كثير من الجدل واختلافات في الطروحات ووجهات النظر بشأن الانتخابات الإيرانية، لمجلس الشورى وجلس الخبراء، ليس لأنها تتميز عن بقية الانتخابات الأخرى من حيث نزاهتها ومصداقيتها وإنما لان الأوضاع والظروف التي تواكبها هي التي تمنحها الأهمية.

أهمية الانتخابات الايرانية تأتي من إنها مهمة لجناحي نظام الجمهورية الإسلامية وليس للشعب الإيراني، لكن الأحداث والتطورات التي أعقبت الاتفاق النووي من جهة وكذلك التدخلات الإيرانية في المنطقة، إلى جانب وخامة الأوضاع الاقتصادية في إيران، ألقى بظلاله وتأثيراته الكبيرة على الصراع الدائر بين جناحي النظام ودفعهما للتهيئة بشكل ملموس لها.

إذ توجه إلى صناديق الاقتراع يوم الجمعة 26 شباط 2016، ما يقرب من 55 مليون إيراني، لانتخاب 290 عضوا في مجلس النواب، و88 عضوا لمجلس خبراء القيادة، وهي الدورة العاشرة لمجلس الشورى الإسلامي منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وتنافس على مقاعد مجلس الشورى الإسلامي أكثر من 4000 مرشح، بينما تنافس على مقاعد مجلس خبراء القيادة أكثر من 160 مرشحا.

تناول الدستور الإيراني هيكلية وعمل مجلس الشورى الإسلامي، وتولت المواد (62-90) من الدستور الإيراني شرح ذلك، إذ نصت المادة (62) على إن مجلس الشورى الإسلامي يتكون من نواب الشعب الذين ينتخبون مباشرة وبالاقتراع السري، وتستمر دورة المجلس لمدة أربع سنوات، مع التأكيد على ضرورة انتخاب الدورة الجديدة قبل انتهاء فترة الدورة السابقة حتى لا تبقى البلاد بدون مجلس تشريعي (مادة 63)، كما أعطى الدستور حق المشاركة للأقليات غير المسلمة، من خلال انتخاب الأقلية الزرادشتية لنائب واحد، وكذلك بالنسبة لليهود نائب واحد، وللمسيحيين الأشوريين والكلدان نائب واحد، بينما ينتخب المسيحيون الأرمن في الشمال والجنوب نائب لكل منهم وبشكل منفصل عن الأخر، كما إن الترشيح لعضوية المجلس مناط بموافقة مجلس صيانة الدستور الذي له صلاحية رفض أو قبول الترشيح للمجلس، وفق شروط محددة، ومثلها تشريع القوانين الصادرة من مجلس الشورى يجب إن تمر من خلال مجلس صيانة الدستور ليرى مدى مطابقتها مع الشريعة الإسلامية والدستور، وعليه تكون العملية السياسية داخل مجلس الشورى الإسلامي هي اقرب لعملية داخل إطار جاري الاتفاق عليه مسبقا.

جاءت الانتخابات التشريعية الإيرانية هذه المرة في وقت تختلف عن الانتخابات التشريعية السابقة، إذ كانت تجري الانتخابات في وقت كانت إيران تعاني من مقاطعة سياسية واقتصادية شاملة من قبل الدول الغربية، وبعض دول العالم الأخرى، وكانت تعاني من التهديد المستمر بسبب البرنامج النووي الإيراني، فقد كانت كل الأنظار تتجه إلى شخص يمكن إن يخرج إيران من هذه العقوبات ويعيد لها هيبتها الدولية والإقليمية بدون إن يكون لهذا التغيير أي تأثير على نظامها السياسي ووحدتها، لهذا جاءت هذه الانتخابات بعد ان تم حسم هذين الملفين المهمين هما ملف البرنامج النووي، الذي تم حسمه من خلال التوصل إلى اتفاق شامل في يوم الثلاثاء 14 تموز 2015، بين إيران ومجموعة 5+1، والثاني هو رفع العقوبات، إذ بعد إنهاء الملف النووي دخلت مرحلة رفع العقوبات حيز التنفيذ هي الأخرى، وهذه الانتخابات قد تكون مكملة في نتائجها للانتخابات الرئاسية التي جاءت بالرئيس الحالي (الدكتور حسن روحاني)، وقد تغير في الخريطة السياسية الإيرانية التي بقية حكرا للمحافظين لفترة طويلة من الزمن.

