آراء وافكار - مقالات الكتاب

الشجار بين الإخوة

فرصة لتعليم المهارات الاجتماعيَّة وتنمية الشخصيَّة

الشجار بين الأطفال، على الرَّغم ممَّا قد يثيره من قلق أو توتر، هو جزء طبيعي من نموهم وتطورهم؛ فالمشاجرات تعلمهم مهارات هامَّة في إدارة الحوار وحل المشكلات، وتُسهم في تطوير قدرتهم على التعبير عن أنفسهم والدفاع عن حقوقهم؛ لذا، لا ينبغي للآباء أن يفقدوا الأمل أو يتوتروا عند...

قلَّما تجد بيتًا لا يعلو فيه صوتُ شجارٍ بين الأطفال؛ فالصِّراعات الصَّغيرة تنمو معهم كما تنمو أطرافهم، وتُعدُّ من ملامح الطفولة التي لا يخلو منها زمن، فالشِّجار ما لم يتجاوز حدَّه، يحمل في ثناياه دروسًا خفيَّة في التَّعبير، وفنون الدِّفاع عن الذَّات، ومهارات فهم الآخر؛ إنَّه تمرين مبكِّر على الحياة، يصقل الشَّخصيَّة ويُهذِّبها إنْ أحسنَ الكبارُ توجيهه؛ فكم من خصامٍ صغيرٍ أورثَ ودًّا، وكم من خلافٍ عابرٍ صار جسرًا للفهم والتَّقارب.

فما هي أسباب الشِّجار بين الإخوة؟

وكيف يمكن لنا التَّعامل مع هذا الخُلُق؟

المحور الأوَّل: أسباب الشِّجار بين الأطفال.

يمكن تصنيف أسباب الشجار بين الأطفال تحت ثلاثة عناوين أساسيَّة:

أوَّلًا: أسباب تربويَّة ونفسيَّة داخل البيت.

1. تفضيل أحد الأبناء على الآخرين.

تفضيلُ الوالدينِ لأحدِ أولادهم من دون الآخرين جرحٌ صامت، لا يُرى بالعين؛ لكنه يملأ القلبَ شعورًا بالخذلانِ لا يزول بسهولة؛ هو ميزانٌ مختلٌّ في بيتٍ يُفترض أن يسوده العدلُ والحنان، وربما لا يقصد الوالدان أذًى، وربما يجهلان عمق الأثر؛ غير أنَّ الطفلَ يشعر، ويرى، ويقيسُ حبَّهم بنظراتهم وكلماتهم وحتَّى صمتهم.

ذلك التَّفضيلُ قد يصنع حاجزًا من الغيرةِ والألم، ويدفع بعض القلوب الصَّغيرة إلى الانكماش أو التَّمرد، باحثةً عن عدلٍ غاب، أو حنانٍ لا نظير له؛ فليتَ كلَّ والدٍ ووالدةٍ يُدركان أنَّ القلوب الصَّغيرة تُزهر في ضوء العدالة، وتذبل حين يَخفت فيها النور، وأنَّ العدل في الحبِّ لا يعني المساواة؛ بل يعني أن يشعر كلُّ قلبٍ أنَّه محبوبٌ كما هو، لا كما ينبغي أن يكون.

عن الإمام الباقر (عليه السلام): "والله إنّي لأصانع بعضَ ولدي وأجلسهُ على فخذي، وأكثر لهُ المحبَّة، وأكثر له الشكرَ، وإنَّ الحقَّ لغيره من ولدي، ولكن محافظة عليه منه ومن غيره، لئلا يصنعوا بهِ ما فعل بيوسف أخوته" (1).

2. المقارنة بين الأبناء.

أحيانًا، يخطئ الوالدان في إجراء المقارنات بين أبنائهم، فيقولان مثلًا: فلان أجمل من فلان، أو أذكى منه أو أكثر خُلقًا منه، وإنَّ ابني فلان يشبهني، وفلان لا يشبهني، معتقدين أنَّ ذلك قد يكون حافزًا للتطور؛ لكن ما يغفلون عنه هو أنَّ هذه المقارنات ليست كلمات عابرة؛ وإنَّما هي شرارةٌ قد تُشعل في قلب الطفل نارًا من الحقد والحسد، وتزرع في صدره شعورًا بالظلم وعدم العدالة؛ لكون الطفل، وهو في مرحلةٍ حسَّاسة من نموه، يتأثَّر بشدَّة بمقارناته بأقرانه، خاصَّة عندما يشعر أنَّ حبَّ والديه مرهونٌ بإنجازات أخيه أو اختياراته، وما أن يشعر الطفل بأنَّ حبَّ والديه مشروطٌ بمقارنته المستمرة بالآخرين، حتَّى يَسْتحيل عليه أن ينظر إلى أشقائه كرفاقٍ في الحياة، وإنَّما يراهم منافسين ينبغي التفوق عليهم بأيّ ثمن، وهكذا يتحوَّل الشجار إلى صراعٍ عاطفيٍّ يفرّغ فيه الطفل غضبه المكتوم وتراكماته النَّفسيَّة؛ ولذلك فإنَّ المقارنة بين الأبناء تفجِّر طاقات الحقد في الصدور، وتزرع بذور العداوة حيث يُفترض أن تُزرع بذور المحبَّة.

3. القسوة في التربيَّة.

سلوكُ الوالدينِ في التربية حين يعتمد على القساوة والصرامة المفرطة، يصنع أطفالًا تتراكم في نفوسهم الجروح العاطفيَّة؛ فكلُّ كلمة قاسية، وكلُّ تصرف يعكس غياب الحنان والمرونة، يزرع بذور القسوة في قلب الطفل، حتَّى يصبح من الصَّعب عليه أن يعبِّر عن مشاعره بحرية أو يكوّن روابط عاطفية مشروعة مع الآخرين؛ فتلك القلوب التي لم تُسقى بالحب، تَفتقد للرحمة والتفهم، وتُجبر على احتواء مشاعرها بطرقٍ خشنة، فتظهر الفظاظة في تصرفاتهم، وتتسم علاقاتهم بالجفاف؛ وماذا ينتظر من يزرع القسوة في تربية أبنائه، إلَّا أن يحصد القلوب الجافة.

عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّه (صلَّى الله عليه وآله): إِنَّ الرِّفْقَ لَمْ يُوضَعْ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا زَانَه، ولَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَه"(2).

4. الغيرة بين الإخوة.

في بعض الأحيان يعتقد الطفل بعد مجيء طفل آخر للبيت أنَّ مكانتَهُ سوف تتزعزع في نفسِ الوالدين، وأنَّ المحبَّةَ التي كان قد حققها في قلبِ أبوية سوف تضعفُ، وتتلاشى شيئًا شيئًا، وأنَّه أصبح شخصًا ثانويًّا، وليس أساسيًّا ممَّا يدفعهُ إلى الشِّجار مع الطفل المنافسِ له، وممَّا يقلل الغيرةَ المساواةُ بين الأطفال، وعدم تفضيلِ بعضهِم على بعض.

ثانيًّا: أسباب سلوكية أو صحية تخصُّ الطفل.

1. الهروب من الضُّغوط.

قد يتَّخذ الأطفال في بعض الأوقات من الشجار وسيلةً لصرف نظر أبويهم عن مشاكل أخرى قد تكون خاصَّة بهم، أو بين الإخوة أنفسهم؛ من أجل أن يتحوّل الشجار إلى أداة للهروب من مسؤوليات تُثير في نفوسهم شيئًا من القلق، كأن يتصاعد الخلاف بينهم ليشغل ذهن الوالدين عن الواجبات المدرسيَّة التي كُلِّفوا بها، أو عن مشاعر القلق التي قد يخفونها عن الكبار.

إنَّها محاولة غير واعية من الطفل لخلق زوبعة من الصراعات الصغيرة، بغرض تشتيت انتباه والديه عن الهموم الحقيقية التي يواجهها؛ في تلك اللحظات، يصبح الشجار أداة دفاعية، يختبئ خلفها خوفٌ من الفشل، أو من التوقعات المرتفعة التي قد يشعر بها الطفل، فيرغب في إبعاد الأنظار عن تلك الأمور التي قد تعني له الكثير؛ وبمعنى آخر: يكون الشجار درعًا يحتمي خلفه الطفل من أعباء أكبر؛ لكنَّه لا يدرك أنَّ هذا السلاح يجره إلى مزيدٍ من الألم.

2. فرط الحركة ونقص التَّركيز.

كذلك يمكن أن تكون الإصابة بفرط الحركة أحد الدَّوافع الخفيَّة للشجار بين الأطفال؛ فالأطفال الذين يعانون من هذا الاضطراب يواجهون صعوبات كبيرة في التَّحكم في حركتهم، وتوجيه طاقاتهم الزَّائدة بشكلٍ سليم، وهذا التَّشتت الدَّاخلي غالبًا ما يترجم إلى تصرفات غير منضبطة، قد تنفجر في شكل خلافات مع الآخرين من الإخوة أو الأقران، الذين لا يفهمون دائمًا السَّبب وراء هذه التَّصرفات.

إنَّ الطفل الذي لا يستطيع أن يهدأ، أو يجد صعوبةً في الجلوس أو التَّركيز، قد يشعر بالإحباط نتيجة لما يراه من توقعات مفرطة أو من تعامل الآخرين معه بشكل قاسي، وعندما يعجز عن التَّعبير عن نفسه بطريقة هادئة، يتحوَّل فرط الحركة إلى حالة من التَّوتر، ممَّا يجرُّه في النِّهاية إلى الشِّجار، ويمكن من طريق الفهم والاحتواء مساعدة الطفل على توجيه طاقاته بطريقة بنَّاءة، بعيدًا عن الصدامات العاطفيَّة والجسديَّة.

3. غياب التَّوازن الصحي في نمط الحياة.

بعضُ الآباء والأمهات يسمحون لأبنائهِم بالسَّهر طول الليل وتناول الوجبات الغذائية غير المنتظمة؛ وهذا يؤثر سلبًا على مزاجِ الأطفال.

ويحتمل في حالةِ عدم معرفة سبب حقيقي للشجار أن يكون هناك مرض قد تعرَّض له أحدُ الأطفال؛ وهذا مما يتسبب في اندلاع الكثير من المعارك بين الأطفال.

ثالثًا: أسباب بيئيَّة وفكريَّة مكتسبة.

1. غياب القدوة في إدارة الخلافات.

قد يكون سلوكُ الوالدينِ في طرقِ علاجِ مشاكلهما هو البذرة الأولى التي تُنبت في الأطفالِ لغةَ الشجار؛ لأنَّ الطفل مرآةٌ لما يرى، لا لما يُقال له؛ فإذا اعتاد أن يرى والديه يحلان خلافاتهما بالصوت المرتفع، أو الصمت القاسي، أو الكلمات الجارحة، تسربت تلك اللغة إلى قلبه، وظنَّ أنَّ الخصومةَ طريقٌ لا بدَّ منها لفَرض الرَّأي أو التَّعبير عن الألم.

وعندما يغيب الحوار الهادئ، يغيب معه فنُّ الاستماع، ويكبر الطفل وهو يحمل في قلبه نارًا من الغضب لم يُعلَّم كيف يطفئها، وإنَّما كيف يشتعل بها عندما يتعرَّض للألم.

إنَّ البيتَ هو أوَّلُ مدرسة للعاطفة، وأبواه هم أوَّل معلميها، فإن درَّباه على اللين، تعلَّمه، وإن سقياه من كؤوس التَّوتر، شربها ووزَّعها على من حوله؛ ولذلك، فإنَّ من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الوالدان أن يختارا ساحةَ البيت وأعينَ الأطفال مسرحًا لمعالجة خلافاتهما، سواء أكانت تلك المشكلات صغيرة أم كبيرة؛ فما إن تُعرض تلك الخلافات أمام الصغار، حتَّى يتسلل الخوف إلى قلوبهم، ويبدأ اللاوعي في تسجيل مشاهد الألم، لينسج منها لاحقًا نمطًا في الحبِّ أو الغضب أو حتَّى الحياة نفسها.

وإن أراد الوالدان أن يصنعوا أولادًا تملؤهم الاضطرابات النَّفسيَّة، فما عليهم إلَّا أن يملأوا أجواء البيت بضجيج النزاع، وتراشق الكلمات، وربما العنف القولي أو الجسدي، وكأنَّهم ينسون أنَّ الطفل لا ينسى، وأنَّ كلَّ صرخة تُغرس مثل شوكة في ذاكرته؛ فالخلاف أمام الأطفال ليس مجرَّد لحظة انفعال؛ بل درسٌ يوميٌّ في طريقة إدارة الغضب، وكيف يمكن للبيت –إن غاب فيه الوعي– أن يتحوّل من حضنٍ دافئ إلى ساحة معركة.

2. غياب العاطفة والاهتمام.

يشعرُ الطفل بالفراغ العاطفي حين ينشغل الوالدان؛ وكثيرًا ما يجلس طفل في زاويةٍ هادئة من البيت، لا يفتقر إلى طعامٍ أو لباس؛ إلَّا أنَّه ينتظر نظرة دافئة، أو لمسة حنان، أو لحظة تُشعره بأنَّه حاضرٌ في وجدان والديه.

وحين يغفل الأهل عن أعماق أبنائهم، لا يدركون أنَّ ذلك القلب الصغير بدأ يمتلئ بصمتٍ مرير، وعداوةٍ غامضة، تتجه نحو أقرانه، لا لذنبٍ ارتكبوه؛ وإنَّما يبحث عن نافذة لألمه، ولسانٍ يُعبّر به عن شوقه للاحتواء،

ومن هذا التَّصحّر العاطفي، تولد النزاعات، لا لأنَّها جزء من شخصيته؛ بل لأنَّها صدى لفراغٍ تركه الكبار من دون أن يشعروا.

 إنَّ الواقع الذي نعيشه يثبت أنَّ الطفل الذي يُحرَم من دفء الحبِّ قد يوزع المرارة لمن حوله؛ فالحرمان العاطفي ليس دومًا ظاهرًا للعيان؛ لكنه يتسلل إلى الروح بهدوء، ليبني جدرانًا خفية من الألم وربما من غضبٍ مدفون.

3. اختلاف التوجهات الفكريَّة.

من المحتمل أن تكون نقطة اندلاع الشجار بين الأطفال أعمقَ من مجرد نزاعٍ على لعبة أو خلافٍ لحظي؛ بل هو اختلافٌ في التوجهات الفكريَّة التي تتشكَّل منذ الصغر، بفعل البيئة التي تحتضنهم، وطريقة التربيَّة التي يتلقاها كلٌّ منهم على حدة؛ فالطفل لا يولد برأيٍ أو موقف؛ وإنَّما يكتسب قناعاته من الكلمات التي تُقال أمامه، من ردود الأفعال، ومن الأسلوب الذي يُربّى به.

وحين يجتمع في بيتٍ واحد إخوةٌ تربّى كلٌّ منهم على نمطٍ فكري مختلف، أو على نهجٍ تربوي متباين – ربما بتأثير أحد الأبوين أو من يتولَّى الرعاية – ينشأ بينهم شيء من التصادم؛ ذلك أنَّ الأفكار حين تختلف، تبدأ النظرات بالتغيُّر، وتتشكَّل المواقف، ولو على هيئة شجار ظاهره بسيط، وباطنه صراع في الرؤية والمبدأ.

4. إلفات النَّظر.

قد يتشاجر الطفلُ مع طفلٍ آخر ليلفت نظر والديه، وليراهما وهما يتقدَّمان نحوه، ولو على هيئة عتاب؛ فبعض الأطفال، حين لا يجدون اهتمامًا بحضورهم، يصنعون صخبًا علّهُ يُذكّر من يحبّهم أنَّهم ما زالوا هنا، ينتظرون لحظةَ احتواء.

إنَّها مفارقةٌ موجعة، أن يلجأ الطفل إلى الخطأ كي يشعر بأنَّه مرئيّ، وكأنّ قلبه الصغير يهمس: انظروا إليّ وإن كنتُ مخطئًا؛ ولا تتجاهلوا وجودي. وهكذا يتحوّل الشجار من سلوكٍ مزعجٍ إلى نداءٍ مبطن بالحاجة، يختبئ خلفه قلبٌ عطشٌ للاهتمام، وجفنٌ اشتاق أن يُحتضن لا أن يُوبَّخ.

المحور الثَّاني: علاج الشجار بين الإخوة.

قبل أن نذكر الطُّرق التي يمكن من خلالها حلَّ الشجار؛ يجب التَّأكيد على حقيقةِ أنَّ الشجار بينَ الأطفال إن كان ضمن الشجار الممدوح لا يخلو من فائدة؛ فهو يطوّرُ تصرفات الأطفال وقدراتهم، ومن خلاله يكتشفُ الطفلُ نقاطَ ضعفهِ وكيفية التغلب عليها، كما أنَّهُ يشيع روحَ المرح في المنزلِ.

ويمكن القول: إنَّ خلو البيت من المشاجرات بين الأطفال ليست علامة إيجابيةً في تلكَ الأسرة؛ إذ المفروض أنَّ الأسرة تعيش حالةَ التَّواصل فيما بينها؛ وهذا لا يخلو من مشاجرة بين الأطفال في كثيرٍ من الأحيان.

نعم؛ من الواجب التدخل إذا حصل شجارٌ بينَ الأطفال، وتطوَّر إلى حالة الضرب بالأيدي، أو بالآلات الجارحة، أو استخدم الكلام الفاحش والبذيء، وكذلك إذا ازدادت الحالاتُ، وخرجتْ عن الحدِّ المألوف؛ بأن أصبحت تأخذ الانتقام أو أنَّها تشغلُ الأطفال عن الواجبات المكلفينَ بها، أو أنَّها أصبحت مصدرَ إزعاج لمن هو موجود في البيت.

ويمكن تصنيف عناوين العلاج ضمن محورين رئيسيين كما يلي:

أوَّلًا: أسس الوقاية من الشجار بين الأطفال.

1. معالجة جذور الشجار.

البدء بمعالجة الجذور العميقة لهذا السلوك يسبق غرس أي علاج؛ فليس هناك فائدة من فرض حلول سطحيَّة أو مؤقتة من دون التَّعمق في فهم أصل المشكلة، وعندما يُنظر إلى الدَّوافع النفسيَّة والعاطفيَّة التي تُفضي إلى الشجار، تصبح التدابير حينها أكثر ثباتًا ونجاحًا؛ فباستيعاب ما يمرُّ به الطفل، وما يشعر به من دوافع، يقدر الوالدان على تقديم دعم فعّال يدعم قدرة الطفل على التعبير، وضبط مشاعره.

2. العدالة داخل الأسرة أساس السلام.

العدالة في الأسرة تمثِّل حجر الزاوية في تجنب الخلافات وحل الشجارات بين الأطفال؛ وحين يشعر الأبناء أنَّ المعاملة بينهم متساوية، تَغيب كثير من الأسباب التي قد تثير التوتر أو الخلافات. وعليه، في حال حدوث شجار بين الأطفال، من الخطأ أن يتمَّ تمييز طفل عن آخر أو معاملة أحدهم بميزان غير متوازن؛ لأنَّ كلَّ طفل في الأسرة هو فلذة كبد والديه، ولهم الحقُّ في أن يشعر كل منهم بالحماية والاحترام نفسه.

 إنَّ التفريق بين الأبناء في لحظات النزاع يزرع بذور الغيرة والعداوة، ويجرُّ إلى مزيد من التَّوتر في العلاقة بينهم. ولا تعني العدالة المساواة بين الأطفال، وإنَّما إعطاء كلِّ طفلٍ ما يحتاجه وفق الفترة الزمنية التي يعيشها؛ فالطفلُ الصغيرُ يحتاجُ إلى الحب أكثر من الكبير وهكذا؛ وإنَّما هنا العدالة ألَّا يُحكمَ على أحدِ الطرفينِ قبل أن يرى المشكلة؛ وإنَّما يحاول حلّ المشكلة مختومةً بتقبيل الأطفال لبعضهِما.

3. وضع القواعد الواضحة التي تقي من الشجار.

وضع القواعد في الأسرة، وبيان الحقوق والواجبات يجعل العائلة بعيدًا عن جوّ المشاكل؛ خاصّة إذا كانت تهدف إلى إعطاء كلِّ ذي حقٍ حقَّه، وتعويد الأطفال عدم استخدام الألفاظ البذيئة، أو العنف أثناء الشجار، وقد رأيت أحدَ الآباء يعلِّم أبناءه استخدام الألفاظ الإيجابية حتَّى في أثناء المشاجرات التي لا تخرج عن حدودِها مما أنتج أطفالًا ناجحين، بعيدينَ عن كلّ خطأ أو سلوكٍ فاحش بذيء.

4. لا للمقارنات أو التحيُّز بين الأطفال.

وضعُ المقارنات بين المتشاجرينِ، أو التحيّز لأحدِهما لا يحل المشكلة؛ وإنَّما يزيدُ منها؛ لأنَّه يجعل مشاعرَ الحقد تغلي في صدرِ الطفل الثاني، ويمكن أن تصنع إفراطًا في ثقة الطفل الآخر ممَّا يدفعه إلى تكرار تلكَ المعركة؛ وحتَّى لو مالَ قلبُك إلى أحدِ الأطفال من دونَ البقيَّة فلا تظهرْ هذا.

ثانيًا: مهارات التَّعامل مع الشجار عند حدوثه.

1. التدخل الحكيم.

لا يُستحسن تدخل الوالدين في كلِّ شجار بين الأطفال إلَّا إذا كان ذلك الشجار قد يُلحق ضررًا بأحد الأطراف؛ فعادةً ما يكون الشجار الناجم عن الغيرة غير مصحوب بأي ضرر، وفي هذه الحالة يجب منح الفرصة للطفلين ليعلما كيفية حل مشكلاتهما بأنفسهما، واكتشاف نقاط ضعفهم والعمل على تعزيزها. ومن الأمور المهمَّة التي ينبغي أن يلتفت إليها الوالدان في حال تدخلهم هو تجنب الانحياز لطفل على حساب الآخر؛ لأنَّ ذلك يزيد العداوة والحقد، ويشجع على تكرار الشجار نتيجة للغيرة.

2. الحوار بعد الخلاف يبني الفهم.

بعد فضِّ الخصام بين الأطفال، من الضَّروري أن يتمَّ مناقشة كلِّ طفل على حدة لفتح المجال أمامه للتعبير عن نفسه وفهم أسباب الشجار، وهذه المناقشة يجب أن تتم بروية وهدوء، بعيدًا عن التوبيخ أو العنف اللفظي، بهدف الوصول إلى معالجات تُساعد الطفل على فهم سلوكه وتصحيحه. وبعد ذلك، يمكن للوالدين أن ينظما لحظة جماعية تتيح لجميع أفراد الأسرة المشاركة، مثل ترتيب وليمة أو نشاط جماعي يجتمع فيه الجميع؛ وهذا العمل الجماعي لا يقتصر على تناول الطعام معًا؛ فهو يمتد ليكون فرصة لتقوية الروابط العاطفيَّة، وتصفية الأجواء، وتخفيف آثار النزاع بين الأطفال، وهذه اللحظات المشتركة تقوّي شعور الوحدة والتضامن، وتُعلِّم الأطفال قيمة التعاون والتسامح، ممَّا يساعد في بناء بيئة أسرية ملؤها الحب والاحترام المتبادل.

3. النصح لا العقاب.

بدلًا من اللجوء إلى العقاب الجسدي أو الضرب كوسيلة للتعامل مع الأطفال المتشاجرين، من الأفضل أن يعتمد الوالدان أسلوب النصح والهدوء في معالجة الموقف، ومن المهمِّ أن يتمَّ التوصل إلى فهم عميق للأسباب التي أدَّت إلى الشجار؛ فإذا كان السبب يعود إلى الإهمال أو نقص الوقت المخصص لكلِّ طفل على حدة، فمن الضروري أن يكون هناك اعتراف بهذه المشكلة والعمل على تخصيص وقت فردي لكل طفل؛ فالأطفال يحتاجون إلى أن يشعروا بأنَّهم مهمون، وأن لديهم المساحة التي يعبِّرون فيها عن أنفسهم، مع الحرص على ألَّا يشعروا بأنهم مُهمشون أو مهملون.

إنَّ اختلاق الأعذار أو تبرير الإهمال لن يحسن سلوك الأطفال؛ وعلى الوالدين أن يكونوا واعين لأهميَّة الوقت المخصص لكلِّ طفل؛ فهو ليس رفاهية، وإنَّما حاجة ضروريَّة لبناء علاقة طيبة معهم، ولتعليمهم أنَّ الاهتمام والوقت المشترك هما أساس الاحترام والحبِّ المتبادل.

4. إشراك الأطفال في حل النزاعات.

استشارة الطفلين المتشاجرين في إيجاد حل للمشكلة التي يواجهانها لا تقتصر على إنهاء الخلاف في اللحظة الحالية، فهي تساعد في تنمية مهاراتهما الفكريَّة والاجتماعيَّة، وعندما يُشرك الطفلان في عملية حل النزاع، يحصلان على فرصة للتفكير بعمق حول الموقف الذي يعترضهما، ممَّا يقوي قدرتهما على معالجة المشكلات بشكل منطقي وهادئ، كما أنَّ هذا النوع من التفاعل يعلِّمه كيفيَّة النظر إلى الأمور من زوايا متعددة، وكيفيَّة التعامل مع الخلافات بطرق بناءة، بدلًا من الاستسلام للعواطف أو التمسك بالمواقف بشكل جامد.

ومن هذه التجربة يتمكَّن الطفلان من تطوير استقلاليتهما في التفكير واتخاذ القرارات بأنفسهما، ومعرفة السبل الناجحة في التعامل مع الخلافات المستقبلية بشكل ناضج.

وفي نهاية المطاف، فإنَّ الشجار بين الأطفال، على الرَّغم ممَّا قد يثيره من قلق أو توتر، هو جزء طبيعي من نموهم وتطورهم؛ فالمشاجرات تعلمهم مهارات هامَّة في إدارة الحوار وحل المشكلات، وتُسهم في تطوير قدرتهم على التعبير عن أنفسهم والدفاع عن حقوقهم؛ لذا، لا ينبغي للآباء أن يفقدوا الأمل أو يتوتروا عند حدوث الشجار؛ بل عليهم أن يتعاملوا مع المواقف بحكمة ووعي، وأن يكونوا مرشدين قادرين على توجيه أبنائهم نحو التواصل البناء، فالمفتاح هو التدخل بعناية وحرص، مع الحرص على غرس المحبة والاحترام بين الإخوة، ليتعلموا كيف يحلون خلافاتهم برؤية ناضجة وأكثر تعاونًا.

...........................................

الهوامش:

1. تفسير العياشي: ج٢، ص١٦٦.

2. الكافي، ج٢، ص119.


اضف تعليق