اسم علي بن ابي طالب اقترن بمنهاج الحق لأنه رفض التنازل عنه امام رغبات دنيوية او مصالح ضيقة، رفض الاستسلام للباطل او مصالحة الفاسدين بل حاربهم حتى اخر رمق من حياته، كان يحترم الجميع ويحافظ على حقوقهم ولا يفرق بين فرد وآخر ويسعى جاهداً لتطبيق العدالة الاجتماعية وتوفير...
كان الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) يرفع لواء الحق في جميع الظروف التي مر بها او تعرض لها، ولم يتنازل عن نهج طريق الحق مهما كانت الصعاب والتعقيدات التي تقف امامه، لم يكن يسكت او يجامل او يداهن امام الباطل، وكان على استعدادٍ تام ان يدفع أغلى الكلف للثبات على هذا المبدأ الذي خطه الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه واله)، وسار عليه امير المؤمنين (عليه السلام) حتى يوم استشهاده، فهو المعروف كما قال النبي محمد (صلى الله عليه واله) بأن: "علي مع الحق والحق مع علي".
عندما وصل الحكم الى امير المؤمنين (عليه السلام)، كان نطاق الدولة الاسلامية مترامي الاطراف، واسع الحدود، يمتد من اواسط اسيا الى شمال افريقيا، عشرات الدول، بمفهومنا الحالي، ضمن الرقعة الجغرافية كانت كلها تحت حكم علي بن ابي طالب (عليه السلام)، فكيف تعامل مع هذه المسؤولية الكبيرة؟ هل تعامل بمفهوم الميكافيلية ام البراغماتية؟ وهل تخلى عن المبادئ من اجل كسب الحكم والبقاء فيه؟ ام تعامل مع مفهوم السلطة والحكم بطريقة اخرى؟
كان ميزان الحق لدى الامام علي (عليه السلام) هو المعيار الاساسي الذي طبقه على الجميع بلا استثناء، كيف لا وهو القائل: "ليكن امر الناس عندك في الحق سواء"، وكان يأخذ الحق من القوي إذا اخطى وينصر الضعيف حتى يسترد كامل حقوقه فيقول (عليه السلام): "الذليل عندي عزيز حتى اخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى اخذ الحق منه".
لم يكن يفرق بين الناس الا بالكفاءة والنزاهة والاخلاص، لم يكن هناك سبيل الى المحسوبية او الوساطة او الاقارب في ادارة الدولة وتوزيع الثروات وتولي المناصب، لأنه ببساطة يؤكد دائماً بأن "الحق لا يعرف بالرجال، ولكن يعرف الرجال بالحق"، وهو الذي يرى الناس "سواسية كأسنان المشط".
لأجل ذلك زاد اعداء علي بن ابي طالب (عليه السلام) من طلاب الدنيا ومناصبها وزخرفها، وما ترك له الحق من صديق او قريب الا اقل القليل، حتى حاربوه وناصبوه العداوة والبغضاء واثاروا الفتن بين المسلمين، وشقوا عصا الطاعة، ولم يسلم من شرهم وكيدهم الى ان قضى نحبه شهيداً في محراب صلاته، في شهر رمضان الكريم عند صلاة الفجر بعد عملية اغتيال دبرها اعداء نهج الحق الذي تحمل اعباءه حين سكت اهل الحق وتجرأ اهل الباطل فتوهم اهل الباطل انهم على حق.
لقد جسد امير المؤمنين (عليه السلام) الحق والعدل والمساواة في فترة حكمه، رغم قصرها، حتى تحولت "حكومة علي" مضرب الامثال ومدرسة تعلم الأجيال الطريقة الصالحة في الإدارة والحكم وحسن التصرف والوسطية في التعامل وحفظ الحريات والحقوق للمواطنين على منهاج الحق.
فهو المثال الحي الذي حول النظرية الإسلامية في الحكم الى حقيقة واقعية خدمة للإنسانية وتكريماً لها، او كما يقول الامام محمد الشيرازي (رحمه الله): "الإسلام بمعناه القرآني الذي طبقه الرسول (صلى الله عليه واله) وسار على نهجه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يهدف لإنقاذ الإنسان من براثن العبودية والظلم والجهل والاستغلال والفقر والمرض والجشع والفوضى.
لقد حارب السفهاء والفجار والمرتشين والفاسدين، وعزلهم عن مناصبهم التي حكموا بها رقاب العباد، كان يقول (عليه السلام): "ولكني أسى أن يلي أمر هذه الأمة سفهاؤها وفجارها، فيتخذوا مال الله دولاً وعبادة خولاً، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً"، لذلك سعى لإقامة دولة العدل الخالية من الظلم والتجبر والعنف والقسوة، دولة قائمة على الحق يتمتع فيها الجميع بالحرية والسلام والامن والرفاهية.
لقد ركز امير المؤمنين (عليه السلام) على مجموعة من الأولويات التي يمكن ان نفهم من خلالها طريقة الإدارة الناجحة وفق المفهوم الإسلامي والقرآني:
1. إدارة الحكم وفق مبدأ المساواة وتطبيق العدل وصون كرامة الانسان وإطلاق الحريات العامة وحفظ الحقوق الخاصة للمواطنين وعدم اللجوء الى العنف او التسلط او الاكراه.
2. عزل المفسدين وأصحاب المصالح والمنتفعين عن أي خدمة عامة، واستبدالهم وفق مقياس النزاهة والكفاءة والإخلاص في العمل.
3. الإدارة المثلى لموارد الدولة الإسلامية ومنع الهدر والترف والتبذير الذي تسبب بصعود طبقة فاحشة الثراء في مقابل طبقة أخرى مسحوقة من المواطنين الفقراء، وهم الاعم الاغلب، وقد شمل اهم قرارته إعادة توزيع الثروات العامة لتشمل الطبقات الأضعف.
4. لم يعامل أي شخص او جماعة وفق قناعات شخصية او غايات معينة، وانما كان المعيار الأبرز هو الحق والعدل والاحترام، حتى الأعداء والمناوئين له كان يعاملهم باحترام وحفظ لجميع حقوقهم ما داموا لم يتعرضوا للمصلحة العامة او يهددوا السلم والامن العام.
5. في أصعب الظروف لم يتنازل عن فعل الحق وقوله، ولم يخن او يغدر حتى بالد اعداءه، وعندما اعترض البعض على امير المؤمنين (عليه السلام) بالقول ان الكثير من الفرص ضاعت عليه، رفض الانصياع لرغبات الاخرين ومصالحهم الآنية من اجل بعض المكاسب الرخيصة التي زهد فيها.
لقد كان امير المؤمنين (عليه السلام) ولا زال الرجل الحق الذي جسد كل معاني الشرف والأخلاق والنزاهة والكفاءة والإخلاص في العمل، كان القائد المصلح الذي حارب المفسدين والمستبدين في زمانه، والمثال الاروع الذي يقتدي به الاخرون في محاربه الباطل والزيف والفساد والاستبداد وكل قيم التخلف.
ان اسم علي بن ابي طالب (عليه السلام) اقترن بمنهاج الحق لأنه رفض التنازل عنه امام رغبات دنيوية او مصالح ضيقة، رفض الاستسلام للباطل او مصالحة الفاسدين بل حاربهم حتى اخر رمق من حياته، كان يحترم الجميع ويحافظ على حقوقهم ولا يفرق بين فرد وآخر ويسعى جاهداً لتطبيق العدالة الاجتماعية وتوفير الرفاهية والامن والسلام للجميع.
اضف تعليق