التدني الذي صار مزمنا في مستويات الخدمات وتهالك البنى التحتية لها لاسيما الكهرباء التي صارت ملفا مستعصيا بتواتر الحكومات. الشعب العراقي الذي خاب امله بجميع الحكومات التي توالت بعد التغيير النيساني هو غير راض عنها اطلاقا، وتعتبر المظاهرات المطالبة بالإصلاح، بارومترا صادقا لقياس حجم المعاناة وعدم الرضا التي يكابدها...
لا يبدو أن الأمر يحتاج الى كثير عناء او تفكير للإثبات بان الشعب العراقي هو ليس من الشعوب السعيدة في العالم ان لم يكن اكثرها شقاءً ومعاناة، ولايحتاج ذلك ايضا في مضمار الكشف عن الاسباب التي أفضت الى “تعاسة” هذا الشعب، ولايحتاج الامر كذلك الى عناء اكثر في المقارنة مابين حالتين عاشهما العراقيون بكل حيثياتهما وإرهاصاتهما، فكلا الحالتين كانت لهما آثارهما المدمرة على واقع العراقيين.
الحالة الاولى هي العيش تحت ظل دولة الخوف والمنظمة السرية وزوار الفجر ووحوش المؤسسات الأمنية التي زرعها النظام التوتاليتاري الشوفيني السابق في كل شبر من ارض العراق، فضلا عن مسلسل الحروب العبثية والحصارات التي اكلت الاخضر واليابس واهدرت الكثير من الفرص التاريخية في الازدهار والانتعاش والتقدم.
والحالة الثانية التي لايجد الباحث عناءً في إيجاد مقارنة بينها وبين الاولى والتي مازلنا نعيش غمرات حيثياتها وهي التي امتدت لأكثر من عقدين لم يلمس فيها العراقيون ادنى مؤشر من مؤشرات السعادة او الرفاهية، فاستمرت معاناة العراقيين ولكن بشكل اخر، وكان يفترض انهم يعيشون في واحة غناء من الديمقراطية والتعددية والرفاهية، وزوال كابوس بيان الرقم واحد الذي ظل يلاحقهم منذ شباط 63 ويقض مضاجعهم ويحيل ايامهم الى جحيم وحمامات دم.
والحالة الثانية على سلبياتها (سلبيات فشل التأسيس الدولتي الاخير 2003 وسلبيات الممارسات الحكومية غير الناضجة) هي افضل بما لايقبل المقارنة مع الحالة الاولى (الديكتاتورية الشمولية)، ومع هذا فان الشعب العراقي ظل شعبا غير سعيد (ان لم يكن تعيسا) وقلقا من حاضره الذي استشرى فيه الارهاب والفساد وقلقا على مستقبله أيضا، وحسب معايير السعادة الدولية في قياس مؤشرات السعادة لدى الشعوب والتي تتمحور اغلبها حول الجوانب المعيشية والخدماتية والاستقرار السياسي والسلم الاهلي والمجتمعي والانسجام المكوناتي والتوافق الحزبي، والامن الاجتماعي والغذائي ومحفزات التنمية ومستوى التعليم والضمان الصحي والرعاية الاجتماعية وتدني مستويات البطالة، فضلا عن مؤشرات التضخم وانحسار معدلات الفقر الى حد ممكن يتيح للحكومة السيطرة عليه وتحقيق نمو اقتصادي سريع ومتنوع يؤدي إلى زيادة الدخل القومي وزيادة تعزيز مستوى معيشة الأفراد ويساعد على رفع الحد الأدنى للأجور.
فضلا عن الوضع البيئي الملائم للمعيشة ونصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي والتوزيع العادل للثروات وفرص العمل. اما مناسيب الفساد خاصة في مسلكي التعليم والقضاء والخطوط البيانية لمعدلات الرفاهية (المادية) فلها حصة الاسد من معدلات السعادة او عدمها وكل المقاربات التي تجعل من المواطنين راضين عن حكوماتهم.
وبعد مراجعة جميع تلك العوامل وغيرها من تلك التي تجعل الشعب سعيدا من جهة وراضيا عن حكومته من جهة ثانية يجد المتابع ان الشعب العراقي هو شعب غير سعيد بالمرة وغير راضٍ عن حكومته (او حكوماته) بدليل اتساع واستمرار الحراك الشعبي المحتج على الوضع القائم والرافض له كلية والذي استمر، كما قلنا، لأكثر من عقدين من الزمان والذي لم يحصد منه العراقيون سوى الخيبة المزدوجة من فشل التأسيس الدولتي الذي انتظروه طويلا ومن فشل الممارسات الحكومية غير الناضجة والتي تلبست بأفظع صور الفساد المالي والإداري والسياسي والاهدار المقنن للمال العام.
وبمستويات البطالة الحقيقية والمقنعة بين الشباب والخريجين منهم على الأخص وبالفقر الذي يرزح تحت خطه المسموح به دوليا ملايين العراقيين، ناهيك عن التدني الذي صار مزمنا في مستويات الخدمات وتهالك البنى التحتية لها لاسيما الكهرباء التي صارت ملفا مستعصيا بتواتر الحكومات المتعاقبة.
ان الشعب العراقي الذي خاب امله بجميع الحكومات التي توالت بعد التغيير النيساني هو غير راض عنها اطلاقا، وتعتبر المظاهرات المطالبة بالإصلاح التي جابت المدن العراقية ومنها بغداد، بارومترا صادقا لقياس حجم المعاناة وعدم الرضا التي يكابدها هذا الشعب ومايزال.
اضف تعليق