ان دستور جمهورية العراق قد اخذ بالنظام الفيدرالي (اللامركزية السياسية) اضافة لاخذه بنظام اللامركزية الادارية بالنسبة للمحافظات غير المنتظمة باقليم، وقدر تعلق الامر بالنظام الفيدرالي قسم الدستور مستويات الحكم على مستويين اتحادي واقليمي، ومن الثابت ان من اهم مبادىء الفيدرالية هو الاستقلال القضائي للاقاليم...

اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها بالعدد (232 وموحداتها 239 و248 و253/اتحادية /2023) في 30/5/2023 والمتضمن الحكم بعدم دستورية قانون استمرار الدورة الخامسة لبرلمان كوردستان – العراق رقم (12) لسنة 2022 الصادر عن برلمان كوردستان –العراق في جلسته الاعتيادية رقم (11) في 9/10/2022 المتضمن تمديد عمل برلمان الاقليم لسنة اضافية دون اجراء انتخابات نيابية، واعتبار مدة الدورة الخامسة لبرلمان الاقليم منتهية بانتهاء المدة القانونية المحددة لها بموجب المادة (51) من القانون رقم (1) لسنة 1992 المعدلة،واعتبار كل ماصدر من برلمان الاقليم بعد تلك المدة القانونية باطلاً من الناحية الدستورية استناداً لاحكام المادة (13/ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2003، والحقيقة ان هذا القرار يثير شهية الباحث المتخصص ويفتح قريحته لانه تطرق الى بعض المواضيع التي اخفق دستور جمهورية العراق في تنظيمها، لذا سنحاول العرض والتعليق على القرار المذكور حيثما وجدنا ضرورة لذلك كون القرار طويل نسبياً ويقع في (20) صفحة:

1. تعدد مستويات الحكم في النظام الفيدرالي: من المعروف ان دستور جمهورية العراق قد اخذ بالنظام الفيدرالي (اللامركزية السياسية) اضافة لاخذه بنظام اللامركزية الادارية بالنسبة للمحافظات غير المنتظمة باقليم، وقدر تعلق الامر بالنظام الفيدرالي قسم الدستور مستويات الحكم على مستويين اتحادي واقليمي، ومن الثابت ان من اهم مبادىء الفيدرالية هو الاستقلال القضائي للاقاليم او الكانتونات او الولايات اي كانت تسميتها، والاستقلال القضائي للاقاليم لانعني به مبدأ استقلال القضاء وهو مبدأ دستوري معروف .

استقلال قضائي

فالاستقلال القضائي للاقاليم يعني وجود قضاء مستقل من حيث التشكيل والاختصاص لكل اقليم ضمن مستوى النظام الفيدرالي، اضافة لوجود قضاء اتحادي له تشكيلاته واختصاصاته، ولكن السؤال الاهم هل يخضع القضاء الاقليمي لرقابة وتعقيب القضاء الاتحادي ؟ هذا السؤال لم يجب عليه دستور جمهورية العراق لسنة 2005، فالمادة (89) من دستور جمهورية العراق حددت مكونات السلطة القضائية على سبيل الحصر وبضمنها المحكمة الاتحادية العليا ولكن الدستور لم يحدد ان كان للقضاء الدستوري الاتحادي ولاية النظر في دستورية التشريعات الاقليمية بالرغم من المادة (4/ثامناً/ب) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 المعدل بالقانون رقم (25) لسنة 2021 اعطى للمحكمة اختصاص الفصل في تنازع الاختصاص بين الهيئات القضائية للاقاليم او المحافظات غير المنتظمة باقليم، ومن ناحية اخرى سمح الدستور في المادة (121/اولاً) منه للاقاليم ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذيه والقضائية وفقاً لاحكام هذا الدستور باستثناء ماورد فيه من اختصاصات حصرية للحكومة الاتحادية، ووفقاً لهذا النص فأن للاقاليم استقلال قضائي ويتولى الاقليم وضع تشكيلات واختصاصات السلطة القضائية في الاقليم بما في ذلك انشاء محكمة دستورية في الاقليم للرقابة على مدى مطابقة تشريعات الاقليم لدستور الاقليم ودستور جمهورية العراق لسنة 2005، ولم نجد اي نص يخضع القضاء الاقليمي لرقابة القضاء الاتحادي ويتيح له النظر بدستورية تشريعات الاقليم، وان كان ذلك ممكنا من وجهة نظرنا في حالة واحدة وهي مخالفة تشريعات الاقليم للدستور الاتحادي، حيث نرى بالامكان الطعن به امام المحكمة الاتحادية العليا في حال عدم وجود محكمة دستورية في الاقليم كما هو الحال في الوقت الحاضر او في حال ردت المحكمة الدستورية للاقليم مثل هذا الطعن فبالامكان اللجوء الى المحكمة الاتحادية العليا .

محكمة دستورية

ان عدم تشريع دستور لاقليم كردستان وعدم تشريع قانون للمحكمة الدستورية في الاقليم، هو الذي اتاح للمحكمة الاتحادية العليا التدخل وقبول الطعن بعدم دستورية تشريع اقليمي لعدم وجود نص في الدستور او قانون المحكمة يعطي لها مثل هذا الاختصاص وان اختصاص المحكمة في نظر دستورية القوانين والانظمة النافذه وان ورد مطلقاً دون تحديده بالقوانين الاتحادية، الى ان تفسير النصوص في اطار وحدتها الموضوعية يشير الى ان النص ينصرف الى القوانين والانظمة الاتحادية دون الاقليمية وهذا امر تقتضيه طبيعه النظام الاتحادي وتقسيم مستويات الحكم الذي اخفق الدستور في تنظيمه بشكل دقيق .

2. تغليب مبدأ دورية الانتخابات على مبدأ استمرارية المرافق او المؤسسات الدستورية: من الدفوع الموضوعية التي قدمها وكيل المدعى عليه الاول ( رئيس برلمان اقليم كوردستان العراق – اضافة لوظيفته ) لتبرير اصدار تشريع يمدد عمل البرلمان خارج المدة المحددة في نصوص القانون هو تلافي حصول فراغ قانوني ودستوري بسبب انتهاء مدة عمل البرلمان وعدم امكانية اجراء انتخابات الدورة السادسة لتعطل عمل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لانتهاء مدة دورتها القانونية وان مبدأ استمرارية المؤسسات الدستورية ومصلحة المواطنين هو الذي دفع برلمان الاقليم لتمديد مدة عمله لضمان عدم وجود فراغ في السلطة، الا ان المحكمة الاتحادية العليا قد غلبت مبدأ دورية الانتخابات على مبدأ استمرارية المؤسسات الدستورية في الاقليم، حيث افاض القرار في شرح مبادىء الديمقراطية الواردة في دستور جمهورية العراق لسنة 2005 وخصوصاً المتعلقة بالحقوق والحريات السياسية كالانتخاب والترشيح والتمثيل النيابي وحرية المشاركة السياسية …الخ من المبادىء والتي استند اليها في تسبيب عدم دستورية قانون اصدره برلمان اقليم كوردستان العراق لان هذا التعديل قد مدد عمل هيئة تمثيلية منخبة خارج حدود المدة المحددة في قانون برلمان كردستان – العراق رقم (1) لسنة 1992 المعدل ولكونه مخالف لمبدأ دورية الانتخابات المنصوص عليه في المادة (56/1) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، حيث جاء في حيثيات القرار ).

حق انتخاب

ان تشريع القانون المذكور يسلب او يؤجل حق الانتخاب والترشيح لابناء اقليم كردستان الناشىء عن المادة (51) من قانون برلمان كوردستان العراق رقم (1) لسنة 1992 المعدل التي نصت على ان : ( مدة المجلس اربع سنوات تبدأ من اول جلسة له وتنتهي بانتهاء اخر جلسة في السنة الرابعه ) ويعد تجاوزاً على المبدأ الذي اكدته المحكمة الاتحادية العليا المتضمن تعارض التمديد للمجالس المنتخبة مع مبادىء الديمقراطية والحقوق السياسية وذدلك بقراراها المرقم (117/اتحادية /2019) …)، كما ورد في موقع اخر من القرار ما نصه ( … وتطبيقاً لمبدأ دورية الانتخابات فقد نصت المادة (56/اولاً) من الدستور على ان : ( تكون مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب اربع سنوات تقويمية، تبدأ باول جلسه له وتنتهي بنهاية السنه الرابعه ) واستناداً لذلك فأن امتداد الدورة الانتخابية لاكثر من اربعه سنوات تقويمية يجعل من ذلك الامتداد مخالف لاحكام المادة المذكورة انفآ، اذ ان مصلحة الشـــــعب تتحقق باجراء الانتخابات عند انتهاء مدتها الدستورية، وبخلاف ذلك يعني حرمانه من ممارسة حقوقه الدستـــورية ويجب عدم مخالفة احكام المادة (56/اولاً) من الدستور بالنسبة لانتخاب برلمان الاقليم او لانتخابات مجلس المحافظات، اذ يعد باطلاً كل نص يرد في دساتير الاقاليم او اي نص قانوني اخر يتعارض مع احكام الدستور بوصفه القانون الاسمى والاعلى في العراق ويكون ملزما في انحائه كافة وبدون استثناء استناداً لاحكام المادة (13/اولاً/ثانياً) من الدستور …)، مما تقدم فأن سبب عدم دستورية قانون تمديد عمل برلمان الاقليم هو مخالفته لنص المادة (56/اولاً) من الدستور، ولاعبرة بعد ذلك بالدفوع المقدمة من وكيل المدعى عليه الاول بعدم اختصاص المحكمة الاتحادية العليا للنظر بمدى مخالفة قانون عادي لقانون عادي اخر وخصوصاً اذا كان كان صادرا من نفس السلطة، ذلك ان المحكمة الاتحادية العليا لم تراقب مدى انطباق قانون تمديد عمل برلمان الاقليم لقانون برلمان الاقليم وانما راقبت خرق قانون تمديد عمل الاقليم للدستور .

3. حالة الضرورة : دفع وكيل المدعى عليه الاول بان سبب تشريع قانون تمديد عمل برلمان الاقليم يتجسد في حالة الضرورة لان برلمان الاقليم وجد نفسه امام مشكلة عدم توصل الكتل السياسية الى اتفاق بخصوص قانون الانتخابات وتفعيل المفوضية العليا للانتخابات الامر الذي سيؤدي الى فراغ دستوري وقانوني، والحقيقية ان دستور جمهورية العراق لم يأخذ بحالة الضرورة بمفهوهما الدستوري والتي تستوجب وجود ظرف شاذ يبرر الخروج على قواعد المشروعية من قبل الحكومة لممارسة سلطات استثنائية بهدف الحفاظ على الامن وتفادي الاخطار الداهمة في فترات معينة كالحروب والكوارث او حالات التمرد او الثورة او الاضراب العام يمنع البرلمان من الانعقاد وعندها تمارس السلطة التنفيذية سلطات واسعه تتحلل من قواعد المشروعية العادية ولها ان تصدر او توقف او تعدل او تلغي قوانين بموجب ما يعرف بلوائح الضرورة وهذه لم ياخذ بها الدستور الحالي، وبذلك فأن حالة الضرورة لاتنطبق على مبررات تشريع قانون تمديد عمل الاقليم لعدم تحقق حالات الضرورة، وحتى حالة الطوارىء التي اخذ بها دستور جمهورية العراق لسنة 2005 في المادة (61/ تاسعاً) منه لايمكن الركون اليها كمبرر لتمديد عمل البرلمان لعدم انطباقها عليها، وحيث ان المحكمة الاتحادية العليا قد توصلت الى ان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات هي المسؤولة عن اصدار الانظمة والتعليمات الخاصة بالانتخابات عموماً الاتحادية والاقليمية والمحلية اذ جاء في حيثيات قرارها ( … وبذلك فأن الذي يقوم بوضع الانظمة والتعليمات لجميع الانتخابات والاستفتاءات سواء كانت اتحادية او اقليمية او محلية وفي جميع انحاء العراق هي المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وتقوم هيئة الاقليم للانتخابات بالتنسيق والتعاون مع المكتب الوطني بمهام الادارة والتنظيم والاتخابات بالاقليم تحت اشراف المفوضية العليا المستقلة للانتخابات …) الا ان المحكمة اكتفت بالاستيضاح عن دور ومهام المفوضية دون بيان اسباب عدم قيام المفوضية بمهامها اتجاه الانتخابات الاقليمية لبرلمان الاقليم طالما ان الدورة البرلمانية قد انتهت في الاقليم، كما يلاحظ ان المادة (1) الفقرة (اولاً) من قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات رقم (31) لسنة 2019 نصت على قيام المفوضية بالاعلان والتنظيم والتنفيذ لكافة الانتخابات والاستفتاءات الاتحادية والمحلية دون الاشارة الى الاقليمية، اما على مستوى الانتخابات والاستفتاءات الاقليمية فيقتصر دور المفوضية على الاشراف فقط دون الاعلان والتنظيم والتنفيذ وهذا ما اشارات اليه الفقرة (ثالثاً) من المادة (1) من قانون المفوضية من خلال التعاون والتنسيق، وهذا معناه ان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وان كانت تضع الانظمة والتعليمات للانتخابات والاستفتاءات الاتحادية والاقليمية والمحلية كافة الا انها لاتنظم وتنفذ هذه الانتخابات على مستوى الاقاليم وانما تخضع العملية الانتخابية لاشرافها ولم يبين القانون حدود هذا الاشراف، رغم وجود مكاتب انتخابية للمفوضية في الاقليم .

4. الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذه والمطبقه على المدعي : ان الرقابة على دستورية القوانين والانظمة في ظل دستور جمهورية العراق لسنة 2005 تتم مركزياً من قبل هيئة قضائية مستقلة ( المحكمة الاتحادية العليا) وهي رقابة لاحقة على صدور القانون والنظام بمعنى اخر ان المحكمة الاتحادية العليا لا تراقب دستورية مشاريع القوانين والانظمة كما هو الحال مع المجلس الدستوري الفرنسي الذ يختص بنظر دستورية مشاريع القوانين قبل صدورها ماعدا حالات معينة يجيز له القانون الرقابة اللاحقه، واختصاص المحكمة الاتحادية العليا في الرقابة اللاحقة على دستورية القوانين والانظمة مستفاد من المادة (93) الفقرة (اولاً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والمادة (4/ اولاً) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) لسنة 2005 المعدل التي حددت اختصاصات المحكمة ومنها الرقابة على دستورية القوانين والانظمة النافذه، بمعنى ان رقابة الدستورية لايمكن ان تتحرك وتتصل المحكمة بدعوى دستورية قانون الا بعد صدوره وصيرورته نافذاً، كما اشترطت المادة (20/ثانياً) من النظام الداخلي للمحكمة رقم (1) لسنة 2022 ان يكون النص المطعون فيه قد طبق فعلاً على المدعي، وبالرجوع الى حيثيات القرار محل التعليق نلاحظ ان المدعى عليه الثاني ( رئيس مجلس نواب الاقليم – اضافة لوظيفته) قد ابدى دفعاً مفاده ان قانون تمديد عمل برلمان الاقليم لم يكن نافذاً وقت الطعن به وبالتالي يخرج من اختصاص المحكمة حيث جاء بحيثيات القرار ( … وان طعن المدعية في الدعوى (233/ اتحادية /2022) قد ورد على غير محل حيث انها بادرت الى الطعن بقانون لم يكن صادراً من الناحية الشكلية ولم يكن نافذاً في حينها، اذ تم التصويت عليه بتاريخ 9/10/2022 وحصل الطعن بتاريخ 12/10/2022 في الوقت الذ يوجب فيه قانون رئاسة الاقليم رقم (1) لسنة 2005 المعدل بالمادة (العاشرة /اولاً) منه على رئيس الاقليم اصدار القانون خلال خمسه عشر يوما من تاريخ سنه من قبل البرلمان وفي حال الاعتراض عليه ينبغي اعادته الى البرلمان ثانياً ويكون قرار البرلمان بشأن ذلك نهائياً، اضافة لذلك ان ان القانون لم ينشر بعد في الجريدة الرسمية (وقائع كردستان) كما توجب ذلك المادة (الثالثة) من قانون النشر في الجريدة الرسمية (وقائع كردستان) رقم (4) لسنة 1999 ومعلوم ان القانون لايكون نافذاً الاباتباع اجراءين بعد سنه من قبل البرلمان هما الاصدار والنشر، اضافة الى ان هذا القانون لم يكن نافذاً ولم يطبق لا على المدعية ولا على غيرها …)، وبالرجوع الى الفقرة الحكمية في قرار المحكمة الموقرة نلاحظ انها لم تفند هذا الدفع او تجيب عليه ضمنياً في معرض تسبيبها لقرار الحكم للوقوف على رأي وتوجه المحكمة بهذا الخصوص، الا انه يمكن القول وفقا لوجهة نظرنا ان المحكمة الاتحادية العليا سبق وان ذهبت بموجب قرارها المرقم (237/اتحادية / 2022) في 20/12/2022 الى عدم امتلاك رئيس الجمهورية لحق الاعتراض التوقيفي للتشريعات، وان عمليه النشر ليست جزءا من العملية التشريعية وانما هي اجراء تنفيذي لاحق لتمام صدور التشريع وان رئيس الجمهوريه ملزم بالنشر حتى لو لو لم يصادق على القانون، بمعنى اخر ان المحكمة وفقاً لهذا القرار لاتعتبر الاصدار والنشر ضمن العملية التشريعية وبالتالي فأن القانون يعد صادراً بمجرد اقراره من قبل البرلمان وان عملية الاصدار والنشر عمل مادي تنفيذي ولهذا ردت الدعوى عن المدعى عليه الثاني ( رئيس الاقليم – اضافة لوظيفته) لعدم توجه الخصومة باعباره ليس طرفاً في العملية التشريعية، اما موضوع نفاذ القانون كشرط لقبول الطعن بعدم دستورية القانون فلم يوضح القرار في حيثياته مبررات قبول الطعن ربما لدخول القانون حيز النفاذ بعد الطعن و قبل الفصل في الدعوى، واذا صحت هذه الفرضية فكان امام المحكمة احد الخيارين اما رد الطعن ابتداً او استئخار النظر بالدعوى وعدم الدخول باساسها لحين دخول القانون المطعون فيه حيز النفاذ لتسهيل اجراءات التقاضي هذا من جانب، ومن جانب اخر نجد ان المحكمة الاتحادية العليا ذهبت في قرارها المرقم (212/اتحادية/2022) في 23/11/2022 الى ان احكام القانون تسري بشكل مباشر وحال وفوري بمجرد نفاذه وذلك عن طريق النشر مالم ينص على خلاف ذلك استناداً للمادة (129) من الدستور، كما ان الصالح العام يكون متحققاً عبر النفاذ الفوري للقانون، حيث جاء في حيثيات القرار ( …وبذلك يكون الصالح العام متحققاً عبر النفاذ الفوري للقانون الجديد مع الاشارة الى وجود بعض الاستثناءات التي ترد على قاعدة الاثر الفوري للقانون، اذ نصت المادة (10) من القانون المدني رقم (40) لسنة 1951 المعدل على ( لايعمل بالقانون الا من وقت صيرورته نافذاً فلا يسري على ما سبق من الوقائع الا اذا وجد نص في القانون الجديد يقضي بغير ذلك او كان القانون متعلقاً بالنظام العام او الاداب )…) .

5. بطلان اعمال برلمان الاقليم باثر رجعي : تضمن القرار اعتبار كل ما صدر عن برلمان الاقليم خلال مدة التمديد باطلاً من الناحية الدستورية استناداً لاحكام المادة (13/ثانياً) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وهذا معناه ان الحكم بعدم الدستورية للقانون الذي يسمح لبرلمان الاقليم بالعمل وما صدرعن البرلمان ملغى باثر رجعي وهذا يعد تطبيقاً لنص المادة (37) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2022 التي جاء فيها ( يسري اثر الحكم الصادر من المحكمة في غير النصوص الجزائية من تاريخ صدوره الا اذا نص الحكم على خلاف ذلك )، والحقيقة ان هذا النص جاء لمعالجة الاغفال التشريعي الذي لم يحدد النطاق الزمني لسريان قرارات المحكمة الاتحادية العليا وقرر الاثر الفوري للسريان باستثناء بعض الحالات، الا اننا نرى ان هذا النص محل مناقشة ونستند في ذلك الى الى ان الكثير من النظريات المعتمدة لدى القضاء الدستوري المعاصر تم نقلها وتوظيفها من القضاء الاداري كالتعسف في استخدام السلطة التشريعية والامتناع التشريعي ورقابه التصدي وكان بامكان مشرع النظام الاستعانة بنظرية الموظف الفعلي ونظرية استقرار الاوضاع القانونية من القضاء الاداري ليقرر التعويض عن الاضرار التي لحقت بمن طبق عليهم القوانين التي تقرر المحكمة الغاءها باثر رجعي، ومثل هذا الحكم ليس بغريب عن دساتيرنا حيث نصت المادة (86) من القانون الاساسي العراقي لسنة 1925 بان قرارات المحكمة العليا تسري من تاريخ صدور قرار المحكمة على ان تقوم الحكومة بتشريع يكفل ازالة الاضرار المتولدة من تطبيق الاحكام الملغاة …ومن الله التوفيق .

.....................................................................................................
* الاراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق