q
ستجبر تكاليف الطاقة المرتفعة الأسر على توجيه إنفاقها نحو فاتورة التدفئة، مما يترك موارد أقل لأوجه الإنفاق الأخرى، وخاصة الخدمات. كما ستتأثر الصناعة بشدة، إذ من المحتمل أن تقلص القطاعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة الإنتاج. وسيؤدي ذلك لاحقا إلى شح المعروض، مما يزيد من التضخم...

قفز التضخم في منطقة اليورو إلى مستوى قياسي جديد وسيصل قريبا إلى خانة العشرات، مما يشي بسلسلة من الزيادات الكبيرة في أسعار الفائدة حتى في الوقت الذي بات فيه الوقوع في براثن ركود مؤلم أمرا مؤكدا على نحو متزايد.

فقد بلغ التضخم في منطقة اليورو مستوى قياسيًا في آب/أغسطس وصل إلى 9,1% على أساس سنوي، حسبما أعلن مكتب المفوضية الأوروبية للإحصاء (يوروستات) الأربعاء، ما يفاقم الضغوط على البنك المركزي الأوروبي الذي سيرفع أسعار فائدته قريبًا.

وكان التضخم قد بلغ 8,9% في تموز/يوليو في منطقة اليورو التي تضمّ 19 دولة. وتُعدّ هذه الأرقام الأعلى في تاريخ مستويات التضخم التي يسجلها يوروستات منذ كانون الثاني/يناير 1997.

منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2021، بلغ ارتفاع أسعار الاستهلاك كلّ شهر مستوى قياسيًا جديدًا. وتسببت الحرب في أوكرانيا في ارتفاع أسعار المواد الغذائية وموارد الطاقة.

ومن أجل التخفيف من حدّة الارتفاع، سيتوجب على البنك المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة بنسبة كبيرة خلال اجتماعه المقبل في الثامن من أيلول/سبتمبر، بعد زيادة أولى في تموز/يوليو.

ولا تزال أسعار الطاقة تشهد أكبر زيادة على أساس سنوي في منطقة اليورو، مسجّلة 38,3% في آب/أغسطس (مقابل 39,6% في تموز/يوليو).

وارتفعت أسعار المواد الغذائية (تشمل أسعار الكحول والتبغ) بنسبة 10,6% في آب/أغسطس، بعدما كانت 9,8% في تموز/يوليو.

وزادت أسعار السلع الصناعية في آب/أغسطس بنسبة 5%، وأسعار الخدمات بـ3,8%، بوتيرة متسارعة مقارنة بالأشهر الماضية.

في هولندا، ارتفعت أسعار الاستهلاك بنسبة 13,6% على أساس سنوي في آب/أغسطس، حسبما أفاد الأربعاء مكتب الإحصاءات الهولندية المركزي.

وفي بولندا، زادت أسعار الاستهلاك بنسبة 16,1% على أساس سنوي في الشهر نفسه، وفق تقديرات أولية صدرت عن المكتب الوطني للإحصاءات الأربعاء.

وسجلت ايطاليا تضخّمًا قياسيًا غير مسبوق منذ 1985، بلغ 8,4% في آب/أغسطس، بحسب تقديرات أولية نشرها المعهد الوطني للإحصاء.

أمّا فرنسا، فتباطأ فيها التضخم للمرة الأولى منذ أكثر من عام، لكنه لا يطال فقط مجال الطاقة بل أيضًا قطاعات السلع والخدمات.

وسجّل 5,8% على أساس سنوي في آب/أغسطس، مقابل 6,1% في تموز/يوليو، بحسب المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية.

تضخم جامح ومخاوف الركود

وقفزت أسعار المستهلكين أكثر مما كان متوقعا في أغسطس آب مدفوعة بارتفاع أسعار الغاز فضلا عن جفاف مدمر، وهناك ارتفاعات أخرى متوقعة، مما يزيد من معاناة الأسر والشركات لأن التضخم ببساطة يلتهم احتياطياتها النقدية.

وهذا التزامن بين الأسعار المرتفعة والنمو المنخفض ، والذي يشار إليه غالبا بالركود التضخمي، لا يترك للبنك المركزي الأوروبي سوى خيارات مؤلمة من شأنها أن تزيد من معاناة سكان منطقة اليورو البالغ عددهم 340 مليون نسمة.

ومما يزيد من صعوبة الموقف بالنسبة للبنك، أن إجراءات التحفيز وتيسير السياسة النقدية التي قد يتخذها لن تؤدي إلا إلى زيادة التضخم وإلحاق الضرر في نهاية المطاف بمصداقيته، مما يهدد أسس تفويضه في مكافحة التضخم.

لكن تشديد السياسة النقدية سيبطئ النمو أكثر، مما يفضي إلى زيادة شبه مؤكدة في وتيرة التراجع الاقتصادي من بداية موسم التدفئة في أكتوبر تشرين الأول.

وفي نهاية المطاف، سيختار صانعو السياسة في المركزي الأوروبي مكافحة التضخم ليرفعوا على الأرجح، وفي مسعى لكبح جماحه، معدلات الفائدة في كل اجتماع متبق هذا العام، مما يرفع تكاليف الاقتراض للحكومات والشركات والأسر، حتى في ظل شح الموارد المالية بالفعل.

بل إن أرقام التضخم اليوم ستقوي الحجة من أجل رفع البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة بدرجة كبيرة للغاية بواقع 75 نقطة أساس الأسبوع المقبل، وسيتعين على أصحاب نهج التيسير النقدي أن يخوضوا معركة شاقة لخفض الرفع إلى 50 نقطة أساس، وهي وتيرة لا تزال كبيرة.

تسارع التضخم

وقال كريستوف ويل الخبير الاقتصادي في كومرتس بنك "من المرجح أن يقفز معدل التضخم في سبتمبر... وبالتالي، فإن الضغط على البنك المركزي الأوروبي لمواصلة رفع أسعار الفائدة بدرجة كبيرة من المرجح أن يظل مرتفعا".

وفي حين أن الارتفاع في أسعار المواد الغذائية والطاقة لم يكن مفاجئا، فإن القفزة في تكاليف الخدمات والتضخم البالغ خمسة بالمئة في أسعار السلع الصناعية غير المرتبطة بالطاقة من الواضح أنها ستقلق صانعي السياسة في المركزي الأوروبي.

وسيثير قلقهم أيضا الارتفاع المستمر في الأسعار في قطاعات أخرى ذات صلة، مما يشير إلى أن التكاليف المرتفعة تمتد الآن إلى الاقتصاد بأكمله، من خلال ما يسمى بتأثيرات "الجولة الثانية".

وباستثناء الغذاء والوقود، تسارع التضخم إلى 5.5 في المئة من 5.1 في المئة بينما ارتفع مقياس أضيق، يستثني أيضا الكحول والتبغ، إلى 4.3 في المئة من أربعة في المئة.

وقالت مجموعة الخدمات المالية نورديا في مذكرة "نتوقع الآن أن يرفع البنك المركزي الأوروبي (سعر الفائدة) 75 نقطة أساس الأسبوع المقبل".

ركود اقتصادي؟

وفي ظل ما سبق، فإن تجنب الانكماش أمر يزداد صعوبة فيما يبدو مع انخفاض المعنويات الاقتصادية أكثر من المتوقع هذا الشهر، مما يسلط الضوء على مخاوف النمو.

وستجبر تكاليف الطاقة المرتفعة الأسر على توجيه إنفاقها نحو فاتورة التدفئة، مما يترك موارد أقل لأوجه الإنفاق الأخرى، وخاصة الخدمات.

كما ستتأثر الصناعة بشدة، إذ من المحتمل أن تقلص القطاعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة الإنتاج. وسيؤدي ذلك لاحقا إلى شح المعروض، مما يزيد من التضخم.

وقال ريكاردو مارسيلي فابياني من أوكسفورد إيكونوميكس "ارتفاع التضخم سيزيد من الضغط على الطلب، مما يؤدي إلى انخفاض النمو ودفع منطقة اليورو إلى الركود هذا الشتاء".

ويمكن أن يساعد وضع حد أقصى لأسعار الطاقة، مثلما يفكر الاتحاد الأوروبي، البنك المركزي الأوروبي في مهمته، لكن التضخم مرتفع بشدة بالفعل وهو كذلك منذ فترة، لذلك لن يتمتع صانعو السياسة برفاهية تجنب العاصفة.

تراجع اليورو مقابل الدولار

وتراجع اليورو مجددا إلى ما دون مستوى التعادل مقابل الدولار يوم الأربعاء وواصل الانخفاض للشهر الثالث على التوالي حيث تُغذي أزمة الطاقة المتفاقمة مخاوف الركود، بينما يمضي البنك المركزي الأوروبي قدما في رفع أسعار الفائدة.

وأوقفت روسيا يوم الأربعاء إمدادات الغاز من خط أنابيب نورد ستريم 1، مما زاد من حدة معركة اقتصادية بين موسكو وبروكسل وعزز احتمالات الركود وترشيد الطاقة في بعض أغنى دول العالم.

وأبقت المخاوف من عدم استئناف تدفق الغاز عبر خط الأنابيب بعد انتهاء الصيانة المقررة يوم السبت المتعاملين في حالة من القلق.

وقال فرانشيسكو بيسول، محلل الصرف لدى شركة (آي.إن.جي) "التقارير التي ساعدت اليورو في بداية الأسبوع، عن التحسن في قضية الغاز، تتلاشى الآن وهو ما نعتقد أنه سيضع سقفا لسعر اليورو أمام الدولار.

وتابع "سنعرف في الأيام القليلة المقبلة ما إذا كان سيتم استئناف التدفقات في نهاية فترة الصيانة بسلاسة أم لا".

وأدت حالة عدم اليقين إلى تراجع اليورو إلى ما دون مستوى التعادل مقابل الدولار. وانخفض في أحدث التداولات بنسبة 0.4 بالمئة إلى 0.9976 دولار.

وتراجعت الكرونة النرويجية بأكثر من واحد بالمئة مقابل الدولار واليورو بعد أن قال البنك المركزي في البلاد إنه سيشتري المزيد من العملات الأجنبية لصالح صندوق الثروة السيادي.

وانتعشت العملات المشفرة مع ارتفاع بتكوين 2.7 بالمئة إلى 20339 دولارا، وصعود إيثر خمسة بالمئة إلى 1599 دولارا.

الغاز الروسي يضيق الخناق

ويعيش الأوروبيون في حالة تأهب جديدة بعدما علّقت إمدادات الغاز الأربعاء عبر خط أنابيب "نورد ستريم" الذي يصل حقول سيبيريا بألمانيا، بسبب أشغال صيانة يتوقع أن تستمر ثلاثة أيام، فيما يتواصل ارتفاع أسعار الطاقة.

فقد أوقفت روسيا إمدادات الغاز عبر خط أنابيب رئيسي إلى أوروبا يوم الأربعاء، مما يزيد حدة المعركة الاقتصادية بين موسكو وبروكسل ويرفع احتمالات الركود وتقنين الطاقة في بعض من أغنى دول المنطقة.

يأتي انقطاع التدفقات عبر نورد ستريم 1 من أجل الصيانة ويعني عدم تدفق الغاز إلى ألمانيا وفقا لشركة الطاقة الروسية العملاقة جازبروم.

وتخشى الحكومات الأوروبية أن تمدد موسكو الانقطاع ردا على العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب غزو أوكرانيا، واتهمت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام إمدادات الطاقة "كسلاح حرب". وتنفي موسكو ذلك.

ومن شأن زيادة القيود على إمدادات الغاز الأوروبية أن تفاقم أزمة الطاقة التي أدت بالفعل إلى ارتفاع أسعار بيع الغاز بالجملة أكثر من 400 بالمئة منذ أغسطس آب العام الماضي، مما تسبب في أزمة مؤلمة بتكلفة المعيشة للمستهلكين وزيادة التكاليف على الشركات وأجبر الحكومات على إنفاق المليارات لتخفيف العبء.

وعلى عكس صيانة استمرت عشرة أيام لخط الأنابيب الشهر الماضي، تم الإعلان عن الصيانة الجديدة قبل أقل من أسبوعين فقط.

وخفضت موسكو بالفعل الإمدادات عبر نورد ستريم 1 إلى 40 بالمئة من قدرته الاستيعابية في يونيو حزيران وإلى 20 بالمئة في يوليو تموز، وتلقي باللوم على مشاكل الصيانة والعقوبات التي تقول إنها تمنع إعادة معدات وتركيبها.

وقالت جازبروم إن الإغلاق الجديد ضروري لإجراء صيانة للضاغط الوحيد المتبقي لخط الأنابيب.

وقطعت روسيا الإمدادات عن بلغاريا والدنمرك وفنلندا وهولندا وبولندا تماما، وقلصت التدفقات عبر خطوط أنابيب أخرى منذ إطلاق ما تسميه موسكو "عملية عسكرية خاصة" في أوكرانيا.

وخلال الأشهر الأخيرة، خفّضت غازبروم إمداداتها من الغاز عبر "نورد ستريم" بنسبة 80%.

واعتبر رئيس هيئة تنظيم قطاع الطاقة في ألمانيا كلاوس مولر أن الأشغال الحالية "غير مفهومة على المستوى التقني".

ولفت إلى أن التجارب الماضية تُشير إلى أن روسيا "تتخذ قرارًا سياسيًا بعد كلّ ما تُسمّيه +أعمال صيانة+".

ارتفاع الأسعار

يُضاف إلى المخاوف من نقص في موارد الطاقة في فصل الشتاء المقبل نتيجةً لتراجع الإمدادات بالغاز، ارتفاع جديد في أسعار الكهرباء التي بلغت في الأيام الأخيرة مستويات قياسية، ما يُنذر باحتمال ارتفاع فواتير المستهلكين الأوروبيين.

وبالحديث عن عودة الإمدادات بعد التوقف الذي سيطول ثلاثة أيام، قال المتحدث باسم الحكومة الروسي دميتري بيسكوف إن العواصم الغربية "فرضت عقوبات على روسيا لا تسمح بتنفيذ أشغال صيانة وإصلاح طبيعية".

وتصريحات بيسكوف غير مطمئنة في ضوء أحداث ماضية، منها أعمال الصيانة التي نفذتها غازبروم لعشرة أيام في تموز/يوليو على خطّ أنابيب "نورد ستريم". فالمجموعة استأنفت ضخّ الغاز بعد الأشغال، لكنها خفّضت الشحنات التي أصبحت حاليًا تساوي 20% من السعة العادية لخط الأنابيب.

في الأسابيع الأخيرة بررت روسيا خفض شحناتها من الغاز بعدم إعادة توربين سيمنز، الذي تم إصلاحه في كندا، إلى ألمانيا، بسبب العقوبات. وتتهم دول أوروبية موسكو بتأخير عودة التوربين لتتمكن من تبرير خفض شحناتها وبالتالي الضغط عليها.

وقبل بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، كان نورد ستريم ينقل حوالى ثلث كمية الغاز التي يشتريها الاتحاد الأوروبي سنويًا وتبلغ 153 مليار متر مكعب، ثم يُصدر الغاز من ألمانيا إلى عدة دول أوروبية.

ويسود عدم اليقين أيضًا على ميناء لوبمين عند بحر البلطيق حيث ينتهي خطّ "نورد ستريم".

وفي حديث مع وكالة فرانس برس يقول أحد المسؤولين في شركة "غاسكيد" لنقل الغاز عبر "نورد ستريم" في ألمانيا "في تموز/يوليو، كانت الصيانة دورية ومخطط لها منذ فترة طويلة. أمّا هذه المرة، لم يكن مخطط لها ولا ندري ماذا تخبئ هذه العملية".

في مواجهة مخاطر حدوث أزمة طاقة كبيرة هذا الشتاء، يُكافح الاقتصاد الأوروبي الأول، منذ عدة أشهر، لإيجاد بدائل للغاز الروسي الذي تعتمد عليه برلين كثيرًا ولتقليل استهلاكه.

قال المستشار الألماني أولاف شولتس إن جهود بلاده بدأت تُثمر، معتبرًا أن ألمانيا "في وضع أفضل بكثير في أمن الإمدادات مما كان متوقعا قبل شهرين" ومن ناحية "التعامل بشكل جيد مع التهديدات من روسيا".

وأعلن وزير الاقتصاد روبرت هابيك الأحد أن خزانات الغاز تمتلئ بشكل "أسرع من المتوقع" على الرغم من الخفض الحاد في الإمدادات الروسية.

وقالت وزارته إن هدف التخزين الذي حددته الحكومة لشهر تشرين الأول/أكتوبر عند 85% "يُتوقع أن يتم الوصول إليه في بداية أيلول/سبتمبر".

في الوقت نفسه، في تموز/يوليو استهلك قطاع الصناعة الألماني الذي يمتص عادة كميات كبيرة من الطاقة، كميات من الغاز اقل بنسبة 21,3% من معدّل الاستهلاك الذي سُجّل في أشهر تموز/يوليو من 2018 حتى 2021.

وسيبدأ تشغيل محطات عائمة جديدة للغاز الطبيعي المسال هذا الشتاء، في إشارة إلى ارتفاع اللجوء لاستخدام الغاز الطبيعي المسال.

وستكون أول محطة في ميناء لوبمين وستسمح له بالتعويض عن جزء من كميات الغاز التي لم تعد تصل إليه عبر "نورد ستريم".

وقال ستيفان كنابي، رئيس مجلس الإشراف في شركة "دوتشيه ريغاس" التي تتولى تنفيذ مشروع المحطة العائمة بالغاز الطبيعي المسال في لوبمين، "نأمل أن نتمكّن من ضخّ الغاز في شبكة التوزيع في الأول من كانون الأول/ديسمبر".

ويرى يوهان روكستروم مدير معهد بوتسدام للبحث حول تأثير المناخ في مقابلة أجرتها معه وكالة فرانس برس "إنه تضخم ناجم عن المحروقات، ناجم عن العرض. إن قمتم قبل عشرين عاما بالاستثمار في الطاقة الفوتوضوئية أو اشتريتم حصصا في مزرعة لطاقة الرياح، فأنتم اليوم غير معنيين" بالأزمة الحالية.

ماكرون يريد إعداد الفرنسيين لأوقات أصعب

بينما تواجه العائلات الفرنسية ضغوطا بسبب اضطراب سلسلة الإنتاج وارتفاع أسعار الطاقة ومعدلات الفائدة من دون أن تلوح في الأفق بوادر تحسن، سعى الرئيس إيمانويل ماكرون إلى إعداد مواطنيه لأوقات أصعب نتيجة تبعات الجائحة والحرب في أوكرانيا.

وخطاب ماكرون الذي جاء خلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء وبثّ مباشرة بشكل استثنائي، أثار انتقادات من المعارضة اليسارية والنقابات، بينما دعت منظمات عدة إلى تعبئة وإضراب في 29 ايلول/سبتمبر.

وقال ماكرون الذي أعيد انتخابه في نيسان/ابريل الماضي لكنه حرم من الأغلبية المطلقة في الجمعية الوطنية في انتخابات حزيران/يونيو "قد تبدو اللحظة التي نعيشها وكأنها قائمة على سلسلة من الأزمات الخطيرة (...) لكن أعتقد أن ما نمر به هو تغيير كبير أو تحول كبير".

وتحدث عن آثار الحرب في أوكرانيا التي بدأت قبل ستة أشهر وأزمة المناخ، مشددا على "نهاية الوفرة" سواء كانت "نقدية" أو "منتجات تقنية" أو مواد أولية أو مياه.

وإلى جانب تعطل سلسلة الإنتاج بسبب الوباء وارتفاع التضخم مع زيادة أسعار الطاقة والغذاء بسبب الحرب في أوكرانيا، وارتفاع معدلات الفائدة الذي يزيد كلفة الاقتراض، تعيش الأسر الفرنسية تحت الضغط.

الأسوأ من ذلك، يهدد احتمال حدوث انفجار في أسعار الطاقة خلال فصل الشتاء بالحد من قدرتها على تأمين تدفئة. وقد خفّضت هوامش ميزانية الحكومة لمساعدتها في الانفاق خلال العامين الماضيين للتخفيف من تأثير كوفيد-19 على النشاط.

وكان الرئيس الفرنسي أعلن في تموز/يوليو الماضي أنه يريد إعداد "خطة تقشف" للطاقة لفرنسا. في الوقت نفسه شهد الفرنسيون هذا العام صيفا اتسم بموجتي حر وجفاف تاريخيتين تعكسان تأثير الاحترار المناخي.

من جهته، صرح وزير الاقتصاد برونو لومير لقناة "فرانس 5" أنه لا يتوقع حدوث "تحسن على جبهة التضخم" قبل بداية 2023.

وقال لومير "في الأسابيع والأشهر المقبلة حتى نهاية 2022 سنواصل رؤية أسعار مرتفعة جدا. بعد ذلك، في بداية 2023، وعلى كل حال هذا ما نتوقعه، في الربع الأول من 2023، يفترض أن نرى الأسعار والتضخم يتراجعان. سيحدث ذلك تدريجا".

لكنه أوضح أيضا أنه "ليس لدينا سيناريو مطروح على الطاولة اليوم يتوقع تضخما من رقمين في فرنسا" حيث بلغ ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية 6,1 في المئة في تموز/يوليو على مدى عام، حسب المكتب الوطني للإحصاء.

في مواجهة هذا التحول وبينما تتذكر فرنسا حركة السترات الصفراء التي عكست غضب جزء من السكان منذ خريف 2018 وتخللت تظاهراتها أعمال عنف، قال ماكرون إن "مواطنينا قد يردون بقلق شديد". لذلك دعا فريق حكومته إلى "احترام الوعد والتعهدات" التي تقدم.

وكان الخبير الاقتصادي فيليب مواتي حذر الاثنين من أن "الاستياء موجود"، مشيرا إلى أن نسبة الفرنسيين المؤيدين لحركة السترات الصفراء ارتفعت إلى 60 في المئة حسب استطلاع أجراه معهد "أوبسوكو" في حزيران/يونيو الماضي.

وفي هذه الأجواء انتقدت المعارضة اليسارية والنقابات تصريحات ماكرون.

وقال رئيس "الكونفدرالية العامة للعمل" (سي جي تي) فيليب مارتينيز لقناة "بي اف ام-تي في" إن تصريحات ماكرون "رسالة بعيدة عن التوقعات". وأضاف "عندما نتحدث عن نهاية الوفرة أفكر في الملايين من العاطلين عن العمل والملايين الذي يعيشون في وضع هش".

وتساءل محذرا "هل يطلبون تضحيات جديدة؟ سيطلبها. سنعارضها".

ودعت منظمات إلى إضراب وتعبئة في 29 أيلول/سبتمبر.

من جهته، كتب الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي فابيان روسيل في تغريدة على تويتر "وكأن الفرنسيين كانوا دون أي هموم ولديهم فائض في الاستهلاك (...) عشرة ملايين فقير فرنسي بسبب لامبالاة الرئيس ماكرون ونهب الأغنياء".

وبينما ستجري بعض الدول الأوروبية الكبرى مثل إيطاليا وإسبانيا انتخابات عامة قريبا، حذر إيمانويل ماكرون أيضا من "نهاية المسلّمات" مثل "الديموقراطية وحقوق الإنسان".

ويبدو أن الحكم الديموقراطي الليبرالي يتآكل في مواجهة النماذج غير الليبرالية وبعض الحركات السياسية في شعوبها.

اضف تعليق