لقد ظلَّ الحُسين السِّبط (ع) يرفُض الخرُوج على الطَّاغِية مُعاوية عندما استُشهِدَ الحسَن السِّبط (ع) لأَسبابٍ عدَّةٍ لم تكُن لتُشكِّل الفُرصة العادِلة حسب قراءاتهِ وحساباتهِ وتقييماتهِ للظُّروفِ المُحيطة، فكانَ يجيبُ بالرَّفضِ والنَّفي على أَسئلةِ كبارِ رجالِ الشِّيعةِ ورمُوزهِم الإِجتماعيَّة كُلَّما سأَلُوهُ القِيامَ والنُّهُوضَ وأَبدَوا إِستعدادهُم لنُصرتهِ والوقُوفِ معهُ...
في كُلِّ شيء كانت عاشُوراء عادلةً تحقَّق فيها [العدلُ والإِحسانُ] كما أَمرَ الله تعالى بقولهِ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ).
عاشُوراء كانت حريصةً جدّاً على أَن لا تتجاوزَ على حقٍّ ولو بمقدارِ جَناحِ بعُوضة كما يصِفُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) التزامهِ بالعدلِ بقَولهِ (واللَّه لَوْ أُعْطِيتُ الأَقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلَاكِهَا عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللَّه فِي نَمْلَةٍ أَسْلُبُهَا جُلْبَ شَعِيرَةٍ مَا فَعَلْتُه وإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لأَهْوَنُ مِنْ وَرَقَةٍ فِي فَمِ جَرَادَةٍ تَقْضَمُهَا.
مَا لِعَلِيٍّ ولِنَعِيمٍ يَفْنَى ولَذَّةٍ لَا تَبْقَى! نَعُوذُ بِاللَّه مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ وقُبْحِ الزَّلَلِ وبِه نَسْتَعِينُ). حتَّى صارَ الحقُّ يتَّبِع عليّاً (ع) وليسَ العكسُ كما في المفهُومِ الخاطئ!.
حتَّى عدُوِّها الذي جاءَ إِلى كربلاء ليرتكِبَ أَبشعَ جريمةٍ في تاريخِ البشريَّة لم تتجاوز عاشوراء على [حقُوقهِ]!.
فلم يسلُب الحُسين السِّبط (ع) حق الإِختيار مثلاً من قائدِ جيش البغي [عُمر بن سعد] فكُلُّ الذي فعلهُ الإِمام (ع) معهُ هوَ أَنَّهُ ذكَّرهُ بالتزاماتهِ وواجِباتهِ وعواقب الأَمر الخطير الذي ينوي ارتكابهِ.
عاشوراء ليست [تسلُّطاً] وإِنَّما هي رسالةٌ للتَّذكيرِ فقط كما في قَولهِ تعالى (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ).
ولذلك فالذينَ يكرهُونَ عاشوراء ويتعاملُونَ معها بطائفيَّةٍ أَو بشعاراتيَّةٍ مُفرطةٍ على حسابِ قيمِها ومبادئِها، إِنَّما يكرهُون [تذكيرها] وحضورَها في الوعي، ولذلك هُم يُحاربُونَ الذينَ يُذكِّرون فقط وسلاحهُم البيان واللِّسان الذي يصدَح بالحقِّ ويُرهِبُوهُم ليقطعُوا لسانهُم ويتوقَّفوا عن تكرارِ [التَّذكيرِ].
ولنحدَّث هُنا عن الفُرصةِ التي منحَتها عاشوراء للفردِ وللمُجتمعِ على حدٍّ سواء، هل كانَت عادلةً أَم لا؟!.
كما هوَ معروفٌ فإِنَّ الفُرصَ على نَوعَينِ؛ فُرصةٌ عادِلةٌ وأُخرى غَير عادلةٍ، ولكُلِّ نَوعٍ أَسبابهُ ومقوِّماتهُ وعلاماتهُ.
فمِن أَسبابِ الفُرصةِ العادِلةِ وعلاماتِها:
- حريَّةُ الإِختيارِ والقُدرةُ على الإِختيارِ في آنٍ واحدٍ وإِلَّا فهيَ فرصةٌ غَير عادِلة.
الفُرصةُ التي تُفرَضُ على الإِنسانِ الفردِ والإِنسانِ المُجتمعِ في ظرفٍ يكونُ فيهِ عاجِزاً عن اقتناصِها هي فرصةٌ ظالِمةٌ وكأَنَّكَ تتعمَّدُ لهُ الفشَل!.
ولذلكَ ضمِنَ المُشرِّع حق الإِختيار للإِنسان في ظلِّ أَجواءٍ آمنةٍ حتَّى إِذا كانَ مُشرِكاً.
يقُولُ تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ).
- أَن تنسجِمَ مع المُؤَهِّلاتِ والإِستعداداتِ والقُدُرَاتِ، وإِلَّا فهيَ فرصةٌ غَير عادِلة تتعمَّد تضييعَها وتحميلَ مسؤُوليَّة الفشل على مَن ترمِيها عليهِ عُنوةً من دونِ مُؤَهَّلاتٍ!..
- أَن تتكاملَ معَ الأَدواتِ المُتاحةِ معَ وجودِ إِمكانيَّةِ خلقِ الأَدواتِ المطلُوبة والضَّروريَّة الأُخرى، وإِلَّا فهي فُرصةٌ ظالِمةٌ لأَنَّكَ تمنحها لمُكبَّلٍ ثُمَّ تتحدَّاهُ ليعُومَ وينجحَ على قَولِ الشَّاعرِ؛
[أَلقاهُ في اليمِّ مكتُوفاً وقالَ لهُ…إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَن تبتلَّ بالماءِ]!.
- أَن تأتي في الزَّمان والمكان المُناسبَينِ، وإِلَّا فهيَ فُرصةٌ ظالِمةٌ.
لقد ظلَّ الحُسين السِّبط (ع) يرفُض الخرُوج على الطَّاغِية مُعاوية عندما استُشهِدَ الحسَن السِّبط (ع) لأَسبابٍ عدَّةٍ لم تكُن لتُشكِّل الفُرصة العادِلة حسب قراءاتهِ وحساباتهِ وتقييماتهِ للظُّروفِ المُحيطة، فكانَ يجيبُ بالرَّفضِ والنَّفي على أَسئلةِ كبارِ رجالِ الشِّيعةِ ورمُوزهِم الإِجتماعيَّة كُلَّما سأَلُوهُ القِيامَ والنُّهُوضَ وأَبدَوا إِستعدادهُم لنُصرتهِ والوقُوفِ معهُ والتَّضحيةِ بالغالي والنَّفيس.
تقُولُ الرِّواية؛ فعندما فاوضَ سُليمان بن صُرَدِّ الخُزاعي الإِمامَ الحُسينَ السِّبطِ (ع) في الثَّورةِ على مُعاوية، كانَ جوابُ الإِمامِ لهُ بما يلي (لِيكُن كُلَّ رجُلٍ منكُم حِلساً من أَحلاسِ بيتهِ ما دامَ مُعاوية حيّاً، فإِنَّها بَيعةٌ كنتُ والله لها كارِهاً، فإِن هلكَ مُعاوية نظرنا ونظرتُم ورأَينا ورأَيتُم).
وفي روايةٍ عن الإِمام جعفر بن محمَّد الصَّدِق (ع) أَنَّهُ قال (هلكَت المحاضِير، قلتُ؛ وما المَحاضيرُ؟! قالَ؛ المُستعجِلونَ! ونجا المقرَّبونَ وثبُتَ الحِصنُ على أَوتادِها، كونُوا أَحلاسَ بيوتكُم فإِنَّ الفِتنةَ على مَن أَثارها وإِنَّهم لا يريدُونكُم بحاجةٍ إِلَّا أَتاهُم الله بشاغلٍ لأَمرٍ يُعرَضُ لهُم).
إِنَّ من المُهمِّ جدّاً أَن يكُونَ اختيارَ التَّوقيت بيَدِ [المُصلِح] فإِنَّ ذلكَ نصفَ الظَّفَر، وفي هذهِ الحالةِ فقط تكُونُ الفُرصةَ عادِلةً، وهو الأَمرُ الذي حرصَ على تحقيقهِ الحُسين السِّبط (ع).
فإِذا حضرَ كُلَّ ذلكَ وتحقَّقت الشُّروط ثُمَّ لم يغتنمَها المعني بالفُرصةِ فتلكَ هيَ مُشكلتهِ فلا ينبغي أَن يحمِّل الآخرين مسؤُوليَّة تضييعَها والتَّفريط بها.
سيكونُ ظالِماً لنفسهِ (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
إِنَّ اجتماعَ كُلِّ الظُّروف في فُرصةٍ تمثِّلُ نعمةً إِلهيَّةً إِذا لم يستغلَّها المعني فلا يظلِم إِلَّا نفسهُ (وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
اضف تعليق