أين الجهات الرقابية المعنية، ولماذا استشرت هذه الظاهرة واصبحت جزءا من ثقافة السوق العراقي، حتى انك الان اذا ما مررت مثلا، ببسطات باب المعظم التي تفترش الأرصفة وصولا إلى مدينة الطب ستجد أن هذه الأصوات ترافقك وبشكل مدمر للأعصاب ومثير للتقزز ايضا، كونه يحصل في قلب العاصمة...

قد يبدو الحديث في مثل هكذا موضوعات، في هذه الأوقات، نوعا من الترف، حيث العالم يشتعل بالحروب والازمات والصراعات، التي تشغل وسائل الاعلام وكتّاب الرأي في الصحف ومواقع الانترنت والتواصل الاجتماعي.. لكن الوضع في بعض أسواق العاصمة، وتحديدا الاسواق الشعبية، بات لا يطاق وتحوّل، للأسف الشديد، إلى ظاهرة، صار يراها الكثيرون طبيعية بعد أن انتشرت بشكل كبير وتكرست وباتت جزءا من ثقافة السوق.

الظاهرة هذه بدأت قبل سنين عندما وضع بعض اصحاب محال البقالة مكبرات صوت مربوطة إلى جهاز تسجيل، مدوّن عليه عبارة أو عبارات تتكرر تلقائيا تنادي بالبضاعة المعروضة، وقد كان هذا محدودا وفي بعض الاسواق، ثم أخذت هذه الظاهرة بالانتشار تدريجيا وبعد أن اصبح سعر الجهاز ومكبرة الصوت زهيدا، حيث صار لدى أغلب أصحاب المحال والبسطات والسيارات التي تتجول في الازقة لتبيع الفواكه والخضراوات مكبرات صوت، تصرخ بأعلى درجة فيها.

يضاف اليهم باعة الماء (الآرو) والغاز وغيرهم من الباعة، حتى أني قبل ايام شاهدت شابا يتجول في الازقة ويتمنطق بمكبرة صوت تنادي بمواد يرغب بشرائها، وهكذا صار هذا الضجيج مكملا لضجيج المولدات الكهربائية، التي تنفت مع الصوت المدوي في البيوت، الدخان الاسود الذي صار جزءا من مائدة العراقيين اليومية.

قبل ايام كنت اتحدث إلى بائع شاب صاحب بسطة للخضار اشتريت منه في الباب المعظم، ومن حوله تصرخ مكبرات الصوت، كل واحدة تنادي بشكل مستمر على البضاعة المعروضة. قلت للشاب؛ كيف تتحمل هذا الضجيج كل هذه الوقت؟ وكيف تصمد لحين عودتك إلى البيت؟.. أجابني وهو يقول ما معناه؛ وماذا افعل!؟

شيء آخر اكثر إيلاما هو أني في إحدى المرات كنت في السوق القريب من بيتي، ذهبت لأشتري شيئا ما، وقد لفت انتباهي إلى أن صاحبي محلين أو بسطتين للخضار متقابلتين يفصل بينهما نحو مترين، وان كلًا واحدًا منهما يبيع الخضار نفسها وينادي عليها بمكبرة صوت وبأعلى طاقتها، لدرجة ان الذي يمر من بينهما لا بد من أن يضع كفيه على أذنيه لتفادي الصوت العالي جدا، وقد خمّنت أهما في خصومة أو عناد مع بعضهما، لان من المستحيل أن يتحملا هما نفسيهما هذا الصوت الذي يدمرهما أيضا!

السؤال الذي يطرح نفسه؛ هو أين الجهات الرقابية المعنية، ولماذا استشرت هذه الظاهرة واصبحت جزءا من ثقافة السوق العراقي، حتى انك الان اذا ما مررت مثلا، ببسطات باب المعظم التي تفترش الأرصفة وصولا إلى مدينة الطب ستجد أن هذه الأصوات ترافقك وبشكل مدمر للأعصاب ومثير للتقزز ايضا، كونه يحصل في قلب العاصمة التي صار السيّاح يأتونها ويتجولون فيها، واكيد ينقلون مشاهداتهم هذه لبلدانهم وربما يكتبونها.

أمانة بغداد.. لطفا.. اذا كان منع هؤلاء الذين اكتسحوا الارصفة من البيع، لكي لا تقطع ارزاقهم فهذا امر مفهوم، لكن أن يتحول الرصيف والسوق البغدادي إلى فوضى وصراخ بمكبرات الصوت، فهو ما لم تعرفه بغداد من قبل.. وعليكم ان توقفوا هذه الظاهرة.


اضف تعليق