q

الموت من السنن الكونية البديهية الحاكمة التي لا يفلت منها كائن، وكونه من البديهيات يصعب استشعاره بالحس مع انه أقرب الينا من أنفسنا، ونراه كل يوم يلتقط منا احبابنا وأصدقاءنا وغيرهم، فالكائنات المستطيلة مثل الموت، تستعصى على التجلي للحواس مع انها جلية جدا بديهية.

لا نجد تعريفا جامعا مانعا للموت، بل حتى البيولوجيين وفي اعلى المستويات الاكاديمية يعجزون عن تعريف علمي للموت لان عندهم كائنات لا تعرف الموت مطلقا، بل اذا قست الظروف على تلك الكائنات فإنها تتكيس، وعند تحسن الظروف تنشط وتعود للحياة!!

ان الموت هو خلق مثل خلق الحياة قال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك: 1، 2].

الا ان الموت حاكم على الحياة نافذ بها مستطيل فيها مهيمن عليها، يمثله الاجل الممنوح لكل موجود كائن، فالموت نقطة في نهاية الاجل الذي يمنح لكل كائن.

اذن؛ فالموت بمعناه الكوني: هو توقف الكائن عن الاستجابة لنظام كونه.

بمعنى ان الموت هو استحالة النمط اللاحق الى النمط السابق في انماط الخلق الستة (الايام الستة).

فعند توقف العقل عن الاستجابة لنظام وجوده في تهذيب الغرائز وعقلها بإرادة الانسان، يموت العقل ويستحيل العاقل الى بهيمة.. قال الله تعالى: {إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ} [الأنفال: 22]. فموت العقل يعود القهقرى بالكائن الى نمط الحياة.

وعند يتوقف الكائن الحي عن الاستجابة لنظام وجوده يتحول الى مادة (اي جثة هامدة) لا تخضع إلا لقوانين الطبيعة في المادة.

وعند موت المادة اي عندما يتوقف النظام الذري فيها عن الاستجابة تتحول المادة الى ثقب اسود (Black Hole)، او مادة نيوترونية اي (محض كتلة).

وتموت الكتلة وتتلاشى عند التقائها بالضد الذي يسمونه المادة المضادة (Antimaterial). وهي الحالة الكونية الوحيدة التي يكون فيها الموت يعني العدم.

وهكذا فالموت الحق سنة كونية بديهية حاكمة نافذة مستطيلة في الكون والكائنات لا يفلت منها كائن على الاطلاق. وقد وكل الله جل شانه بتنفيذ تلك السنة ملك عظيم هو عزرائيل عليه السلام: قال الله تعالى: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم الى ربكم ترجعون)(السجدة - 11).

هذا الملك العظيم هو واعوانه من الملائكة يعرفون نقطة الاجل لكل كائن يرسلهم بتنفيذ تلك السنة الكونية في موعدها لكل كائن لا يتأخرون ولا يتقدمون عن نقطة الاجل تلك.. قال الله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34]. وقال تعالى ايضا:

{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [النحل: 61]

القران والمعنى الكوني للموت:

الحياة في الكائنات؛ هي الاستجابة للنظام الكوني في الكائنات وهو في الواقع؛ روح من امر الله تعالى (كن) في كل كائن، ولذا يعرّف الله تعالى الموت بمعناه الكوني فيصفه باستيفاء تلك الروح من امر الله تعالى (توفيا)، اي بسحب استجابة الكائن لنظام خلقه فيقول جل القائل:

{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر: 42]. فالنوم والموت حالتان تستوفى فيهما الاستجابة للنظام الاردي العاقل عن النشاط، الا ان الموت استمرار في استيفاء الاستجابة والنوم استيفاء مؤقت.

وقال تعالى في آية أخرى: (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة حتى اذا جاء احدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون)(الانعام – 61).

اللهم خفف علينا الوفاة وأوص بنا عزرائيل عليه السلام وأعوانه رفقا، واجعل خير ايامنا يوم نلقاك وخير اعمالنا خواتيمها وأوسع ارزقنا اواخرها اللهم صل على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين وشفعهم فينا يوم نلقاك انك ارحم الراحمين.

اضف تعليق