مع كل بداية عام دراسي، يختلط الحماس بالقلق لدى الطلاب، وتبرز الحاجة لفهم كيفية إعدادهم نفسيًا لتحقيق أفضل أداء ممكن. من هذا المنطلق، التقت شبكة النبأ المعلوماتية بالباحث النفسي والتربوي عزيز ملا هذال، الذي كشف في هذا الحوار عن أسرار الاستعداد النفسي للطلاب، ودور الأسرة والمعلمين في صقل هذا الاستعداد...

مع كل بداية عام دراسي، يختلط الحماس بالقلق لدى الطلاب، وتبرز الحاجة لفهم كيفية إعدادهم نفسيًا لتحقيق أفضل أداء ممكن. من هذا المنطلق، التقت شبكة النبأ المعلوماتية بالباحث النفسي والتربوي عزيز ملا هذال، الذي كشف في هذا الحوار عن أسرار الاستعداد النفسي للطلاب، ودور الأسرة والمعلمين في صقل هذا الاستعداد، وأهمية البيئة الصفية وتنظيم الوقت في تعزيز دافعية التعلم.

هذال يسلط الضوء أيضًا على العلاقة الحيوية بين الطالب والمعلم، وأثر الذكاء العاطفي والتعاطف في خلق بيئة صفية آمنة ومحفزة، كما يتحدث عن أبرز التحديات النفسية التي قد تواجه هذا الجيل وطرق التعامل معها بأساليب علمية عملية.

في هذا الحوار، تقدم شبكة النبأ المعلوماتية للقارئ خارطة طريق شاملة لكل طالب ومعلم، لتكون بداية هذا العام الدراسي أكثر إيجابية وإشراقًا، وتضعهم على مسار النجاح من اليوم الأول.

كيف يمكن للتهيئة النفسية أن تسهم في خلق بداية إيجابية للعام الدراسي لدى الطلبة؟

التهيئة النفسية لأية بداية تجعل الإنسان مستعداً لخوض تجربة جديدة أو مواصلة تجربة سابقة بخطى متجددة.

فالطالب المهيأ نفسياً يمتلك طاقة داخلية تساعده على إنجاز مهامه بسرعة أكبر وبجهد أقل، بعكس من يبدأ من دون استعداد نفسي، إذ يكون حاله أشبه بمن يحاول تسلّق جبل بأقدام حافية.

ما هي أبرز المخاوف أو الضغوط التي يعاني منها الطالب عند دخوله عامًا دراسيًا جديدًا؟ وكيف يمكن التخفيف منها؟

أبرز المخاوف التي تراود الطلبة عند بداية العام الدراسي تتمثل في الخوف من الإخفاق في تحقيق النجاح وفق منظورهم الخاص. فبعض الطلبة يختزلون النجاح في مجرد اجتياز الاختبارات، بينما يرى آخرون، خصوصًا من نشأوا في بيئات تعتبر ما دون الكمال إخفاقًا، أن النجاح يعني التميّز وتصدّر قائمة المتفوقين.

أما سبل التخفيف من هذه المخاوف فتتمثل في دور الأهل والمعنيين في المدارس، عبر غرس قناعة لدى الطلبة أن الإخفاق ليس نهاية المطاف، بل قد يكون بداية لتصحيح المسار. هذه القناعة كفيلة بإعادة شحنهم بالدافعية نحو مزيد من الإنجاز.

في رأيك، ما دور الأسرة في إعداد أبنائها نفسيًا وعاطفيًا للعودة إلى مقاعد الدراسة؟

الدور الرئيس في إعداد الطلبة هو للأسرة، وذلك من خلال غرس صور ذهنية تمكّن الطالب من خوض التجربة الدراسية واستحضارها نفسيًا.

كما أن على الأسرة وضع احتمالات لتعرضه لعقبات خلال العام الدراسي، مع تهيئته للتعامل معها بحرفية من أجل تفتيتها لا الاستسلام لها.

وهذا ما يمنح الطالب مرونة نفسية تدفعه لتجاوز أي مشكلة محتملة بكل أريحية، بدلاً من أن تقطع عليه الطريق وتحرمَه من فرص النجاح.

كيف ينعكس تنظيم الوقت والتهيئة الذهنية على دافعية الطالب نحو التعلم؟

حين يشعر الطالب بأنه يمتلك الوقت الكافي لإنجاز أي واجب دراسي، فإنه يجيد استخدام الطرق الفاعلة في القراءة والمراجعة وغيرها من المهام، من دون الوقوع تحت ضغط أو تسرع قد يقلل من جودة الحفظ.

وهذا بدوره يجعل الطالب مهيأً ذهنيًا لتقبّل المعلومات وتحليلها واسترجاعها، وهي النتيجة المرجوّة من تنظيم الوقت وعدم تركه يسير بعشوائية.

ما أهمية البيئة الصفية (المكان، الألوان، المقاعد، الترتيب) في تعزيز الشعور بالراحة النفسية للطالب منذ اليوم الأول؟

المكان غير المريح يُنتج إنسانًا غير آمن نفسيًا، فالإنسان يبحث دائمًا عمّا يجعله مستقرًا. فالمكان ذو السقف العالي يمنح راحة نفسية أكبر، والألوان الفاتحة تُفضَّل لأنها تشرح الصدر.

كما أن ترتيب القاعات الدراسية، ونوع المقاعد، وطريقة تنظيمها جميعها عناصر تمنح الطالب ارتياحًا للمكان منذ اليوم الأول، أو تجعله ينفر منه.

ومع أن الانطباع الأول قد لا يكون دقيقًا دائمًا، إلا أنه غالبًا هو الذي يدوم، وهذا ما يجب أن تلتفت إليه الإدارات العليا في المؤسسات التربوية.

كيف يمكن للمدرسة أن تتعامل مع الطلبة الذين يعانون من قلق أو رهبة في الأيام الأولى للدوام؟

على المرشدين التربويين، بعد تشخيص الطلبة الذين يعانون من مستوى مرضي من الرهاب أو القلق في بداية العام الدراسي عبر المؤشرات العلمية، أن يُخضعوا هؤلاء الطلبة لعدة استراتيجيات نفسية بعد البحث عن الأسباب التي أدت إلى ما هم عليه.

ومن هذه الاستراتيجيات: استراتيجية التعرض، التي تؤكد أن أفضل وسيلة للتخلص من المخاوف هي مواجهتها تدريجيًا، وكذلك استراتيجية العلاج المعرفي السلوكي التي تعمل على تغيير الأفكار المسببة للأزمة، ومحاولة استبدالها بأفكار بديلة أكثر مقبولية عبر المختص النفسي، مما يؤدي في النهاية إلى تغير السلوكيات نحو الأفضل.

كيف تصف الأثر النفسي للعلاقة بين المعلم والطالب في إنجاح العملية التعليمية؟

العلاقة بين المعلم والطالب علاقة طردية؛ فكلما كانت مبنية على أسس التقبّل النفسي، والاحترام، والتعاطف الطبيعي، أثمرت وكانت نتائج العملية التعليمية جيدة أو مقبولة على أقل تقدير.

أما العكس، فيعني بالضرورة انفصام عُرى الاتصال النفسي بينهما، وحينها لن تنجح رسالة المعلم في إيصال ما يريد إيصاله من خبرات ومعارف، ولن يتمكّن الطالب من اكتساب المعرفة المبتغاة من هذا الفصل أو العام الدراسي.

لذا يُنصح بأن يمتلك جميع المعلمين والمدرسين معرفة نفسية كافية بملامح كل مرحلة عمرية، ليُحسنوا التعامل مع الطلبة وفق هذه المعرفة.

ما حدود العلاقة الصحية بين الطالب والمعلم، وكيف يمكن تحقيق التوازن بين القرب الإنساني والالتزام الأكاديمي؟

العلاقة بين طرفي العملية التعليمية يجب أن تسير وفق الإنسانية وبحدود المقبول، بعيدًا عن خرق آداب التعامل بين الطالب وأستاذه.

فيمكن للمعلم أن يجلس مع الطالب الذي يطلب منه المساعدة العلمية، ولو على قارعة أحد الطرق إذا لزم الأمر، لكن يجب ألا يتطور الأمر إلى الجلوس في المقهى والانجرار إلى بعض السلوكيات غير المناسبة مثل الأركيلة وسواها مما يُرى في المقاهي.

فلا الابتعاد المفرط لفرض الهيبة مطلوب، ولا الابتذال سلوك سليم، وما بين هذا وذاك تبقى العلاقة طيبة ومقبولة.

كيف تؤثر لغة المعلم (نبرة صوته، كلماته، أسلوبه) في بناء الثقة أو هدمها لدى الطالب؟

ما يمتلكه المعلم من حصيلة فكرية ومعرفية وتجارب يجعل منه واثقًا من نفسه، فيعتني بنبرة صوته ويحاول استخدامها بحسب الموقف، ويختار كلماته بعناية وذوق، من دون تجريح أو إهانة أو انتقاص.

وكل هذا يضعه في بوتقة الأسلوب اللطيف، الذي يجعل الطالب أداة طيعة بيده، فيحقق المعلم كل الأهداف التي يضعها لطلبته بكل ثقة وتقبّل.

ما الدور الذي يلعبه التعاطف والذكاء العاطفي لدى المعلم في بناء بيئة صفية آمنة ومحفزة؟

المعلم الذي يمتلك قدرًا كافيًا من الذكاء العاطفي يمتلك مفاتيح الإدارة الصفية الناجحة. فهو يعرف متى يستميل الطلاب عاطفيًا ليُفرّغهم من محتواهم ويزيل عنهم الهواجس والأفكار السلبية التي تنتابهم، ويعرف متى يمتص غضبهم حين يثورون اعتراضًا على أمر ما، ويعرف كيف يروضهم حين يحجمون عن القيام بما يُطلب منهم.

وبالتالي، يسخر هذه المعرفة في إدارة الصف بما يحقق له أهدافه التعليمية، دون إشعار الطلاب بالملل أو الخوف أو التذمر.

ما هي برأيك التحديات النفسية التي ستواجه طلبة هذا الجيل في العملية التعليمية مستقبلاً؟ 

من أبرز التحديات التي ستواجه طلبة هذا الجيل وربما الأجيال القادمة هو ضياع الهدف، فالكثير منهم يدرسون بجدية لكنهم لا يعرفون إلى أين ذاهبون.

وهذا يتطلب إخضاعهم، من قبل الأهل والمرشدين التربويين في المدارس والمؤسسات التعليمية، لسلسلة من الجلسات التي تساعدهم على اختيار التخصص العلمي أو المهني الذي يتناسب مع قدراتهم العقلية وميولهم، لا وفق رغبات الأهل ورغباتهم غير المتزنة في كثير من الحالات، لكونها تسيرها الأهواء والعواطف أكثر من العقل والمنطق.

كيف يمكن تطوير برامج الدعم النفسي في المدارس بشكل منهجي ومؤسسي لضمان استمرارية تأثيرها؟

يمكن تطوير برامج الدعم النفسي في المدارس بإدخال معايير القياس ومؤشرات الكفاءة العقلية بدءًا من المرحلة المتوسطة، لاختيار التخصص وفقًا للإمكانية العقلية، بحيث لا يتحول اختيار الفرد لتخصص معين (علمي – إنساني) إلى ثقل نفسي يجهده عقليًا ونفسيًا، ولا يؤدي إلى النتائج المتوخاة بعد سنوات طويلة يعيشها الطالب وسط صراع بين ما يريد وما يفرضه العقل عليه.

لو أردت أن توجّه رسالة إلى كل طالب ومعلم مع بداية العام الدراسي، ماذا تقول لهم من منظور نفسي وتربوي؟

إلى طلابنا ومعلمينا جميعًا أقول: اعتمد على نفسك وثق بها، وتوكل على الله في مساعيك للنجاح.

كن مستعدًا نفسيًا للتعلم، فبدون هذا الاستعداد لن ينفعك شيء.

وكن أنت من يقود نفسك، ولا تسمح للكبوات أن توقف مسيرك، فالوصول بعد التعثر أثمن ما يمكن أن يحققه الإنسان، وهو أفضل بكثير من الاستسلام ورفع الراية. والله حليف الساعين بإخلاص دائمًا.

في نهاية هذا الحوار، يوضح الباحث النفسي والتربوي عزيز ملا هذال أن النجاح الدراسي لا يقتصر على الحفظ والمذاكرة، بل يبدأ بالتهيئة النفسية الصحيحة للطالب، ودعم الأسرة والمعلمين له، وتنظيم الوقت والبيئة الصفية بشكل يضمن راحته النفسية.

ويؤكد هذال أن العلاقة الإنسانية المتوازنة بين المعلم والطالب، مدعومة بالذكاء العاطفي والتعاطف، هي مفتاح بناء بيئة تعليمية محفزة وآمنة. وفي رسالته الختامية، يدعو كل طالب ومعلم إلى الاعتماد على النفس، والثقة بالقدرات الشخصية، والمثابرة حتى بعد التعثر، مؤكدًا أن الطريق نحو النجاح يبدأ من الداخل أولًا.

اضف تعليق