لقد جاءت هذه الانتخابات في وقت أصبحت فيه إيران لاعبا مهما في منطقة الشرق الأوسط، بعد إن تخلصت من العقوبات، واعترف لها بالبرنامج النووي وان كان للأغراض السلمية، وهذا سوف يقود بالطبع حتما إلى تغيير في تركيبة الخريطة السياسية لإيران، إذ سيكون للتيار الإصلاحي وجودا واضحا في البرلمان القادم، ففي الدورة السابقة كانت عدد مقاعد المحافظين 240 مقعدا من مجموع مقاعد البرلمان الـ(290)، أما في هذه الدورة فمن المتوقع إن يكون للإصلاحيين مقاعد أكثر في البرلمان الحالي، لان خسارتهم سابقا جاءت نتيجة مقاطعة اغلب التيارات الإصلاحية للانتخابات، كذلك بسبب وجود عدد من وسائل الضغط لدى المحافظين ومنها الحصار الاقتصادي، والعداء الغربي لإيران، إذ كان المحافظين يلوحون بها ضد الإصلاحيين، في هذه الانتخابات دعا الرئيس الإيراني (حسن روحاني) إلى المشاركة بقوة في الانتخابات الإيرانية، وهو المحسوب على التيار الإصلاحي، وهذا سوف يعطي زخما قويا للمشاركة، وتحقيق النتائج.

هناك عدد من المؤشرات التي يمكن إن يلاحظها اغلب المراقبين على إن مرحلة ما بعد الانتخابات في إيران ستكون مرحلة التوازنات السياسية بين التيارين الإصلاحي والمحافظ، ولعدة أسباب، منها:

1- على الرغم من إن عملية الترشح للانتخابات في إيران بكافة مستوياتها (التشريعية والتنفيذية) تمر عبر فلتر مجلس صيانة الدستور، الذي يضم 12 عضوا، 6 أعضاء يختارهم المرشد الأعلى، و(6) الآخرين يتم اختيارهم من قبل السلطة القضائية، وحسب المادة 99 من الدستور يقوم المجلس بالإشراف على الانتخابات، ودراسية السيرة الذاتية للمرشحين ثم يتم أخيرا الإعلان عن الأسماء التي يحق لهم خوض الانتخابات، إلا هذا لايعني إن كل الإصلاحيين سوف يتم استثناءهم من الترشيح، ويتم اختيار أغلبية محافظة فقط، فقد تم قبول عدد من الإصلاحيين وتم تمرير ترشيحهم من قبل مجلس صيانة الدستور في مواقف سابقة، مثلا فوز كلا من (محمد خاتمي) لدورتين انتخابيتين، والرئيس الحالي بانتخابات الرئاسة وهم من الإصلاحيين، كما إن مجلس الشورى الإسلامي عام 2002، كان يتمتع بأغلبية إصلاحية، وقد قدم عدد من لوائح التعديلات فيما يخص شروط الترشيح، التي تم رفضها من قبل مجلس صيانة الدستور.

2- النقطة الأساسية التي يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار، هي إن الاتفاق النووي الذي تحقق بفعل جهود جناح رافسنجاني ـ روحاني، ينظر إليه جناح المرشد الأعلى بريبة بالغة خصوصا من حيث مساعي الجناح الأول لتوظيفه في الانتخابات لصالحه، في حين يرى جناح المرشد الأعلى بان أي تراجع أمام الجناح الآخر سيؤدي إلى تبعات كبيرة ستؤثر على النظام برمته خصوصا وان هذا الجناح يعتقد بان الاتفاق النووي لم يحقق أي من المطالب الأساسية للنظام وان التهديد قائم بفعل هذا الاتفاق، خصوصا وان المخاوف كثيرة و متشعبة من احتمال أن تؤدي الظروف والأوضاع المحيطة بالانتخابات إلى حدوث تحركات احتجاجية عنيفة ضد النظام بحيث يمكن أن تتطور إلى انتفاضة أكبر من تلك التي حدثت في عام 2009، لهذا ستكون مرحلة التوازنات السياسية داخل إيران كلا من التيارين (المحافظ والإصلاحي) هي السائدة، كذلك محاولة كسب الخارج أيضا، فحسب بعض المراقبين فان المحافظين بدأوا من التهدئة في الداخل الإيراني، وهم لا يريدون إن تتدهور الأمور في البلاد، خوفا من تدهور الأمور نحو الاسوء، لهذا يحاولون التخفيف من وطأة الحصار الاقتصادي وتأثيره على المواطن من خلال التقليل من إجراءات التشدد، التركيز على النصح والإرشاد، ففي خطبة الجمعة يوم الانتخابات أكد المرشد الأعلى (أية الله علي الخامنئي) انه على الإيرانيين إن ينتخبوا مجلسا شجاعا لايقدم التنازلات للغرب، وأمريكا، كذلك ركز على تقدم الأمة الإيرانية وإنها أصبحت امة كبيرة في المنطقة وعلى الإيرانيين المحافظة على هذا الانجاز.

3- في الوقت نفسه فان التيار الإصلاحي هو الأخر لايريد إن يندفع أكثر من المساحة المتوفرة لديهم، لان هذا التيار وعلى رأسه الرئيس الحالي (حسن روحاني)، يدركون أهمية المرحلة، وهم يريدون المحافظة على الانجازات بطريقة تضمن لهم الاستمرار بهذا الطريق، واتباع الإصلاح خطوة خطوة، فهم لا يريدون تكرار تجربة الرئيس السابق (محمد خاتمي)، إذ بعد فترة ثمان سنوات من الحكم وصعود الإصلاحيين إلا أنهم لم يستطيعوا المحافظة على الانجاز بسبب تسرع بعض الإصلاحيين، مما عرضهم للملاحقات القانونية، وحتى السجن، ثم خسارتهم في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فيما بعد وصعود التيار المتشدد برئاسة الرئيس السباق (احمدي نجاد)، لهذا فان التيار الإصلاحي لايريد إن يثير حفيظة المحافظين، وهو يريد إن يحافظ على نصر المفاوضات النووية ورفع العقوبات، وان يبني علاقة قوية مع المرشد الأعلى الحالي، فقد اختار الرئيس الحالي عدد من الوزراء من التيار المحافظ ومنهم وزير العدل، لكي يحافظوا على الاستمرار في السلطة، عسى إن يكون المرشد الأعلى القادم منهم.

4- الوضع الإقليمي المجاور لإيران هو الآخر عامل ضغط لمصلحة التوازن، إذ إن اغلب دول جوار إيران الممتدة من أفغانستان إلى العراق وسوريا والخليج والعراق وتركيا واليمن هي دول مضطربة، ومعرضة إلى هزات سياسية قوية، وامتداد هذه المشاكل إلى إيران ليست بعيدة، خاصة وان عدد من دول المنطقة تدفع بهذا الاتجاه ومنها السعودية التي تريد إن تجر إيران إلى مشاكل المنطقة، لهذا فان صانع القرار الإيراني سواء كان محافظا أو إصلاحيا فهو مدرك هذه الخطورة، وان أي تسرع في أي قرار في إيران فان النار قد تشتعل وقد لا تنطفئ بسهولة.

5- الوضع الدولي، على الرغم من عقد الاتفاق النووي مع الغرب، وخاصة أمريكا، ورفع العقوبات عن إيران، إلا إن هناك عدد من الاتفاقيات السابقة بين إيران والغرب قد تم التراجع عنها من كلا الطرفين، كما إن فرض العقوبات على إيران لم يكن بسبب البرنامج النووي فقط، بل بسبب العداء للنظام السياسي، وحقوق الإنسان، واتهام إيران بدعم الإرهاب، وغيرها من الحجج، لهذا فان صانع القرار الإيراني يدرك جيدا وعن تجربة إن الغرب لا عهود له، وقد تخلت أمريكا عن اقرب حلفاءها في تونس ومصر، لهذا فان العداء الأمريكي الصهيوني لإيران لن يتوقف حتى وان تم عقد الاتفاق النووي ورفع العقوبات، لان أوضاع المنطقة قد تفرض على إيران متغيرات جديدة تجعل الغرب يتدخل ضدها، خاصة إن الأوضاع في سوريا والعراق ولبنان وهي تهم الجانب الإيراني لم تحسم بعد.

6- النقطة الهامة و الجوهرية الأخرى بالنسبة لجناحي المحافظين والإصلاحيين، هو تخوفهما من البديل الوحيد لهما وهو المعارضة الإيرانية في الخارج، وأهمها منظمة مجاهدي خلق، خصوصا وان دور هذه المعارضة الإيرانية الفعالة والنشيطة توضحت دائما خلال الأعوام والعقود السابقة وبالأخص في عام 2009، حيث كان لها الدور الأهم باعتراف قادة نظام الجمهورية الإسلامية، والذي يقض مضجع الجناحين إن لهذه المعارضة "وخصوصا منظمة مجاهدي خلق" التي لها بعض الأنصار داخل إيران يمكن أن تلعب دورا حيويا ومحوريا في أية تحركات احتجاجية ضد النظام.

بعض التوقعات تشير الى إن البرلمان الحالي سيكون فيه بصمة واضحة للإصلاحيين، كما إن لغة التوازنات ستكون واضحة في هذه المرحلة، بحيث يحافظ كل طرف على موقعه داخل النظام، ويتم السير بهذا الاتجاه لحين استقرار المنطقة المجاورة لإيران، لان تأثير الاضطرابات الحالية على حدود إيران قد تفوق خطورتها الحصار العقوبات الاقتصادية، كما إن جوهر هذا النظام سوف لن يتم مسه في المرحلة القادمة وفي المستقبل المنظور، لان قواعد النظام لازالت قوية، وان كل الاطراف متفقه على جوهر هذا النظام.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2016
www.fcdrs.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق