q
عندما يبلغ الإنسان أشدّهُ أي عندما يشتد عوده، فيصبح قويا، وعندما يبلغ الكلام أوْجهُ، يكون واضحا مفهوما قادرا على توصيل المعنى بأبسط وأوضح الصور الكتابية، وفي مقال للكاتبة أزهار عبد الغني تُعرّف البلاغة لغةً أنّها مصدر الفعل بَلُغَ، بمعنى: وَصَل، والبلاغة أيضًا حُسْن إيصال المعلومة أو الخبر باللفظ الواضح الدّال المُلائم لواقع الحال...

عندما يبلغ الإنسان أشدّهُ أي عندما يشتد عوده، فيصبح قويا، وعندما يبلغ الكلام أوْجهُ، يكون واضحا مفهوما قادرا على توصيل المعنى بأبسط وأوضح الصور الكتابية، وفي مقال للكاتبة أزهار عبد الغني تُعرّف البلاغة لغةً أنّها مصدر الفعل بَلُغَ، بمعنى: وَصَل، والبلاغة أيضًا حُسْن إيصال المعلومة أو الخبر باللفظ الواضح الدّال المُلائم لواقع الحال.

أمّا تعريف علم البلاغة اصطلاحًا هو الإتيان بالمعنى الجليل بوضوح وبعبارة فصيحة وصحيحة، تترك في النفس أثرًا مع مناسبة الكلام للمقام الذي يُقال فيه، وللأشخاص الذين يتلقون الكلام، والبلاغة من الفنون التي تستند على الاستعداد الفطري والقدرة على تمييز الجمال، وتمييز الفروق الدقيقة بين مختلف الأساليب، وللمرانة والممارسة دورٌ في ذلك.

وهذا يعني أهمية أن يكون القارئ أو المهتم على اطلاع مستمر بالفنون البلاغية، لذلك هناك كثير ممن يهوون البلاغة يُبحرون في فنون الشعر وأشكاله المختلفة، ويبحثون عن الصور البلاغية المدهشة التي تتشكل من خلالها الصور الشعرية، فتبرز معاني الكلام بأوضح صورها، وبحسب الغرض الشعري وقوته البلاغية.

فحين نقرأ للمتنبي أشعارا في الحكمة، سوف يتمكن القارئ المتمرس من التقاط الصور البلاغية العميقة، ويمكنه التعامل بفنية عالية مع هذا النوع من الأغراض الشعرية، ويكون لها تأثيرا عظيما في حياته وسلوكه، وهنالك الكثير ممن تأثروا بالصور البلاغية في الشعر أو في الأجناس الأدبية استطاعوا أن يستفيدوا من فن البلاغة باستحصال الجمال الأخلاقي والسلوكي في عموم حياتهم وتصرفاتهم، فانعكس ذلك على طبيعتهم الشخصية.

البراعة في فنون البلاغة

كذلك هنالك الكثير من المهتمين بعلم البلاغة وفنونها، أبحروا في أعماق القرآن الكريم، وعاشوا مع آياته الكريمة سنوات وسنوات لينتهوا إلى حصيلة كبيرة جعلتهم يتقنون فنون البلاغة، ويوظفونها في كتاباتهم، لاسيما إذا كانوا ممن يمتهنون الكلمة والكتابة في تحصيل أرزاقهم وإدامة حياتهم، وبعيدا عن الأرزاق، هنالك من برع في علم البلاغة وأحبها فأصبحت جزءا من حياته لا يستطيع أن يتخلى عنها، واستطاع من خلالها أن يتميز على أقرانه في فنون الإقناع والتقرّب وكسب التأييد والإعجاب من الآخرين.

وقد ورد تعريف علم البلاغة في صور شتّى على لسان العلماء، ومن ذلك تعريف ابن الأثير الذي رأى بأن مدار البلاغة كلها استدراج الخصم إلى الإذعان والتسليم؛ لأنّه لا انتفاع بإيراد الأفكار الرائقة، ولا المعاني اللطيفة دون أن تكون مستجلبة لبلوغ غرض المخاطب بها.

أمّا تعريف علم البلاغة لدى ابن المقفع فهو اسم لمعانٍ تجري في وجوه كثيرة، فمنها ما يكون في السكوت، ومنها ما يكون في الاستمتاع، ومنها ما يكون في الإشارة، ومنها ما يكون شعرًا، وعامّة هذه الأبواب الوحي فيها والإشارة إلى المعنى.

وتؤكد الكاتبة أزهار عبد الغني في مقالها قائلة: إنّ خلاصة ما جاء في التعريف أن البلاغة علم جمالي يُعنى بمطابقة الكلام لمقتضى الحال، وعناصر البلاغة اللفظ والمعنى وتأليف الألفاظ الذي يمنح الجمل قوة وتأثيرًا، إلى جانب الدقة في انتقاء الكلمات بحسب مواضع الكلام وحال السامعين وميولهم النفسي.

أهمية الإلمام بفن البلاغة

وعن قيمة علم البلاغة تقول الكاتبة، هناك من جعل لدراسة علم البلاغة والتدقيق في أبوابها شأنًا عظيمًا يُمكّن الدارس من تمييز الغث من السمين من العبارات والجمل الأدبية، وهناك من قلّل من قيمة علم البلاغة حيث عدّه بعض الباحثين من العلوم الجمالية التي تُدرس من باب الاستزادة في المعرفة، وبصرف النظر عن الاختلاف فإن لعلوم البلاغة أهمية واضحة، فعلم البيان يُمكّن الدارس من صياغة الألفاظ في قوالب متعدّدة، والإفصاح عن أفكاره في ألفاظ واضحة. أمّا علم المعاني فإن دراسته تُعين الإنسان على معرفة مطابقة الكلام لواقع الحال، ومناسبة المقال للمقام الذي قيل فيه.

وفي كل الأحوال لابد للمهتم بالكتابة الإبداعية أو سواها، أن يكون ملمّا بفنون البلاغة، لأنه بذلك يكون قادرا على استخدام اللغة المناسبة لتوصيل أفكاره المختلفة إلى القراء، ويوما بعد آخر تتوافر لديه الثروة اللغوية التي تمكنه من الكتابة بوضوح وبساطة وعمق عال، من خلال إتقانه لعلم البلاغة الذي يعينه على انتقاء المفردات، ويجعله قادرا على صياغة الأفكار بأقلّ الكلمات وأكثرها توصيلا وتأثيرا وعمقا.

علم البلاغة بالنتيجة يعد من المقومات الأساسية للكاتب، وحتى القارئ غالبا ما يكون بحاجة إلى علم البلاغة حتى يمكنه الاستفادة مما يقرأ والتمييز بين الفنون الكتابية على أساس بلاغي يمكن تحصيله من التعمق في علم البلاغة، وبالتالي القدرة على استخلاص المنافع المختلفة التي يمكن العثور عليها في النصوص الكتابية بعيدا عن الصعوبات التي يتعرض لها من لا يتقن التعامل مع الفنون البلاغية العميقة.

اضف تعليق