ما نراه في الشارع ليس من النوادر: ماذا يعني أن يزدحم بسلوكيات شبابية بعيدة كل البعد عما يُطلق عليه بالرشد؟، بالرغم من ان أعمار بعضهم قد تجاوزت السن الذي عد معيارا للرشد، ما يجعلك تشك في صحة هذا المعيار، الكثير من الناس غير راضين عما يرون، ويتوقعون ان الظاهرة الشبابية بحالها الراهن تضمر خطرا مستقبليا جسيما عصي على السيطرة...

في بلد يُكثر فيه الاستثنائي، وكل ما هو خارج القواعد والضوابط بتنا نشك في كل شيء، فهل كل من بلغ الثامنة عشرة من العمر أصبح راشدا، وهل يرتبط الرشد بالعمر دون عوامل أخرى ربما تكون أكثر أهمية من سنين تمر فتغير ما بالأجساد أكثر مما تغير في العقول؟، يُقال ان الرشد سن البلوغ والتعقل والتكليف، والرشاد تعني الطريق الصحيح، والراشد هو الذي يسلك الدرب السوي، وعندما يوصف هذا العمر بسن التكليف فانه يدل على ان الشاب أصبح صالحا في دينه، ومصلحا في ماله، ويشير التعقل الى الفهم، وان الشاب أصبح يفكر بطريقة منطقية، وبات يدرك منافع وأضرار البيئة التي يحيا فيها والسلوكيات التي يقوم بها.

ما نراه في الشارع ليس من النوادر: ماذا يعني أن يزدحم بسلوكيات شبابية بعيدة كل البعد عما يُطلق عليه بالرشد؟، بالرغم من ان أعمار بعضهم قد تجاوزت السن الذي عد معيارا للرشد، ما يجعلك تشك في صحة هذا المعيار.

الكثير من الناس غير راضين عما يرون، ويتوقعون ان الظاهرة الشبابية بحالها الراهن تضمر خطرا مستقبليا جسيما عصي على السيطرة طالما فقدناها الآن، بوادر القلق والحذر التي تنتاب الناس بادية لعيان كل من يتأمل في الظاهرة، حتى صرت تظن ان عقدين اضافيين لن تجعل من بعض شبابنا راشدين، فالسلوك الطفولي والرعونة والتهور، والتصرفات غير المهذبة، وعدم انتقاء الألفاظ المناسبة للمقام، وعدم تفهم مواقف الآخرين، وضعف ادراكهم لأهمية قيمة التقدير، صارت سمات راسخة لدى الكثير منهم.

عندما نلتقي أشخاصا من شرائح مختلفة وبأعمار كبيرة ونلحظ انهم غير راشدين سرعان ما نعزو أسبابه للجهل، أي ضعف او انعدام الحصيلة العلمية والثقافية، وبما ان المدرسة هي المسؤولة عن اكساب الأطفال المعارف العلمية، فغالبا ما يكون التشكل الثقافي مقرونا بعملياتها، والمدرسة هي أكثر مؤسسات التنشئة الاجتماعية تأثيرا في هذا الشأن بحكم عملها الممنهج والهادف. ولذلك يمكن القول لا رشد حقيقي الا مع دور فاعل للمدرسة، ولإهمالنا المدرسة تراجع مستوى الرشد الذي بدأ مع الحرب العراقية الايرانية، وتجلت مظاهره في فترة الحصار، واتسع بشكل لافت بعد الاحتلال، ومع كل مرحلة تزداد خطورة هذه المظاهر، وتتجسد بأفعال بعضها غريب جدا لم نسمع به من قبل ولا يستوعبه عقل.

واذا كان العمر لا يكسب رشدا ولابد من معيار معزز آخر ليتسنى تصنيف هذا الشاب او الشابة ضمن الراشدين، وقد يكون المعيار الداعم هو التحصيل الدراسي بمستوى معين، فان المدرسة لا تكسب نضجا اجتماعيا، ذلك ان النضج الاجتماعي هو حصيلة التفاعل مع مختلف شرائح المجتمع، واكتساب الخبرات والمهارات التي يقتضيها التعامل في الحياة اليومية، لذا قد تجد من يحمل أعلى الشهادات الدراسية ولكنه غير ناضج اجتماعيا، بينما تلتقي رجلا بأعلى درجات النضج الاجتماعي لكنه لا يتوافر على تحصيل علمي.

بالمطلق أقول: ان مدرسة حقيقية وليست شكلية، مع معلمين يؤمنون ان التعليم ليس مهنة يكتسبون منها أجرا فحسب، بل رسالة أخلاقية، كفيل بان تصل بالشباب الى الرشد حتى قبل بلوغهم عمر الثامنة عشر، ما يجنبنا المستقبل الذي نراه مرعبا في حال بقت الأمور على حالها.

مشكلتنا في اللامبالاة التي تطبع سلوكنا، وعدم تأملنا في دقائق الأمور، فكل الأشياء من حولنا متروكة للتشكل العشوائي، وتصوروا شكل الثمار التي سنجنيها من عمل بلا تنظيم دقيق ولا هدف واضح ولا أداء مخلص، ما زلنا لا نعرف بالضبط ماذا نريد، وكيف نحقق ما نريد؟، البعض ممن يتصدرون الصفوف أسير الانتقاد دون أن يحرك ساكنا، والبعض الآخر تطغى الانشائية على أفكاره ويرى في نفسه علاّمة زمانه، بينما سيل الخراب يتسع، وطال حتى المقدس، وكونوا على يقين: بانهيار منظومتنا القيمية، لن تقوم لنا قائمة.

.............................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق