت مكانا ”لا يمكننا أن نلعب دورا نشطا فيه“، ويخشى البنك ، وهو ذراع الاتحاد الأوروبي للإقراض، أن العمل مع إيران سيعرض للخطر قدرته على جمع أموال في الأسواق الأمريكية، وأنه سيكون له تداعيات واسعة على عملياته، وإن البنك مدين بمبلغ 500 مليار يورو (580.80 مليار دولار) في إصدارات للسندات.

وفي مسعى للحفاظ على استمرار تدفق الأموال إلى طهران مع العودة لفرض العقوبات الأمريكية، وافق الاتحاد الأوروبي على إضافة إيران إلى قائمة الدول التي يتعامل معها البنك الذي مقره لوكسمبورج، بيد أن القرار الذي يدخل حيز التنفيذ في بداية أغسطس آب، لا يُلزم البنك بتنفيذ أنشطة هناك، وركائز استراتيجية الاتحاد الأوروبي هي الإقراض من بنك الاستثمار الأوروبي، وهو إجراء خاص لحماية شركات الاتحاد الأوروبي من العقوبات الأمريكية الثانوية، ومقترح من المفوضية بأن تنفذ حكومات الاتحاد الأوروبي تحويلات مالية مباشرة إلى البنك المركزي الإيراني لتجنب العقوبات الأمريكية.

الصين تتحدى ضغوط أمريكا وتبقى على واردات النفط الإيراني

تنوي الصين استخدام ناقلات نفط من إيران لمشترياتها من الخام الإيراني في مسعى لالتفاف على عقوبات أمريكية لتمد طهران بشريان حياة في الوقت الذي تبتعد فيه شركات أوروبية مثل توتال الفرنسية خشية التعرض لإجراءات انتقامية من واشنطن، وتسعى الولايات المتحدة لوقف صادرات النفط الإيرانية لإجبار البلاد على التفاوض بشأن اتفاق نووي جديد وتحجيم نفوذها في الشرق الأوسط، وذكرت الصين، التي خفضت وارداتها من الخام الأمريكي وسط حرب تجارية مع واشنطن، إنها ترفض أي عقوبات أحادية الجانب، ودافعت عن علاقاتها التجارية مع إيران، وإن مشترين صينيين للنفط الإيراني بدأوا في تحويل شحناتهم إلى سفن مملوكة لشركة الناقلات الوطنية الإيرانية لنقل جميع وارداتهم تقريبا.

ويبرز هذا التحول أن الصين، أكبر مشتر للنفط الإيراني، تريد الاستمرار في شراء الخام الإيراني على الرغم من العقوبات التي أعيد فرضها بعد انسحاب الولايات المتحدة في مايو أيار من اتفاق أبرم عام 2015 لوقف برنامج طهران النووي، واستخدمت إيران نظاما مماثلا في الفترة بين عامي 2012 و2016 للالتفاف على العقوبات التي قادها الغرب، والتي نجحت في خفض الصادرات من خلال جعل الحصول على تأمين على الشحنات في التعاملات مع إيران مستحيلا من الناحية العملية، وتعتمد إيران، ثالث أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، على مبيعات الخام إلى الصين واليابان وكوريا الجنوبية والهند والاتحاد الأوروبي للحصول إلى إيرادات تشكل نصيب الأسد في ميزانيتها، واستمرار دوران عجلة الاقتصاد.

كما أفادت وزارة الخارجية الصينية إن علاقات الصين مع إيران في مجال التجارة والطاقة لا تضر مصالح أي دولة أخرى، ودافعت الصين بالفعل عن علاقاتها التجارية مع إيران بوصفها صريحة وشفافة مع بدء سريان العقوبات الأمريكية على إيران رغم مناشدات حلفاء واشنطن.

وأكدت وزارة الخارجية الصينية في بيان لها اعتراضها على فرض عقوبات من جانب واحد و“فرض المحاكم المحلية سلطتها القضائية على الأجانب“.

وتعد الصين أكبر مستورد للنفط الإيراني حيث تشتري نحو 650 ألف برميل يوميا من النفط الخام من طهران أو سبعة في المئة من إجمالي واردات الصين من النفط الخام. وتساوي هذه الواردات نحو 15 مليار دولار سنويا بالأسعار الحالية للسوق، وتستثمر شركتا البترول الوطنية الصينية (سي.إن.بي.سي) وسينوبك مليارات الدولارات في حقول نفط إيرانية رئيسية مثل ادآوران وآزادكان الشمالي النفطيين وترسلان النفط إلى الصين.

محكمة العدل الدولية تبدأ النظر في شكوى إيرانية ضد واشنطن

ويبدو إن ايران تحركت من أجل صد ومواجهة هذه العقوبات وعبر بوابة محكمة العدل الدولية، اذ أصدرت محكمة العدل الدولية بيانا بينت فيه إنها ستبدأ في شهر آب/أغسطس المقبل النظر في الشكوى التي رفعتها إيران ضد الولايات المتحدة، على خلفية العقوبات التي فرضنها واشنطن على طهران إثر قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي التي وقعته بلاده إلى جانب خمسة دول عظمى أخرى مع إيران عام 2015.

أوعلنت محكمة العدل الدولية أنها ستبدأ عقد جلسات استماع للنظر في النزاع بين إيران والولايات المتحدة في شهر آب/أغسطس المقبل، بعد إعادة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض عقوبات على الجمهورية الإسلامية عقب انسحاب بلاده من الاتفاق النووي، وجاء في بيان للمحكمة "ستعقد محكمة العدل الدولية، الجهة القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، جلسات عامة للنظر في هذه القضية ابتداء من الاثنين 27 إلى الخميس 30 آب/أغسطس".

حيث رفعت طهران إلى المحكمة قضية تطالبها فيها بإصدار أمر بالرفع الفوري للعقوبات التي ذكرت إنها تتسبب لها في "أضرار جسيمة"، ويتعلق طلب إيران بقرار الولايات المتحدة في الثامن من أيار/مايو 2018 إعادة فرض العقوبات والإجراءات المشددة على إيران.

وأفادت طهران إن الولايات المتحدة بقرارها هذا تنتهك الالتزامات الدولية، بما في ذلك معاهدة الصداقة بين إيران والولايات المتحدة التي تعود للعام 1955، أي ما قبل الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، والتي لا يزال يشار إليها في النزاعات القضائية القائمة، كما كشفت المحكمة التي أُنشئت في لاهاي في 1946 للتحكيم في النزاعات بين الدول، بأن رئيسها القاضي عبد القوي أحمد يوسف قام بخطوة غير معتادة وكتب رسالة عن القضية مباشرة إلى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.

ولم تكشف المحكمة عن فحوى الرسالة، إلا أنها صرحت إنه بموجب قوانينها فبإمكان المحكمة الطلب من أي طرف "التصرف بطريقة تمكن أي أمر يمكن أن تصدره المحكمة.. من أن تكون له مفاعليه المناسبة"، ورغم اعتراضات الحلفاء أعلن ترامب في أيار/مايو انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الموقع بين طهران والقوى الكبرى في 2015، ومن المقرر أن تبدأ المحكمة في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر جلسات استماع في شكوى سابقة تقدمت بها إيران في تشرين الأول/أكتوبر 2016 ضد الولايات المتحدة لتجميدها ملياري دولار من أموالها. وستدافع الولايات المتحدة بأن المحكمة ليست لها صلاحية النظر في قضية من هذا النوع.

ويرى الكثير وفي ظل هذا الصدر والرد ما بين الولايات المتحدة الاميركية وايران وكذلك ردود الفعل الرافضة للعقوبات وحتى محاولة ايران من اللجوء لمحكمة العدل الدولية لن ينفعها ولن يثني من عزيمة الولايات المتحدة على تطبيق هذه العقوبات، فهناك عقبات جوهرية تقف في مسار ايقاف هذه العقوبات والتي في اغلبها سياسي يتعلق بطبيعة النظام القائم في ايران وتدخلاته الاقليمية ومساعيه الخارجية، فضلاً عن انه مايبدو ولو بشكل غير مباشر محاولة وقف امدادت ايران للجماعات المسلحة في الخارج سواء في سوريا ولبنان واليمن عبر محاصرتها اقتصادياً وسحب نفوذها من الشرق الاوسط بواسطة قوة السلاح الاقتصادي وعبر العقوبات التي اذا ما لم تتجاوب ايران معها بشكل سليم فأن قد تواجه أزمة اقتصادية خانقه تنتهي بأسقاط نظامها السياسي الحالي.

اضف تعليق