الخطوة الأولى هو بناء القاعدة والأساس، وبعد ذلك تحويله إلى طاقة فاعلة؛ أي ثبت العرش ثم النقش، وهذه المهمة ملقاة على النخب الثقافية لتحديد المسار العام وتعريف الوجوه الصالحة للتصدي لمشروع مستقبلي تغييري. وعليه فإن الأولوية الراهنة ليست فوز قائمة دون أخرى أو جهة على تلك، وإنما السعي لتعديل...
هل تمثل الشعبوية في الخطاب الانتخابي العراقي ارادة الشعب ام انها تكرس اللاوعي السياسي وتعيد انتاج الفشل؟ وكيف يمكن تحويل القوة الشعبية الى طاقة فاعلة مستدامة لبناء الدولة المستقرة؟
بداية لابد من تعريف مفهوم الشعبوية وكيف بدأت في التاريخ المعاصر، وذلك من خلال نظرة خاطفة على أحداث القرن الماضي؛ حيث يخبرنا التاريخ عن وجود شعارات برَّاقة و(مبدئية) عرفت فيما بعد بالخطاب اليساري، والذي كان قائما على مبدأ المساواة والعدالة الاجتماعية ومكافحة استثمار المستثمرين الذين هضموا حقوق الكادحين والفقراء، فكان يدعو إلى إتحاد العمال ضد أصحاب الثروة والمال.
وحسب الظاهر فإن تلك (الشعارات) كانت كلمة حق إلا أن طمع القادة أرادوها باطلا حيث كانوا يستهدفون احتكار ثروة الأغنياء لأنفسهم لا للتوزيع العادل، فظهرت ظاهرة الشعبوية والتي أصبحت فيما بعد آفة السمة البارزة للعاملين في السياسة والاعلام، وهو فن صناعة أو تعليب الشعارات، ودغدغة العواطف، من أجل استهواء العامة، وتمرير المشاريع الجاهزة، وبكلمة واحدة؛ خداع الرأي العام واستغلال عطشهم لتحقق العدالة بشعارات جذابة للوصول إلى مآربهم دون إحقاق حقوق المخاطَبين بتلك الشعارات.
فحذت سائر التيارات هذا الحذو والتي منها التيارات اليمينية وحتى القائمة على (الدعوة الدينية) أو (الرسالية) حيث "لا يجد الناس في كثير من المنظمات والأحزاب النموذج الذي تدعو إليه المنظمة أو الحزب أو الجماعة أو الهيئة، بل يرون العكس من ذلك..
أو يرون بينهم الاختلاف الفاحش في مستوى المعيشة، فبينما يرون الطبقات العليا من المنظمة والحزب يتمتعون بالدُور والأثاث والسيارات وما أشبه، يرون قاعدة الحزب محرومة من كل ذلك.. أو يرون أن قيادات المنظمة والحزب أو ما أشبه يجلسون في الأبراج العاجية، ويأمرون الأفراد بالأعمال الشاقة من السهر وإلقاء أنفسهم في المهالك والمشاكل ونحو ذلك..". (للمزيد يرجى مراجعة كتاب الصياغة الجديد للإمام الشيرازي).
وفيما يرتبط بالوضع الراهن في العراق فرغم التغيير الكبير الذي حصل في الهيكل مقارنة بالعقود السابقة، إلا أن النهج لا يزال قائم، فترى بعض التيارات تركب موجات الكراهية والغضب الحاصل ضد الوضع القائم لتكرر الدوامة نفسها..
وبالأساس فإنه لا يوجد شيء باسم "إرادة الشعب"، وإنما هي ردات فعل وعواطف جيّاشة تريد تغيير الواقع بأية طريقة فتتبع تلك التيارات التي هي الأخرى كانت مهمشة من قبل..
أما فيما يرتبط بكيفية تحويل القوة الشعبية إلى طاقة فاعلة مستدامة لبناء دولة مستقرة، فإن التعبير لا يخلو أيضا عن (الشعبوية)؛ ذلك لأنه لا يوجد تعريف عن تلك القوة الشعبية، فالاستقرار ليس بحاجة إلى رأي الشارع بقدر حاجته إلى تثبيت قواعد الإستقرار، ناهيك عن أن معرفة رأي الشارع هو الآخر بحاجة إلى مؤسسة ودراسات لا إلى ما يشاع في الإعلام، وإلا ستكون تلك القوة ضحية لحظات الغضب وردود الأفعال.
من هنا فإن الخطوة الأولى هو بناء القاعدة والأساس، وبعد ذلك تحويله إلى طاقة فاعلة؛ أي ثبت العرش ثم النقش، وهذه المهمة ملقاة على النخب الثقافية لتحديد المسار العام وتعريف الوجوه الصالحة للتصدي لمشروع مستقبلي تغييري. وعليه فإن الأولوية الراهنة ليست فوز قائمة دون أخرى أو جهة على تلك، وإنما السعي لتعديل الوضع القادم من خلال إيجاد الأرضية وتوفير المناخ الصحيح.
اضف تعليق