بدأت في امريكا ثم اوربا والآن وصلت الى الاسواق الصاعدة.

قبل ما يقرب من عشر سنوات انفجرت فقاعة القطاع السكني في الولايات المتحدة الامريكية، وبعدها في عام 2009 اندلعت ازمة اليورو متأثرة بديون اليونان. الارتباط بين هذه الكوارث المتعاقبة تجسّد على شكل تراكم سريع للديون، متبوعا بافلاس. الآن تبرز الحلقة الثالثة من مسلسل الديون، ومسرحها هذه المرة هو اسواق الدول الصاعدة. المستثمرون ألقوا سلفا بإصولهم في العالم النامي، لكن الضرر المؤذي للانحدار الاقتصادي لم تكتمل فصوله بعد.

ان ازمة الديون في الدول الفقيرة ليست جديدة. بشكل ما هي اقل تأثيراً من عجز السداد او انتهاك آلية ربط العملات الذي ميّز انهيارات الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي. الاسواق الصاعدة اليوم لديها اسعار صرف اكثر مرونة، واحتياطيات اكبر، وتمتلك حصة صغيرة من ديونها في العملة الاجنبية. مع ذلك، فان الافلاس سيضرب النمو اقوى مما يتوقعه الناس حاليا، وسيُضعف الاقتصاد العالمي حتى عندما يقوم الاحتياطي الفيدرالي برفع اسعار الفائدة.

في جميع الاصناف الثلاثة من الديون، تبدأ الدورة بطوفان من رأس المال عبر الحدود، مخفضا اسعار الفائدة ومعجلا من نمو الائتمان. في امريكا، انتقل حجم هائل من الادخارات العالمية، معظمها من اسيا الى الإقراض المخاطر في قطاع الاسكان وبنتائج كارثية. في منطقة اليورو، ساعدت حكمة الالمان في تمويل كل من طفرة القطاع السكني في ايرلندا والانفاق العام في اليونان.

وعندما تحولت فقاعات العالم الغني هذه الى افلاس، مجبرةً اسعار الفائدة نحو انحدار تاريخي، فان تدفق رأس المال بدأ بتغيير الاتجاه. النقود تدفقت من الدول الغنية الى الدول الافقر. لكن هذا كان ايضا تهوّر آخر: الكثير من النقود اقتُرضت بسرعة كبيرة، والمزيد من الديون تسلمتها الشركات لتمويل المشاريع غير الحكيمة او شراء اصول ذات اسعار عالية. وبشكل عام، ارتفعت الديون في الاسواق الناشئة من 150% من الناتج المحلي الاجمالي عام 2009، الى 195%. ديون الشركات ارتفعت من اقل من 50% من الناتج المحلي الاجمالي عام 2008 الى ما يقارب 75%. نسبة ديون الصين الى الناتج المحلي الاجمالي ارتفعت بما يقارب 50 نقطة مئوية في السنوات الاربع الماضية.

الآن تأتي هذه الطفرة ايضا الى نهايتها. نمو الصين البطيء وانخفاض اسعار السلع أضعفا الامل بالمستقبل حتى مع وجود دولار قوي واسعار فائدة امريكية عالية تعيقان تدفق رأس المال الرخيص. ان بعض دورات الديون تنتهي بأزمات ركود مصحوبة بفشل القروض الخطرة ومصاعب موجعة لمنطقة اليورو. هناك ديون اخرى ادت الى مجرد بطء النمو لأن المقترضين اوقفوا الانفاق والمقرضين هربوا بسرعة. ان حجم طفرة ائتمان الاسواق الصاعدة يضمن ما سيحصل لاحقا من أذى. في الدول التي ارتفعت فيها مديونية القطاع الخاص بأكثر من 20% من الناتج المحلي الاجمالي، انخفضت سرعة نمو الناتج المحلي الاجمالي بمتوسط 3 نقاط مئوية خلال 3 سنوات بعد ذروة الاقتراض. لكن مقدار الالم الكامن مستقبلا يعتمد ايضا على عوامل محلية بدءا من حجم التعديل في سعر الصرف الذي حدث سلفا الى حجم احتياطيات الدول.

ان معظم الاقتصاديات الناشئة يمكن وضعها في واحدة من ثلاث مجموعات. المجموعة الاولى تتضمن تلك الاقتصاديات التي تكون فيها طفرة الائتمان متبوعة بوجع طويل، ليس من نوع السكتة القلبية. جنوب كوريا وسنغافورة ينتميان الى هذا الصنف وهما يشكلان اهمية حاسمة للاقتصاد العالمي، وكذلك الصين التي لاتزال تمتلك دفاعات قوية لحمايتها من هروب رأس المال. انها لديها فائض هائل في الحساب الجاري. احتياطيها من الصرف الاجنبي بلغ 3.5 ترليون دولار في شهر اكتوبر، اي، ثلاث مرات بقدر حجم دينها الخارجي. صانعو السياسة لديهم القدرة للدفع الى المقترضين، ولا يبدو لديهم الرغبة بالسماح بالإفلاس. غير ان اخفاء المشاكل تحت البساط لا يعني التخلص منها. الشركات التي يتوجب عليها الافلاس تتجه نحو المتراكم من الديون الفاشلة في ميزانيات البنوك، او الى الطاقة الفائضة في قطاعات مثل قطاع الستيل وبما يقود الى ضياع في مكان اخر. كل هذا يضعف النمو لكنه ايضا يؤجل التهديد بكوارث حادة.

لننظر بدلا من ذلك بالدول من الصنف الثاني- التي تنقصها نفس الوسائل لتمويل المقترضين غير الحذرين او لتحمي نفسها من هروب راس المال. من بين الاقتصاديات الاكبر في هذا الصنف، تقف ثلاثة منها. سندات شركات السوق البرازيلي نمت 12 مرة منذ عام 2007. عجز حسابها الجاري يعني انها تثق برأس المال الاجنبي، شللها السياسي وعدم المرونة المالية لا يساعدان في تقديم الضمانات للمستثمرين. البنوك الماليزية عليها الكثير من المطلوبات الاجنبية، وارباب المنازل لديهم نسبة الدين الى الدخل أعلى من اي نسبة بالمقارنة مع الاسواق الكبيرة الناشئة. قوتها من احتياط الصرف الاجنبي تبدو ضعيفة وفائض حسابها الجاري يُحتمل ان يتداعى. اما تركيا فهي يجتمع لديها عجز في الحساب الجاري وتضخم عالي وديون بالعملة الاجنبية والتي اصبحت اكثر ازعاجا مع هبوط الليرة.

المجموعة الثالثة من الدول تتألف من الاسواق الناشئة التي هي اما ستهرب من المشاكل الخطيرة او انها ذهبت سلفا نحو الاسوأ. من بين الكبار، تأتي الهند التي هي افضل صحيا قياسا باي من الاقتصاديات الصاعدة الكبيرة وكذلك روسيا التي ربما تجاوزت التوقعات. الروبل ذهب سلفا في تسوية اكبر قياسا باي من العملات الرئيسية الكبيرة، والاقتصاد يبيّن علامات من الاستجابة غير المستقرة. الارجنتين، التي تشهد هبوطا دائما ولكن مع قليل من الدين الخاص، ربما ايضا تنجح اذا ربح الاصلاحيون الرئاسة هذا الشهر.

لو وضعنا هذه العلامات المضيئة جانبا، فان كل شيء آخر يشير لسنة اخرى شاحبة للاقتصاد العالمي. صندوق النقد الدولي يتوقع نموا عاليا في الاقتصاديات الصاعدة السنة القادمة، الدرس من دورات الديون السابقة يشير الى سنة اخرى من الهبوط المؤكد. ضعف العالم النامي المسؤول عن اكثر من نصف الاقتصاد العالمي (في السعر الموازن للقوة الشرائية)، بدا يؤثر اكثر بكثير مما كان في السابق. هبوط النمو في الاقتصاديات الصاعدة ضرب ارباح الشركات المتعددة الجنسيات وأثّر على تدفق النقد الى المصدرين. انخفاض اسعار السلع يساعد مستوردي البترول لكنه يزيد الضغط على المدينين من عمال المناجم والحفارين والتجار الذين ترتبت عليهم ديون تصل الى 3 ترليون دولار.

الموجة الرابعة؟

ان اقتصاد اوربا المنفتح هو اكثر عرضة للارخاء في الاسواق الناشئة، والذي يفسر ارجحية حدوث المزيد من سياسة الارخاء النقدي هناك. لكن مأزق السياسة الامريكية هو اكثر حدة. انفصال السياسة النقدية عن بقية العالم سيضع ضغطا صاعدا على الدولار ويسبب ضررا للصادرات والمدخولات. موجات من رأس المال ربما مرة اخرى تبحث عن المستهلك الامريكي كمقترض. واذا كان الامر هكذا، فان ازمة ديون العالم ستنتهي مرة اخرى من حيث بدأت.

* الايكونومست، 14 نوفمبر 2015

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق