q
معنويات المستهلكين لا تزال في حالة ركود، ويرجع ذلك على الأرجح إلى ارتفاع مستويات الأسعار وارتفاع أسعار الفائدة. إن المعنويات مهمة، لأن الركود ينجم في نهاية المطاف عن فقدان الثقة في المستقبل. إن المستهلكين الذين يشعرون بالقلق بشأن أوضاعهم المالية على المدى القريب يحدون من إنفاقهم...
بقلم: مايكل آر سترين

واشنطن العاصمة ــ كان العديد من خبراء الاقتصاد والمعلقين يشربون نخب بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لأنه قام بتوجيه الاقتصاد نحو الهبوط الناعم.

لكن هناك مشكلة واحدة فقط وهي أن الطائرة لم تهبط بعد.

ما هو شكل مثل هذا الهبوط الناعم؟ سوف يظل التضخم عند مستوى 2% الذي يستهدفه بنك الاحتياطي الفيدرالي أو قريباً منه لفترة طويلة، في حين يرتفع معدل التوظيف والناتج الاقتصادي بمعدلات منخفضة بالقدر الكافي لعدم فرض ضغوط تصاعدية على الأسعار، ولكنها مرتفعة أيضاً بالقدر الكافي لتجنب الركود.

صحيح أن اقتصاد الولايات المتحدة تباطأ إلى حد كبير، وبصعوبات اقتصادية أقل كثيراً مما كان يخشاه الكثيرون ــ وأنا منهم ــ، وفي عام 2021، أضاف الاقتصاد بالمعدل 604000 وظيفة جديدة برواتب صافية شهريًا، وفي عام 2023، انخفض معدل صافي مكاسب الوظائف الشهرية إلى 251 ألف وظيفة. وعلى نحو مماثل، تباطأ تضخم أسعار المستهلك بشكل كبير، وباستخدام المقياس المفضل لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي ــ مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي ــ بلغ التضخم (على أساس سنوي) ذروته عند 7.1% في يونيو 2022 وانخفض إلى 2.4% بحلول يناير 2024. وخلال تلك الفترة، لم يتجاوز معدل البطالة على الاطلاق حاجز 4%.

ولكن على الرغم من هذا التقدم المثير للإعجاب، فإن الاقتصاد لا يزال بعيدًا عن الهبوط الناعم. إن سوق العمل ساخن بشكل غير مستدام، ففي شهر فبراير أضاف أصحاب العمل 275 ألف وظيفة ــ أي نحو ثلاثة أضعاف ما كان المرء ليتوقعه خلال الهبوط الناعم. وفي الربع الأول من عام 2024، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بوتيرة من شأنها، إذا استمرت، أن تزيد من الضغط التضخمي. ووفقًا لمؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الأساسي، كان التضخم الشهري في يناير أعلى من أي شهر منذ يناير 2023.

وبعيدًا عن بيانات أي شهر واحد، هناك أسباب أخرى تدعو للقلق من احتمال تسارع هذا الاتجاه الكامن. وإذا حدث ذلك فقد يبقى التضخم عالقًا عند مستوى لا يتسق مع هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما من شأنه أن يقلل ــ وربما حتى إلى الصِفر ــ عدد المرات التي يعتزم بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة هذا العام.

لقد تحسنت توقعات النمو لعام 2024 على مدار العام الماضي استجابة لتحول بنك الاحتياطي الفيدرالي بعيدًا عن رفع أسعار الفائدة كما حصل تخفيف للأوضاع المالية في الربع الرابع من عام 2023 وأصبحت أكثر مرونة مما كانت عليه قبل عام، مما قد يؤدي إلى أن يصبح الاقتصاد أكثر سخونة، ولم تتباطأ وتيرة مكاسب الوظائف الشهرية في العام الماضي، وفي واقع الأمر ربما يكون صافي التوظيف قد اتجه نحو الارتفاع في الربع الرابع من عام 2023 وحتى فبراير 2024، في حين ظل نمو الأجور بحدود 4.5٪ خلال العام الماضي - وهو أعلى بكثير من المستوى الذي يتوافق مع هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي لتضخم الأسعار.

إن التوقعات الاقتصادية غامضة على نحو غير عادي مع مجموعات مختلفة من المؤشرات التي تقدم كل مجموعة منها طرحًا مختلفًا. إن هناك بعض الإشارات على أن الاقتصاد على وشك التباطؤ بدلاً من أن يصبح ساخناً. ولكن هذه المؤشرات تشير أيضاً إلى أن احتمالية الهبوط الحاد -الركود– هي أكثر احتمالاً من الهبوط الناعم.

على سبيل المثال، تباطأت الطلبيات الجديدة على السلع الرأسمالية بشكل كبير جدًا، مما يشير إلى توقعات قاتمة للاستثمار في الأعمال التجارية ونمو الناتج المحلي الإجمالي بشكل عام. علاوة على ذلك، هناك عوامل أخرى تزيد من المخاوف بشأن توقعات الإنفاق الاستهلاكي، ففي يناير انخفضت مبيعات التجزئة بشكل حاد وذلك بانخفاض 0.8٪ مقارنة بالشهر الذي سبقه، في حين توقع المتنبئون انخفاضًا بنسبة 0.1٪ فقط. لقد ارتفعت معدلات التخلف عن السداد في بطاقات الائتمان بين جميع الفئات العمرية منذ أوائل عام 2022، وتجاوزت مؤخرًا مستويات ما قبل الجائحة.

والأمر الأكثر أهمية هو أن معنويات المستهلكين لا تزال في حالة ركود، ويرجع ذلك على الأرجح إلى ارتفاع مستويات الأسعار وارتفاع أسعار الفائدة. إن المعنويات مهمة، لأن الركود ينجم في نهاية المطاف عن فقدان الثقة في المستقبل. إن المستهلكين الذين يشعرون بالقلق بشأن أوضاعهم المالية على المدى القريب يحدون من إنفاقهم، وتترسخ لديهم حالة نفسية ترتبط بالركود، الأمر الذي يدفع الشركات إلى إلغاء الوظائف الشاغرة وتسريح العمال، وهو ما يؤدي بدوره إلى المزيد من الانخفاض على الطلب.

إن الهبوط الناعم ــ التضخم بشكل دائم عند المستوى الذي يستهدفه بنك الاحتياطي الفيدرالي، ونمو التوظيف والناتج المحلي الإجمالي بوتيرة مستدامة ــ هو أقل احتمالا من عودة الاقتصاد إلى التسارع مجددًا أو الانكماش المعتدل. وإذا سيطرت عقلية الركود، فقد ينكمش الاقتصاد بسرعة، لأنه لا توجد شركة تريد أن تكون آخر من يتخذ موقفًا محافظًا بشأن الإنفاق وعدد الموظفين. عندما يرتفع معدل البطالة بنسبة نصف في المائة في غضون عام واحد، فإنه يستمر في الارتفاع إلى منطقة الركود (يُقال في كثير من الأحيان إنه يصعد بالمصعد ولكنه ينزل على سلم كهربائي).

وبطبيعة الحال، فإن الهبوط الناعم ليس مستحيلا. إن الحجة الأكثر إقناعا لهذه النتيجة هي أن سوق العمل الذي يتسم بضعف المعروض كان مدفوعًا إلى حد كبير بارتفاع مستويات الوظائف الشاغرة، وليس بسبب الإفراط في التوظيف. لقد كانت فرص العمل أعلى بنسبة 75% في مارس 2022 عما كانت عليه في فبراير 2020، لكنها أعلى حاليا بأقل من الثلث من مستويات ما قبل الجائحة، وإذا كانت أسعار الفائدة المرتفعة قادرة على خفض الوظائف الشاغرة دون القضاء على الوظائف، فقد يحقق بنك الاحتياطي الفيدرالي هبوطاً ناعمًا.

يتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يتجاوز هذه الأجواء الضبابية وأن يقيم الاتجاه الذي يتجه إليه الاقتصاد. وفي وقت كتابة هذه السطور، يتوقع المستثمرون في سوق السندات أن يتم أول خفض لسعر الفائدة في يونيو، ومع ارتفاع سعر الفائدة الأساسي لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي كثيراً عما يسمى "المعدل المحايد"، فإن هذه توقعات معقولة. ولكن إذا كان الاقتصاد قوياً هذا الربيع كما كان في بداية هذا العام، فإن ميزان المخاطر سوف يبتعد عن تخفيضات أسعار الفائدة. أي بعبارة أخرى ما يزال الوقت مبكرًا على الاحتفال.

* مايكل آر سترين، مدير دراسات السياسة الاقتصادية في معهد أمريكان إنتربرايز، مؤلف كتاب الحلم الأمريكي لم يمت: لكن الشعبوية يمكن أن تقتله

https://www.project-syndicate.org

اضف تعليق