تهدف الرؤى العالمية التي تطرحها الحكومات الى تدعيم أواصر الاسر في مجتمعاتها طمعاً في تقوية تلك الاواصر للبنة الاساسية لتكوين تلك المجتمعات. لتكفل من خلالها حقوق المرأة والطفل وكبار السن فيها وتزيد من متوسط أعمار أفرادها عن طريق الضمان الصحي وتحسن من مداخيلها وتصون كرامتها وتحفظ أمنها.. وكل ذلك لقناعتها التامة في أن أي كسر في تلك الاواصر الاجتماعية سيتسبب في تحطم الاسوار الاجتماعية للدول.

تحتفل المنظمة الدولية باليوم العالمي للأسر في الخامس عشر من أيار/مايو من كل عام. هذا العام سيكون شعار الاحتفالية : "الأسر، والحياة الصحية والمستقبل المستدام" في التأكيد على أهمية اتباع السياسات العامة القائمة على رعاية الأسرة أن تسهم في تحقيق بعض أهداف التنمية المستدامة، التي تتصل بإنهاء الفقر والجوع، بما يضمن حياة صحية وتعزيز رفاه الجميع في كل الفئات العمرية، وإتاحة فرص التعلم على امتداد العمر وتحقيق المساواة بين الجنسين.

ولكون الاسرة تعرف على انها الوحدة الاساسية لتكوين المجتمعات فأن أي موانع لتطور النظام السري وتكاتفه يتسبب في تحطم خلية التكوين تلك. وأسرنا أمامها أزمات كثيرة قد تكون الاقتصادية والامنية أهمها إلا أن هناك مشاكل إجتماعية كبيرة أخرى من الضروري التطرق لها وعقد المؤتمرات والندوات التثقيفية من أجلها لغرض تطويق تلك الازمات ومحاولة تفكيك مسبباتها طمعاً في أن نقدم شيئاً لأسرنا العراقية غير تلك التي تشحن المشاعر السلبية في نفوسهم.. كانعدام الشعور بالامن والفقر ومحدودية الضمان الصحي لأفرادها والهجوم الأقسى هو هجوم التقنيات الحديثة متمثلة بالفضائيات والأنترنت وما جلبته معها الهواتف والذكية والألواح الالكترونية والتي يمكن إعتبارها تهديداً جديداً وخطيراً ينبع من داخل الاسرة ذاتها ليبث الفرقة بين افرادها حينما تصل درجة استخدامها للإدمان لتخلق الفجوات الأسرية وتتباعد المسافات بين افرداها محدثة فراغاً اسرياً يضعف سيطرة رب الاسرة على رعيته. وبمساعدة ما تبثه تلك القنوات الفضائية والملايين من المواقع الالكترونية التي لا يتطابق ما تبثه واخلاقياتنا التي اعتدنا عليها. ولتتسبب الاباحية منها في واحد من أهم مسببات الطلاق في المجتمع.

مجتمعنا يعاني من ظاهرة العنوسة فيه حيث تشكل ما نسبته 85% ويأتي بالمرتبة الثانية عربياً. حيث تسببت الازمات التي تلاحقت على وطننا منذ عقود من الزمن من إنخفاض مستوى دخول الاسرة عززت ذلك البطالة فبدأ الشباب البحث عن العلاقات العابرة ليداروا بها مشاعرهم المكبوتة واخيراً النتائج التي كنا نضن أنها سهلة بعض الشيء تبين انها مشاكل قد تتهدد بهلاك مجتمع كامل من خلال الاعداد الهائلة من العوانس. على الجهات المسؤولة دراسة الموضوع والتحقق من تلك النسب التي أصدرتها مؤسسة بشر (الشرق الأوسط لتنمية المجتمع) بالتعاون مع مركز أبحاث ميسود اند سليوشن للدراسات والأبحاث.

كذلك فإن ارتفاع نسب الطلاق في المجتمع تعتبر من أهم التحديات التي تواجهها الاسرة العراقية.. حيث تشير تقارير المركز الاعلامي للسلطة القضائية عن إرتفاع معدلات الطلاق بنسبة كبيرة جدا، حيث سجلت محاكمها أكثر من 5 الاف حالة طلاق خلال شهر كانون الثاني الماضي. مؤكداً أن العام الماضي شهد حدوث 52 الف حالة طلاق، وهي ذات النسبة للطلاق في العام قبل الماضي، فيما كان عدد حالات الطلاق في شهر تشرين الثاني هو الاكثر". مشيراً في الوقت نفسه الى أن عدد حالات الطلاق من 2003 والى 2013 بلغ مايقارب الـ 513 الف حالة، وهذا العدد يشكل نسبة 20% من حالات الزواج التي حصلت خلال هذه المدة.

الزواج المبكر يداهم استقرار الاسر العراقية مهما كانت دوافعه إلا أن نسب الطلاق الاكبر تقع بين تلك الزيجات المبكرة التي لا تأتي عن دراسة لكل شريك لشريكه حيث تنقض عليهما المشاكل الاقتصادية والامنية لتدفع بهم الى الطلاق بل هي من تجلب أزواج صغار السن غير قادرين على مواجهة متطلبات الحياة التي تتعاظم يوماً بعد يوماً بسبب استفحال الوضع الامني الخطير وارتفاع نسب التضخم وتوقف السبل التي كانت تساعد على توفير المدخولات الثابتة وحتى بعض تلك التي توفر مداخيل متقطعة ولكن دائمة.

أسرنا العراقية تعاني كثيراً من الانهيار الوشيك والتام في حقوق الطفل العراقي الذي يعتبر واحداً من أهم اركان الأسرة وعماد مستقبلها ومنه تبدأ مرحلة الاعداد لاستدامة الأواصر التي تجمعها وتديم الثراء الذي تقدمة للمجتمع ولكنها على العكس وبفعل ذات المعوقات المهمة التي وقفت في طرق توجه بنائها الصحيح أضحت تلك الاسر تعاني من عدم قدرتها على تقديم ما يثري مجتمع المعرفة التي تصبو له معظم دول العالم الحديث في بحثها الدائم عن هذا المجتمع فقد عكس التسرب الكبير من مقاعد الدراسة وعدم وجود الامل بالمستقبل عن واقع مؤلم لأولئك الاطفال ممن توجهوا لسوح العمل الشاق وبأعمار صغير لاتتناسب قدراتهم وطبيعة تلك الاعمال.

قد تشكل الحالة النفسية لرب الاسرة بفعل تراكم الكثير من المشاعر السلبية لديه كنتيجة حتمية للأزمة الاقتصادية والامنية والارتباك الواضح في الحياة بعمومها تلك التي تضعف قدراته في تأمين متطلبات أسرته؛ من إحداث وجود نزعة سيطرة قاسية لدى العديد من أولئك الارباب ممن يصبون جام غضبهم على الأطراف الرخوة من الاسرة كالمرأة والطفل وتمهد لتدمير الاسرة وتحطيم مقوماتها بالتمتع بحياة حرة كريمة تكفل الحرية والمساوات لجميع الافراد.

التغطية الصحية الشاملة لأفراد الاسر وضمان واقع صحيّ يديم حياتها ويخفض من مستويات إنفاقها على المشاكل الصحية التي ترافق أفرادها من يوم ولادتهم وحتى وفاتهم؛ ضرورة أخرى علينا العمل على توفيرها بما يزيد من حجم الانفاق الحكومي على الفرد العراقي صحياً ففي الوقت الذي تنفق فيه الولايات المتحدة ماقيمته 4126 دولاراً على الفرد وتنفق دولة قطر 1696؛ ينفق العراق 121 دولاراً على مواطنه لعام 2014 وبالطبع فتلك الارقام قد تغيرت بفعل الازمة الاقتصادية وعدم توفر السيولة التي تتمكن خلالها وزارة الصحة من تأمين الادوية لمستشفياتها ووحداتها الصحية.

في اليوم العالمي للأسر.. ندعو بصدق الى البحث عن اساليب تقوية دعامة المجتمع الاولى بما يكفل ديمومتها. دعم يتناسب وحجم المآسي التي تتعرض لها فما من أسرة لدينا لم ينبها شظى من الطائفية لتصيبها بمقتل بفقدانها لأحد أفرادها أو معيلها الرئيس لتتحول الملايين من الاسر للإعالة عن طريق الامهات والجميع عارفون بصعوبة حركة المرأة في محيط العمل في العراق كذلك فأن توفير السكن الذي يتطابق والمعايير الدولية لمؤل البشر علينا أن لا نبخل على اسرنا التي تسكن العشوائيات بظروف صعبة للغاية على الرغم من توفر كافة الامكانيات لدينا لبناء المجمعات السكنية البسيطة لتأوي ملايين الارامل وملايين ايتامها.. أيتام شردتهم الظروف الصعبة سيصبحون يوماً أداة الثورة الشعبية وأداة بيد الإرهاب والعصابات الجرمية لتعود وبالاً على المجتمع وتحدث الاثر السلبي البالغ في مستقبله المنشود.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق