q
آراء وافكار - مقالات الكتاب

أفلا تستحون؟

مقارنة لأعداد المليارديرية مع الفقراء

لم أجد عنواناً أكثر تعبيراً عن أرقام الفقر والجوع والأمية التي أطلعت عليها مؤخراً في العراق، ومما زاد في أحباطي وغضبي هو ذلك البؤس المركّز في جنوب العراق وكأن الله فرض على جنوبيي العراق البؤس والشقاء حتى في ظل من أدّعوا زوراً أنهم جائوا لينصفوهم من عصور الحرمان والظلم والجوع...

لم أجد عنواناً أكثر تعبيراً عن أرقام الفقر والجوع والأمية التي أطلعت عليها مؤخراً في العراق. ومما زاد في أحباطي وغضبي هو ذلك البؤس المركّز في جنوب العراق وكأن الله فرض على جنوبيي العراق البؤس والشقاء حتى في ظل من أدّعوا زوراً أنهم جائوا لينصفوهم من عصور الحرمان والظلم والجوع. كل الأرقام التي سأوردها من مصادر رسمية عراقية أو دولية يصعب التشكيك في مصداقيتها.

فبحسب مؤشرات وزارة التخطيط ووكالات الأمم المتحدة تصل نسبة العراقيين الذين يعيشون دون مستوى خط الفقر(1.25 دولار يومياً) الى حوالي 30 بالمئة سنة 2022، هذه النسبة ستقفز أكثر أذا حسبنا سعر الدولار بالسعر المتداول وليس الرسمي.

بمعنى أن 12-15 مليون عراقي يعيشون تحت خط الفقر في بلد بلغ ناتجه الأجمالي المحلي 265 مليار دولار وبمتوسط دخل سنوي للفرد العراقي يصل الى 6300 دولار بعد أن كان الناتج الأجمالي للعراق حوالي 22 مليار دولار فقط وبمتوسط دخل 1000 دولار سنوي للفرد الواحد!

أي أنه على الرغم من نمو ناتج العراق أكثر من 12 مرة خلال السنوات الأخيرة لكن ذلك لم ينعكس على المستوى الفعلي (وليس الرقمي) لدخل الفرد، فلو كانت هناك عدالة مطلقة في توزيع الدخل (وهذا أفتراض فقط) فأن نصيب الفرد العراقي سيكون أكثر من 17 دولار يومياً وليس دولار وربع فقط! والأدهى والأنكى أن أعلى ثلاث محافظات عراقية في نسبة الفقر وبمعدل حوالي 50 بالمئة لكل منها هي المثنى، والديوانية وواسط!

في ظل هذه الأرقام المرعبة كان لا بد أن ترتفع مؤشرات سلبية أخرى أهمها الجوع. فطبقاً لبرنامج الغذاء العالمي هناك 1.2 مليون عراقي يعانون من الجوع حيث حل العراق بالمرتبة 66 من بين 121 دولة على مؤشر الجوع العالمي.

أي أنه في الوقت الذي يبلغ مستوى دخل العراق المرتبة 48 من بين كل دول العالم، فأنه ينخفض 18 مرتبة في درجة جوع أبناءه! ولا تبدو هناك حاجة للتساؤل عن هذا الفرق بين الرقمين فالفساد وسوء الأدارة هما المسؤولان بالتأكيد عن تلك المليارات المهدورة والمسروقة من أموال العراق والتي تركت أبناءه نهباً للجوع والعازة.

هنا أشير الى رقم صادم آخر نشره موقع مركز الأبحاث الفرنسي عن العراق CFRI في بداية هذه السنة حيث أشار الى أن عدد مليارديرية (من يملكون مليار دولار وليس دينار فأكثر) في العراق يقدر بحوالي 36 ملياردير وهو أكثر بكثير من عددهم في كثير من دول غنية في الخليج العربي وأوربا وآسيا.

وحتى لو أفترضنا وجود مبالغة في هذا العدد فأن وجود أعداد من اصحاب البلايين في العراق خلال فترة وجيزة بات ملحوظاً جداً ويفسر هذه الفجوة بين دخل العراق وبين توزيع الثروة فيه.

هذه الأرقام تركت 10 بالمئة من أطفال العراق دون سن الخامسة يعانون من نقص التغذية (الحاد وليس البسيط). كما أن واحد من كل خمسة أطفال عراقيين دون الخامسة يعاني من التقزم!! لذا لم يكن مستغرباً أرتفاع معدلات الأمية بين أطفال العراق مؤخراً حيث بينّت الدراسات أن أكثر الذين لا يلتحقون بالدراسة أنما يفعلون ذلك لكي يعملوا ويساعدوا في أعالة أسرهم.

وبحسب آخر مرة نشرت فيها أرقام الأمية في العراق فأن حوالي ربع سكان العراق بين 15-45 سنة هم أميون! وأن حوالي نصف أطفال العراق ممن هم في سن الثانوية لم يلتحقوا بالمدارس. ومرة أخرى يطل علينا جنوب العراق بأرقامه القياسية السلبية.

فواسط تعاني من أعلى نسبة أمية (42 بالمئة)، تليها المثنى 34 بالمئة ثم ميسان 31 بالمئة ثم نينوى 28 بالمئة! أجمالاً فأن 10بالمئة من شباب العراق بين 15-18 سنة هم أميون. لاحظوا أننا نتكلم هنا عن الأمية التقليدية.

أما أذا أدخلنا مؤشرات أخرى للأمية كأستخدام الحاسوب وسواها من المهارات التي باتت ضرورية للحياة فأننا أمام كارثة حقيقية لمستقبل العراق. أخيراً فقد تعمدت نشر بعض الأرقام عن الفقر والجوع والأمية وتجنبت أرقام مفزعة أخرى عن سوء الخدمات وبخاصة في مجالات الصحة والكهرباء والمياه والصرف الصحي لأن المجال لا يتسع لذكرها جميعاً. في ظل هذه الأرقام فأن من يحكمون…فعلاً لا يستحون، بخاصة من يدّعون أنهم بأسم الفقراء يحكمون، وأنهم على نصرهم قادرون.

.....................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق