ليس من الأخطاء ان تعيش حياتك بعيدا عن مناصرة حزب او حركة سياسية، لكن في العراق وعلى الرغم من عدم انخراطك ضمن أحد الجمهورين، ستكتوي بنيران التراشق الحاصل بين الاطاريين والصدريين، الذين يضرمون النار بالاعتماد كل على جمهوره الخاص، هاملين الأغلبية العظمى من أبناء الشعب العراقي...
ليس من الأخطاء ان تعيش حياتك بعيدا عن مناصرة حزب او حركة سياسية، لكن في العراق وعلى الرغم من عدم انخراطك ضمن أحد الجمهورين، ستكتوي بنيران التراشق الحاصل بين الاطاريين والصدريين، الذين يضرمون النار بالاعتماد كل على جمهوره الخاص، هاملين الأغلبية العظمى من أبناء الشعب العراقي الذين فضلوا البقاء متفرجين غير قادرين على التغيير بحكم الاقصاء المتعمد.
الأغلبية الصامتة او المتفرجة عادة ما يطلع على الطبقات الجماهيرية التي ارادت المسير الى جانب الجدار، ولا يعينها ما يدور داخل الازقة السياسية، لكن هذا لا يمنع ان تكون محط انظار القوتين المتناحرتين.
فالسيد مقتدى الصدر توجه بخطابه وبشكل مباشر الى الجموع المهمشة او المحايدة لإطلاء عليها فكرة الإصلاح الجذري والحقيقي الذي يحلم به جميع العراقيين، وكرر ذلك مرارا بانها الفرصة الفعلية للقضاء على الطبقة السياسية التي حكمت البلد منذ تغيير النظام ولغاية الآن، لكن دعواته هذه لم تلق آذان صاغية من قبل الجماهير التي تعرف النوايا والاغراض الرئيسية من كل ذلك.
وفي الجهة الأخرى قوى الإطار التنسيقي تحاول لملمة قواها وجمهورها الفعلي الى جانب من تستطيع إقناعه من الأغلبية الصامتة، ولم تفلح هي الأخرى بسحب البساط من تحت اقدام الطرف الذي لا يعرف كيف الخلاص من الازمة الحالية التي تسببت بها القوى المتنازعة على السلطة وتبحث عن امتيازات أخرى.
ويبقى الأهم من كل ذلك هو المصير المجهول الذي ينتظر الشعب من غير جمهور الطرفين، في وقت لا تزال القوى السياسية وعلى اختلاف هويتها عاجزة عن إيجاد منفذ وحل وسيط للازمة الراهنة التي دمرت البلد ومؤسساته وحولته الى غابة ينهش فيها القوي الضعيف ويسلب حقوقه، وبذلك تكون الازمة المتدحرجة والآخذة بالاتساع يوما بعد آخر على مفترق طرق أيضا لا نعرف مصيرها.
اليأس الذي خيم على النخب العراقية جاء بعد تجاوز الطبقة السياسية جميع الخطوط والموانع، فما يحصل من خروقات دستورية، تعد بمثابة الضربة القاضية التي اجهضت الدستور العراقي ومنعته من تأدية مهامه بصفته الحاكم والحد الفاصل الذي يفصل بجميع الخلافات، حتى هذا الحق اليسير سلبته القوى السياسية وجعلته دستور اجوف لا يقدم أي وسيلة مساعدة للخروج من الازمة.
وكما الدستور لم يعد صالحا للقضاء على فتيل الازمة، أصبحت الاجتماعات المكوكية والحوارات والزيارات التي تجريها القوى السياسية غير ذي جدوى، فمنذ اندلاع الحرب الكلامية بين الإطار والتيار، وهنالك وساطات من قبل شخصيات تدعي الوسطية والرغبة في حلحلة الأمور، ولكن تبقى هذه المحاولات هي تدوير لتجارب سابقة يعلم الجميع مدى فشلها.
فالتراكمات الخلافية بين الكتل السياسية هي من دفعت الى تعطيل الدستور العام للبلاد وازدياد الأوضاع سوء، وبذلك تكون النتيجة الواقعية هي ارتفاع نسبة الاستياء الشعبي عند العراقيين جميعا، فهم وبسبب الخلافات السياسية الدائمة تعطلت مصالحهم العامة واضطر الكثير منهم الى الانحراف والحياد عن الجادة الصواب بسبب الفاقة والعوز اللعينين، بينما الطبقة الحاكمة نزولا الى الحاشية يتنعمون ويعيشون الرفاهية بجميع تجلياتها.
لا يهمنا من الصراع الدائر واتباع سياسة النفس الطويل من الجانبين، لكن الذي يجعل من الموضوع محط اهتمام ومتابعة شعبية هو لعلاقته المباشرة بمصائر الطبقة العريضة من أبناء الشعب العراقي الذين يرزخون تحت نيران الطرفين، فهم لا ينتمون لأي منهم وفي المقابل يحصدون الآثار السلبية المترتبة على ذلك.
فتعطيل محاكم البلاد كافة على مستوى البلاد لساعات من قبل مجلس القضاء الأعلى، يعني تعطل الحياتين التشريعية والتنفيذية لبعض القضايا التي تهم المواطنين وعلى تماس مباشر بحياتهم، فالتعطيل لا يعني أي شيء بالنسبة للجماهير الخارجة للتظاهر، فهي من تسعى لإشاعة الفوضى عبر تعطيل اهم مؤسسات الدولة واخراجها عن الخدمة بعد ان كانت الغالبية تعول عليها بانها طوق النجاة.
عُطل كل شيء، البرلمان والقضاء يقفان على رجل واحدة والمحتجون يحاولون بين حين وآخر هتك خصوصية السلطة القضائية في البلد، ومع ذلك يصعب التنبؤ بالذي يحصل في الأيام القادمة، فلا تزال المعركة مفتوحة الجبهات ومن يتراجع أولا سيحفر قبره السياسي بيده، ومن يحاول البقاء طويلا، معنى ذلك استمرار دوران عجلة المجهول التي يراقبها الجمهور الثالث دونما محاولة للتدخل وقلب المعادلة لصالحه وانهاء عملية التهميش من قبل الجمهورين الضيقين.
اضف تعليق