q
ندعو المشرع العراقي الى ازالة التعارض من خلال دراسات اثر التشريع والاطلاع على التشريعات ذات العلاقة ومعالجة حالة الاغفال في القانون المذكور لمنع التداخل والتعارض بين القوانين ومنع الاحالة للسلطة التنفيذية لمعالجة مثل هذه الإغفالان لاحقاً بموجب تعليمات قد تتضمن احكام قاعدية لم ترد في القانون ذاته ...

اصدر مجلس النواب العراقي قانون تنظيم عمل المستشارين رقم (3) لسنة  2022 بهدف تنظيم عمل المستشارين في الرئاسات الثلاث (رئاسة مجلس النواب ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة الجمهورية) اضافة لتنظيم عمل هذه الفئة في الوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة من حيث طبيعة عملهم والمهام المكلفين بها واعدادهم وشروط تعيينهم، وان الهدف من هذا القانون كما ورد في الاسباب الموجبة هو رفع الاداء بالعمل وتلافي التداخل بين العمل الاستشاري والعمل التنفيذي، وحسم ملفات المستشارين المعينين وكالة، ولنا على هذا القانون الملاحظات الاتية:

اولا: اجازت المادة (1/اولا) من القانون المذكور للرئاسات الثلاث تعيين عدد من المستشارين يكون لكل مستشار مكتب خاص وبدرجه ( عليا آ) على ان لا يزيد عددهم عن (6) مستشارين يرتبطون مباشرة برئاسة الجهة المعينين فيها، والحقيقة ان هذا النص يتعارض مع الفصل السابع من النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 المعدل المواد (34-37) منه والتي تضمنت النص على وجود هيئة مستشارين يرأسها موظف بدرجة مستشار يعين وفق القانون ويرتبط برئيس مجلس الوزراء وتتولى الهيئة المذكورة وضع آلية اختيار المستشارين والشروط الواجب توفرها فيهم وتشكيلات الهيئة ومهامها.

فضلا عن تمتع الامين العام لمجلس الوزراء بحق تعيين مستشار أو أكثر من ذوي الخبرة والتخصص، يجري تعيينهم وفق القانون على ان تستحصل موافقه رئيس مجلس الوزراء عند تعيين اكثر من مستشار وهذا ما نصت عليه المادة (31/ خامسا) من النظام المذكور المعدل بالقانون رقم (1) لسنة 2021، وفي مثل هذه الحالة وفقا لقاعدة تدرج القواعد القانونية فأن القانون هو الواجب التطبيق باعتباره اعلى درجه من النظام في تدرج الهرم القانوني، كما ان هذا النص يتعارض مع قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة 2018.

حيث تضمنت المادة (47/ اولا) الفقرة (7) منه النص على وجود مكاتب مختصة للمستشارين ضمن تشكيلات وملاك المجلس، كما نصت المادة (50) منه على ان للمجلس عدد من المستشارين بمكاتب مختصة ضمن تشكيلات وملاك المجلس يكونون مسؤولين عن تقديم الرأي والمشورة للرئيس ونائبيه اي (هيئة الرئاسة) اضافة للجان النيابية والنواب وفق ضوابط يصدرها الرئيس بالتوافق مع نائبيه، كما يكون هؤلاء المستشارين مرتبطين بالرئيس ونائبيه ويكونون مسؤولين أمامهم وتحدد صلاحياتهم واختصاصاتهم ومهامهم بتعليمات يصدرها الرئيس بالتوافق مع نائبيه، ومن الثابت ان التعارض هو احد عيوب التشريع اذ يجب ان يكون واضع النص قد درس القوانين ذات العلاقة بموضوع التشريع قبل وضع النصوص لتلافي هذا التعارض.

ثانيا: نصت المادة (1/ثالثا) من القانون المذكور على تعيين المستشار في مجلس النواب بمرسوم جمهوري بناءا على موافقه مجلس النواب على توصيه رئاسة المجلس بتعيينه في حين نصت المادة (  50/ ثالثا) من قانون مجلس النواب وتشكيلاته رقم (13) لسنة  2018 على تعيين المستشارين بأمر نيابي وبموافقه المجلس بناءا على اقتراح من الرئيس بالتوافق مع نائبيه ويصدر مرسوم جمهوري بذلك.

وهنا ايضا نجد تعارض بين قانون تنظيم عمل المستشارين الذي اشترط موافقه مجلس على توصيه رئاسة المجلس بتعيين المستشارين واصدار مرسوم جمهوري تبعا لذلك دون ذكر اصدار امر نيابي، في حين ان قانون مجلس النواب وتشكيلاته الزم ان يكون اقتراح وتعيين المستشارين بتوافق من هيئة الرئاسة ومن ثم موافقه المجلس ويستتبع ذلك اصدار امر نيابي بذلك ومن ثم اصدار المرسوم الجمهوري، وهذا معناه ان صدور المرسوم الجمهوري كاشف للمراكز القانونية التي ترتبت بموجب الامر النيابي وليس منشأ لها.

مستشار مقترح

ثالثا: نصت المادة (1/رابعا) من القانون المذكور على تعيين المستشارين في رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء والوزارات والجهات غير المرتبطة بوزارة بمرسوم جمهوري بناءا على موافقة مجلس النواب على توصيه مجلس الوزراء بتعيين المستشار المقترح من رئاسة الجهة التي يعين عليها، في حين نلاحظ ان المادة ( 34/ ثانيا) من النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم (2) لسنة 2019 المعدل اشارت الى قيام هيئة المستشارين بوضع إليه اختيار المستشارين ويعينون باقتراح من رئيس الهيئة وموافقة رئيس مجلس الوزراء وفق القانون.

وأن عبارة وفق القانون معناها وجوب استحصال موافقه رئيس مجلس النواب استنادا للمادة (61/ خامسا/ب) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي اعطت لمجلس النواب صلاحية الموافقة على تعيين السفراء وأصحاب الدرجات الخاصة باقتراح من مجلس الوزراء، وهنا لا يمكن اعتبار هذا النص متعارضا مع قانون تنظيم عمل المستشارين رقم (3) لسنة 2022 اذا كان المستشارين من ذوي الدرجات الخاصة، الا انه يؤخذ على هذا القانون بأن مقترحات تعيين مستشاري رئاسة الجمهورية تتم بتوصية من مجلس الوزراء ايضا، وهذا امر غريب ان يناط ترشيح مستشاري رئيس الجمهورية بتوصية من مجلس الوزراء وليس بتوصية من رئاسة الجمهورية باعتبارها الجهة التي اقترحت تعيينهم.

رابعا: نصت المادة (1 / خامسا) من قانون تنظيم عمل المستشارين رقم (3) لسنة 2022 على الاعتراف بالمراكز القانونية للمستشارين المعينين قبل نفاذ هذا القانون شريطة صدور مرسوم جمهوري أو أمر نيابي أو ديواني مع مراعاة العدد المحدد بهذا القانون بما لا يزيد عن (6) مستشارين لكل هيئة رئاسية، الا انه يؤخذ على النص المذكور الاقرار بتعيين المستشارين الذين صدر بهم امر ديواني بالتعيين قبل نفاذ هذا القانون.

في حين ان تعيين المستشارين وفقا لقانون مجلس النواب وتشكيلاته والنظام الداخلي لمجلس الوزراء اشترط صدور مرسوم جمهوري بالتعيين بعد موافقه مجلس النواب، ويمكن القول أن هذا النص فيه تزيد من المشرع لان المستشار المعين وفق القانون والدستور قد اكتسب مركزا قانونيا بالطرق المشروعة، الا اذا اريد مد نطاق الاعتراف بالمستشارين الذين عينوا دون المرور بالآلية الدستورية المنصوص عليها في المادة ( 61/ خامسا/ ب ) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 والذين كلفوا بمهام المستشارين بأوامر ديوانية، وهذا نراه من وجهة نظرنا نوعا من التصحيح التشريعي.

وكما معروف ان التصحيح التشريعي هو الاجراء الذي بواسطته يستطيع المشرع ان يعيد القرار الاداري المعيب سريانه ومكانه في النظام القانوني أما بمنع القاضي من الغاءه أو باللباسة ثوبا من المشروعية، اذا كان قد تم الغاءه، فالتصحيح التشريعي هو تدخل من جانب المشرع بعد صدور قرارات ادارية يقرر المشرع بموجبها سريان هذه القرارات واثارها من خلال اعطائها ثوب من المشروعية بأثر رجعي من تاريخ صدورها لتحصينها من الرقابة القضائية، وهذا يعد نوعا من أشكال الاجازة التشريعية للقرار الصادر بالتعيين بشكل معيب لصدوره خلاف القانون والدستور، ومن المعروف اذا كان التصحيح التشريعي يهدف الى صيانه الحقوق والمراكز القانونية المكتسبة فأن ذلك يعد مسوغا للجوء البرلمان لإصداره وفقا لمبدأ سيادة البرلمان على العمل التشريعي، وهنا يتم النظر للعمل التشريعي على محمل الواقعية اكثر من محمل النظرة القانونية لضمان الحقوق والمراكز القانونية المكتسبة، باعتبار ان هذا التصحيح جاء لتعديل سياسات الحكومة وفي ذلك يقول الفقيه ( capitant) بأنه ( اذا تطلب الامر ان يفصل المشرع في مسائل قانونية لا يجب ان ننسى انها تخفي مشكله سياسية، ولكن يجب علينا كمشرع ان نعيد وضعها بإطارها السياسية).

خامسا: نصت المادة (2) من قانون تنظيم عمل المستشارين على جمله من الشروط الواجب توفرها في المستشار ومنها شرط الخدمة الفعلية والخبرة في مجال التخصص مدة لا تقل عن (15) سنة للحاصل على شهادة الدكتوراه و(18) سنه للحاصل على شهادة الماجستير و(20) سنة للحامل على شهادة البكالوريوس، الا ان المشرع عاد وأعطى لفئات معينه امتيازا خاصا وهم فئتي (الوزير، درجه وزير)  عندما نص على ان تكون الاولوية في التعيين لمن شغل منصب وزير أو درجه وزير ومثل هذا الشرط يعد خرق لمبدأ المساواة الذي كفله الدستور من جانب، ومن جانب اخر ان الوزراء وشاغلي درجة الوزير عادة ما يتقلدون مناصبهم لا عبارات الولاءات السياسية والاستحقاقات الانتخابية وفي الغالب ليسوا من ذوي الخبرة او التدرج الوظيفي مالم يكونوا هم في الوظيفة العامة اصلاً، وان اعطاء مثل هذه الأولوية يخل بمبدأ المساواة في تولي الوظائف العامة وتكريس للمحاصصة الحزبية في مؤسسات الدولة.

سادسا: اشارت المادة (3) من قانون تنظيم عمل المستشارين الى مهام المستشارين وقد لاحظنا وجود تكرار لبعض المهام في الفقرتين (ثانيا) و (خامسا) فيما يتعلق بتحسين أساليب العمل وزيادة كفاءته ومن المؤكد ان استحداث وسائل جديدة للعمل من شأنها تطوير العمل ومعالجة معوقاته، ولاشك ان التكرار احد عيوب التشريع كان على المشرع تفاديه.

تنظيم عمل

سابعا: الزم قانون تنظيم عمل المستشارين في المادة (4/ اولا) منه أداء مهامهم لمدة لا تزيد عن (6) اشهر وكالة من تاريخ التعيين والزمت جهة التعيين تقديم التوصية الى مجلس النواب خلال (3) اشهر من تاريخ التعيين، والزمت مجلس النواب البت بالتوصية خلال (3) اشهر من تاريخ التعيين، الا ان المشرع أغفل معالجة حالة عدم بت مجلس النواب بالتوصية خلال المدة المذكورة ولم يبين مصير المستشارين المعينين وكالة وقد مضت علي تعيينهم مدة الـ (6) اشهر دون موافقه البرلمان على توصيه التعيين.

ثامنا: اشارت المادة ( / ثالثا) من قانون عمل المستشارين الى تخيير من شغل وظيفه مستشار وكالة لمدة لا تقل عن (5) سنوات قبل نفاذ هذا القانون ولم تقم الجهة المعنية بتقديم التوصية بتعيينه أو لم تتم موافقه مجلس النواب على تعيينه بين الاحالة على التقاعد بدرجه (مدير عام) وفق قانون التقاعد الموحد أو العودة لوظيفته السابقة على التعيين بوظيفة مستشار واحتساب مدة عمله خدمه فعليه لكافة الأغراض، والحقيقة ان مثل هذا الحكم يمكن تطبيقه لو كان المستشار المعين وكالة لمدة خمس سنوات لديه خدمة فعليه تؤهله للإحالة على التقاعد وفقا لقانون التقاعد الموحد، فإذا لم يكن لديه خدمه تؤهله للإحالة على التقاعد فيفترض إعادته لوظيفته السابقة وفق العنوان والدرجة الوظيفية التي يستحقها وفقا لشهادته وسنوات خدمته مع اضافة مدة خدمته كمستشار لكافة الأغراض، ذلك ان احالة من لا يملك خدمة وظيفيه تؤهله للإحالة على التقاعد يعد غبنا للموظفين المستمرين بالخدمة ويملكون خدمات وظيفية تتجاوز الخمس سنوات، وان البعض منهم لديه خدمة وظيفيه بلغت (30) سنه في الدرجة الاولى من سلم الرواتب الملحق بقانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 ولم يسعفه الحظ في تقلد منصب مدير عام.

تاسعا : إن المادة (5) من قانون عمل المستشارين نصت على عدم سريانه على المستشارين في مجلس الدولة باستثناء ما ورد في المادة (1/ رابعا/ خامسا) من القانون المذكور وهي متعلقة بتعيين المستشار بموجب مرسوم جمهوري والاقرار بالمراكز القانونية السابقة لمستشاري المجلس قبل نفاذه، ونرى ان هذا النص قد تم اقحامه في هذا القانون اقحاما لان مستشاري مجلس الدولة غير معنيين بهذا القانون، كونهم خاضعين لقانون مجلس الدولة رقم (65) لسنة 1979المعدل الذي نظم عمل المستشارين والمستشارين المساعدين، حيث نصت المادة (8) من تعليمات التعيين بوظيفة مستشار مساعد والترقية الى وظيفه مستشار في مجلس الدولة رقم (2) لسنة  2005على صدور مرسوم جمهوري فيما يتعلق بالتعيين أو الترقية.

لما تقدم ندعو المشرع العراقي الى ازالة التعارض من خلال دراسات اثر التشريع والاطلاع على التشريعات ذات العلاقة ومعالجة حالة الاغفال في القانون المذكور لمنع التداخل والتعارض بين القوانين ومنع الاحالة للسلطة التنفيذية لمعالجة مثل هذه الإغفالان لاحقاً بموجب تعليمات قد تتضمن احكام قاعدية لم ترد في القانون ذاته… والله الموفق.

.............................................................................................

* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية. 

اضف تعليق