ما يفترض باي حزب يريد بناء دولة ان يتعامل اولا مع معايير حوكمة تأسيس حزبه على وفق تلك المعادلة للمساواة بين المنفعة الشخصية للمواطن العراقي الناخب والمنفعة العامة للدولة وهذا لم يحصل حتى اليوم على الرغم من وحود اكثر من ٣٠٠حزبا يروم الدخول الى الانتخابات المقبلة...

من عاش عقود ستينات وسبعينات القرن الماضي وانغمس في شعارات الثورة، شيوعية وقومية واسلامية بعناوين مشاريع بناء الدولة في العراق، ربما ينتهي الى انتهيت اليه من قناعة راسخة ان المشروعية الثورية لاي من هذه الافكار التي تتعامل مع إطار سيادي يتجاوز حدود الدولة العراقية لا يمكن ان ينتج دولة بعقد اجتماعي دستوري قابل للتطبيق.

كيف ولماذا؟، اي مقارنة بين ما يحدث اليوم وبين تلك العقود واستقراء ما يمكن ان يحدث مستقبلا يؤكد حقيقة ان الاغلبية الغالبة من الاحزاب المتصدية لسلطان الحكم لا تهتم لبناء دولة بعقلية تنمية مستدامة تحقق تلك المعادلة الذهبية في تأسيس الدول المدنية العصرية في مساواة المنفعة الشخصية للمواطن/الناخب مع المصلحة العامة للدولة.

وهكذا تحول هذا المواطن من حالة كونه مواطن يتطلب منه التفاعل بإيجابية مع العملية الإنتاجية الى مواطن اتكالي بل ان احد ابرز معالم البرامج الانتخابية تتمثل في زيادة ريع هذه الاتكالية، بنموذج( الحواسم) وما حصل في انتشار احياءهم داخل المدن وليس على اطرافها مما فرض واقعا مجتمعيا يخشى التداخل معه لانتصار الجريمة المنظمة والسلاح المنفلت على نفاذ القانون ويكفي النزاعات العشائرية كدلالة على ذلك فقط لان هذه المناطق المستحدثة خارج نفاذ القانون انما هي مناطق انتخابية لاحزاب سلاطين مفاسد المحاصصة .

ويظهر ذلك في الوسط والجنوب ولا يظهر في إقليم كردستان، مما جعل التحالفات السياسية لتشكيل اي حكومة منذ ٢٠٠٣ وحتى اليوم انما مجرد إزاحة ارضائية بتسيير السنوات الأربعة من عمر الحكومة ايضا من دون انتاج قيمة مجتمعية مضافة فب بناء الدولة، حتى سقطت ورقة التوت عن مفاسد المحاصصة في الازمة الاقتصادية ما بعد وباء كورونا.

ليفجع العراقيون بانهم يبيعون النفط لتسديد ديون تدار من قبل صندوق النقد الدولي بعقلية لا تسمح لافكار الستينات والسبعينات من القرن الماضي في الحديث عن المشروعية الثورية لافكار قومية بما فيها الكردية او الافكار الإسلامية العربية فعراق اليوم تحت الاحتلال الاقتصادي الدولي ومن وضعه تحت أثقاله انما هم سلاطين الحكم وامراء الطوائف الذين يتغنى وعاظ مفاسد المحاصصة بتلك الشعارات الثورية عن غد افضل!

ما الحلول الفضلى؟ كررت في مقالات سابقة ان الارتكاز على هذه النماذج من الافكار لا يحقق المآلات المطلوبة لعراق الغد، فلا يمكن للشيعة حكم العراق وان كانوا الأكثرية ولا يستطيع الكرد الانفصال حتى وان ركبوا الحصان الإسرائيلي، كما لا يستطيع السنة التفاعل مع كلا الطرفين بحسابات الاخ الصغير، هكذا تولد حاضنات الارهاب المجتمعية وتفشل فعاليات ادارة التنوع ويبقى الحوار الوطني مجرد طنين ذباب على موائد مفاسد المحاصصة، مما تطلب الاعتراف بالأخطاء والدعوة للانتخابات المبكرة التي ربما تنتهي الى انتخابات متاخرة!

ما يفترض باي حزب يريد بناء دولة ان يتعامل اولا مع معايير حوكمة تأسيس حزبه على وفق تلك المعادلة للمساواة بين المنفعة الشخصية للمواطن العراقي الناخب والمنفعة العامة للدولة وهذا لم يحصل حتى اليوم على الرغم من وحود اكثر من ٣٠٠حزبا يروم الدخول الى الانتخابات المقبلة وهو خطا اخر في التأسيس المدني للدولة الذي لا يؤسس للبعد الحضاري المنشود في عراق الغد المنظور.

كل ذلك يعجل القول ان الغد أسوأ من الامس ما دامت هناك احزاب ما زالت تشتر افكار اواسط القرن الماضي فيما قطار الغد يمضي سريعا في بلد مكبل بالديون، وسط احتمال ان تباع ديون العراق في نادي باريس هذا الخيار الأكثر سوءا عندها هل تسدد فاتورة الديون من افكار اسلامية او قومية وهل سيطلب من شايلوك كما في قصة تاجر البندقية ان يقطع من لحوم العراقيين من دون اراقة قطرة دم ؟؟ اليس موازنة ٢٠٢١ نموذجا لذلك؟؟ ويبقى من القول لله في خلقه شؤون!

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق