لا تبدو الديمقراطية العراقية، على خلاف الأنظمة الليبرالية الأخرى، قادرة على التعامل مع نتاج أفكار اليمين واليسار وقوى الوسط التي سادت أنظمة الحكم الأوروبية أو الآسيوية. بل وقعت في فخ أبشع أنواع الإقطاع السياسي الذي يمكن أن يتقلب في مواقفه على حبال الاتجاهات المختلفة...
لا تبدو الديمقراطية العراقية، على خلاف الأنظمة الليبرالية الأخرى، قادرة على التعامل مع نتاج أفكار اليمين واليسار وقوى الوسط التي سادت أنظمة الحكم الأوروبية أو الآسيوية. بل وقعت في فخ أبشع أنواع الإقطاع السياسي الذي يمكن أن يتقلب في مواقفه على حبال الاتجاهات المختلفة، بينما يسوّق لجمهوره السياسي ذات الأفكار التي توقف ساعة المستقبل عند منطلقات الجهل المقدس بدلاً من إنتاج المعرفة واستلهام العبر من سيرة التاريخ لصناعة مستقبل أفضل.
لذلك، لا تتوافر حالة التمييز بين الأنواع الثلاثة المعروفة عن مجالس التمثيل النيابي في قوى سياسية لها مواقف راسخة أمام التحديات وتمتلك خطابًا واحدًا، سواء فاز بثقة المواطنين أم لا، لكنه يثبت على قناعته. هكذا تُدار لعبة مفاسد المحاصصة وأمراء عوائل الأحزاب العراقية، وتضارب المصالح، فقط لأن واقع هذه الأحزاب لا ينطلق من مصالح عراقية وعراقية فقط في وطن واحد، وطن الجميع وفق ما ضمنه الدستور النافذ. بل تنطلق من زوايا متعارضة تبدأ بمشروع الانفصال الكردي، والاندماج الشيعي التي حولت عراق ما بعد 2003 إلى ساحة للصراع بدلاً من البناء لدولة مدنية عصرية، مقابل وكلاء النفوذ العربي الذين لم تكن لهم مهمة غير مقاومة مشروع الهلال الإيراني.
وفق هذا السياق، تقوم وقائع حسابات الانتخابات، سابقة كانت أم مقبلة، ليس على حسابات تسوية نتائج الانتخابات بل بذات المقياس لمفاسد المحاصصة، لأن اللعبة الانتخابية لا تحسم في فائزين وخاسرين. وما حصل في انتخابات 2021 نتيجة واضحة وقبلها انتخابات 2010، ما دامت قدرات النفوذ الإقليمي والدولي أكبر من قدرات الأغلبية الصامتة أمام صندوق الاقتراع.
وأي حكومة مقبلة لن تكون أفضل من الحكومات السابقة، وأي برنامج انتخابي لا يساوي قيمة الحبر الذي كُتب به، وأي اتفاق سياسي على تشكيل الحكومة وتسمية رئيس مجلس الوزراء لن يكون ضمن آليات وأساليب الفرز ما بين قوى اليمين ولا اليسار ولا حتى الوسط، فالجميع طامح بمفاسد المحاصصة، والجميع ينتظر تقسيم كعكة الامتيازات والحصول على حصته منها حتى وإن لم يفز بالانتخابات.
في مثل هذا الواقع، تظهر الفجوة بين خطابات انتخابية تحشد لجمهورها بعناوين "الجهل المقدس" طائفيًا وقوميًا، وتغيب عنها أدنى معايير تصنيف النخب السياسية التي حصل العراق على أدنى المراتب فيها مؤخرًا.
السؤال: ما الحلول المنتظرة؟
الإجابة الواقعية: فاقد الشيء لا يعطيه. عراق ما بعد 2003 واقع تحت منخفض سياسي ما بين مشروع ولاية الفقيه الإيرانية من جهة، ومشروع العثمانية المتجددة من جهة أخرى، والرغبات العربية، لاسيما السعودية في رؤية 2030، من جهة ثالثة، وكل ذلك يتداخل معه المشروع الصهيوني والدور الأمريكي فيه.
لذلك ينتظر الجميع مرور عاصفة الانتخابات لتسوية طاولة توزيع كعكة الحكومة الجديدة وفق ذات الموازين ومعايير مفاسد المحاصصة.
أما المستقبل، فتلك قصة أخرى لا تمتلك أي قوى حزبية عراقية إمكانية رسم معالمها. فلا الأكراد يمكنهم إعلان الانفصال بعد سقوط ورقة حزب العمال التركي، ولا السنة بإمكانهم المطالبة بالإقليم بعد سقوط نظام بشار الأسد، ولا الشيعة بإمكانهم غير انتظار نتائج المفاوضات النووية الإيرانية الأمريكية.
يضاف إلى ذلك تلك الخسائر الكبرى بسبب الفساد السياسي، وتآكل ثروات العراق النفطية في عقود جولات التراخيص، وهدم الزراعة بسبب شح المياه، والدمار الذي لاحق الصناعة الوطنية بسبب نفوذ الاستيراد بأدنى مستوى لجودة البضائع الصينية والإيرانية.
المعضلة الأكبر في احتمال أن يتكرر نموذج القتال بين الفرقاء على هامش إعلان نتائج الانتخابات حتى قبل حصولها، لأن ضبط الإزاحة في تضارب المصالح، وعدم التمييز بين قوى تفوز وأخرى في المعارضة، قد يعجل بمثل هذا الاقتتال حتى قبل موعد الانتخابات. وهناك أسباب كثيرة جدًا في إطلاق شرارته، لعل أبرزها هبوط أسعار النفط خلال الصيف المقبل.
خلاصة القول: كل موسم انتخابات تبرز ذات مواصفات الفشل في بناء المستقبل، ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!
اضف تعليق