q

اجرى موقع (شفقُنا العراق) حوارا مع نزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، والعضو السابق في المجلس التنفيذي للمؤتمر الوطني العراقي الموحد، حول رحيل السياسي البارز الفقيد أحمد الجلبي.

ادناه، نص الحوار:

السّؤال الاول: ما هي الميّزات التي تميّز بها الفقيد الدكتور أحمد الجلبي عن غيره من السياسيّين العراقيّين داخل المعارضة، قبل وبعد سقوط نظام الطاغية صدام حسين؟.

الجواب: كان الجلبي يتميز عن الاخرين بخصلة في غاية الاهميّة هي التي منحتهُ حريّة التفكير والحركة اكثر من غيره، الا وهي عدم ارتباطهِ بأي شكلٍ من الاشكال بدول الجوار التي لها في سياساتها العامة صراعات وتناقضات وتقاطعات سواء فيما بين بعضها البعض الاخر او بينها وبين المجتمع الدولي، والتي كانت تسعى جميعها ومن دون استثناء الى توظيف حركة المعارضة العراقية المرتبطة بها وتسخيرها لتمرير هذه التقاطعات بشكلٍ او بآخر.

اما الجلبي فكان حراً لم تؤثّر اية دولة اقليمية في توجّهاته وطريقة تفكيرهِ وقناعاتهِ وحركتهِ، ولذلك كان ابعدهم رؤية واكثرهم فاعلية والاشجع في اتخاذ القرار.

لم يكن لاحدٍ تاثيرٌ عليه عندما يتخذ قراره، فلم يجرؤ احد على ابتزازه أبداً.

كانوا يكتفون بالكلام، اما الجلبي فكان رجل الفعل والانجاز، ولذلك كان اكثرهم مثابرةً وصبراً على تحقيق الهدف.

السّؤال الثاني: كيف استطاع الفقيد أحمد الجلبي أن يلعب دور الوسيط بين الإسلام السياسي السني وبين الإسلام السياسي الشيعي وتحديداً نظام ولاية الفقيه، كذلك بين الاشتراكيين القوميين والليبراليين العلمانيين؟.

الجواب: ببساطة لانّه كان وطنياً بمعنى الكلمة، من دون ان يعني ذلك تجاوزه للخصوصيات أبداً.

كل حركة المعارضة العراقية كانت مؤدلجة بشكل او بآخر، الا الجلبي فلم يكن كذلك، ولهذا السبب كانت قاعدتهُ المصلحة الوطنية ومنطلقهُ القواسم الوطنية المشتركة مع الاخرين، ولهذا السبب لم يكن يرى في طريقه ايّة عقدة للتّعامل مع الاخرين من مختلف تيارات حركة المعارضة العراقية، كما لم يجد حرجاً ابداً في ان يتعامل مع المؤدلجين لانه كان فوق الشبهات من جانب، وفوق ان يتأثر بهم بالسلب من جانب آخر.

لم تحدّه خطوطاً حمراء من تلك التي ترسمها عواصم الاقليم لرجالاتها، عندما كان يفكّر او يتحرّك او يبني علاقة مع رفاق الدرب المناضلين معه في خندقٍ واحدٍ ضد الديكتاتورية، ولذلك كان يتعامل بعقليّةٍ منفتحةٍ مع الجميع فكان يستوعبهم بشكل يلفت نظر كل من عرفه.

السّؤال الثالث: ما هو تحليلكم للشخصية السياسية للفقيد أحمد الجلبي بصفته سياسياً ليبرالياً وعلمانياً وتمسّكه بجذورهِ الدينية كعراقي شيعي؟.

الجواب: هذه هي بالضبط نقطة القوة التي ظلّ يتميّز بها الفقيد، فعلى الرغم من ليبراليته السياسية الا انه كان يحترم الدين وكان يفتخر بتشيّعه، وهذا على الصعيد الشخصي، اما في السياسة فيظلّ الشخصية الوطنية رقم واحد في حركة المعارضة العراقية، لانه كان يؤمن إيماناً جازماً بالقول الشريف الوارد عن رسول الله (ص) {حبُّ الوطن من الايمان} ولذلك كانت وطنيتهُ فوق كلّ انواع الانتماءات.

السّؤال الرابع: كيف تقيّمون دور المؤتمر الوطني العراقي، و الدور البارز للفقيد أحمد الجلبي في خلق إجماع وتوافق عالمي لإسقاط نظام صدام حسين الشمولي البوليسي في العراق على خلفيّة ملف ما عُرف ب (أسلحة الدمار الشامل)؟.

الجواب: لقد جاء تشكيل المؤتمر الوطني العراقي الموحد، عام 1992 بعيد هزيمة الطّاغية في الكويت وقمعهِ الدّموي للانتفاضة الشعبانية المباركة، وقد كنت عضواً في المجلس التنفيذي الذي كان يرأسهُ الدكتور الجلبي، على خلفية فشل الانتفاضة الباسلة للعراقيين ضد نظام الطاغية الذليل صدام حسين، ليحقق ما يلي:

الف: وحدة الخطاب السياسي والاعلامي لحركة المعارضة العراقية.

باء: وحدة حركتها الدبلوماسية سواء على صعيد المجتمع الدّولي او المحيط الاقليمي.

جيم: تنسيق العمل الميداني لمختلف فصائل حركة المعارضة.

ولقد كان للدكتور الجلبي قصب السبق والصوت الاعلى والحركة الاسرع في كلّ هذا، خاصّة على صعيد الحركة السياسية والديبلوماسية في الولايات المتحدة الاميركية وعدد من الدول الاوربية، لما كان يتمتّع به من علاقات متينة مع الكثير من مفاتيح القرار في هذه الدول الدائمة العضويةفي مجلس الامن الدولي صاحبة القرار الاوّل وقتها في الملف العراقي.

السّؤال الخامس: ما هو الإرث الذي تركهُ الفقيد أحمد الجلبي لعراق اليوم والغد؟.

الجواب: لقد غيّر الجلبي وجه العراق الحديث، وهذا يكفي ارثاً عظيماً تركهُ للعراقيين، لا ادري إِن كان بإمكانهم استيعابهِ للحفاظ عليه ام لا؟.

السّؤال السّادس: هل كان بإمكان العراق والعملية السياسية أن تستغل قدرات وإمكانيّات الفقيد أحمد الجلبي بشكلٍ أفضل؟.

الجواب: لا ابداً لأنّ تركيبة العراق الجديد التي تشكلت بعد التغيير التاريخي في التاسع من نيسان عام 2003 قامت على اساس المحاصصة الحزبيّة والاثنيّة والطائفيّة، ولانهُ لم ينتم الى ايِّ واحدٍ من هذه المحاصصات ولذلك لا يمكن ان يجد لنفسهِ المكان الحقيقي في الدّولة، فيما كان الجميع يعرقلون تقدّمهُ خوفاً وصراعاً على السّلطة.

لقد خسر العراق الجلبي.

السّؤال السّابع: هل يمكن الاعتماد على التّجربة السياسية للفقيد أحمد الجلبي بصفته نموذجاً سياسياً يُحتذى به في العراق؟.

الجواب: هذا يحتاج أولاً ان يستوعب العراقيون تجربته السياسية لتكون نموذجاً يُحتذى.

يحتاج ان يفهموا ما الذي فعلهُ الجلبي لهم.

للاسف الشديد فان ردود الفعل البائسة على رحيلهِ لا تُبشّر بالخير كون العراقيين استوعبوا تجربتهُ وفلسفتهُ السّياسية.

ربما يحتاجون لبعض الوقت، لا ادري، ولكن اتمنّى ان يفهموها في نهاية المطاف والا فسيخسرون الكثير جرّاء التفريط بتجربة وطنيّةٍ فريدةٍ.

السّؤال الثّامن: هل هناك أي شيء آخر تودّون ذكرهُ حول الفقيد أحمد الجلبي؟.

الجواب: رحم الله تعالى الفقيد الراحل، واتمنى ان يمنحني العمر فرصة لاكتب ما اعرفهُ عن هذه القامة النّموذج والتجربة السياسية الوطنية الفريدة والجديدة في العمل السياسي العراقي.

والحمد لله رب العالمين.

ختاما: شكراً جزيلاً لهذا الحوار الذي منحني نافذة للحديث عن هذه الشخصية الفذّة، فاذا كان الحاضر لم ينصفهُ بسبب الحزبيّات والجهل المركب والحقد العنصري والطائفي الذي سمّم الاجواء، كما هو حال الكثير جداً من الشّخصيات العظيمة في التاريخ، فانّ الزمن والتاريخ والاجيال القادمة كفيلة بانصافهِ عندما تعرف ماذا انجز هذا الرجل.

[email protected]

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

 

اضف تعليق