طبيعة القلق الذي يعيشه الفرد ضمن ذاته هو انه لا يستطيع ان يوجد فقط كفرد مستقل بذاته ولا فقط كجزء من الانسانية. كلما زاد الكفاح في محاولة التعبير عن الفردية، زاد معه الشعور بضغط المجتمع والثقافة. وايضا، كلما امتثل الفرد لطلبات المجتمع، كلما أصبح اكثر إغترابا...

ان طبيعة القلق الذي يعيشه الفرد ضمن ذاته هو انه لا يستطيع ان يوجد فقط كفرد مستقل بذاته ولا فقط كجزء من الانسانية. كلما زاد الكفاح في محاولة التعبير عن الفردية، زاد معه الشعور بضغط المجتمع والثقافة. وايضا، كلما امتثل الفرد لطلبات المجتمع، كلما أصبح اكثر إغترابا عن ذاته.

في كتاب عمانوئيل كانط (فكرة عن التاريخ العالمي من وجهة نظر كوزموبولوتية) وهي موضوع يؤكد فكرة رفض الفرد للإمتثال الاجتماعي (unsocial sociability). هو يقول:

... انا أعني في هذا السياق عدم قبول الافراد للامتثال الجماعي، أي، ميل الافراد للتقارب في المجتمع، بالاقتران مع مقاومة مستمرة تهدد دائما بتمزيق المجتمع.

كل شخص يدرك هذا الصراع حتى بدون وعي. نحن نراه في الأطفال الصغار عندما يستطلعون بلا هدف بيئتهم كأفراد فقط لتتم السيطرة عليهم لاحقا من قبل آبائهم. نرى هذا الصراع لدى المراهقين عندما يمرّون بمراحل يتبنّون فيها مختلف العقليات والسلوكيات ليجدوا أنفسهم تحت سيطرة الآباء والمجتمع. كبالغين، نحن باستمرار نكافح في محاولة ايجاد طرق للتعبير عن أنفسنا كأفراد في نفس الوقت الذي نتعايش فيه مع الناس الآخرين. كل شيء بدءاً من السيارة التي نستقلها والملابس التي نرتديها، طريقة حديثنا، أفكارنا وعقائدنا كلها تعبيرات عن فرديتنا. غير ان الفردية مقيّدة باتفاقات جمعية معينة، على سبيل المثال، لو ان تعبيري الفردي يتعدى على قدرتك في التعبير عن ذاتك، عندئذ لابد لي ان أتوقف، وبطريقة او بأخرى، يتم تحقيق التوازن في الحركة نحو الأمام والخلف وسيصبح التعاون ممكنا.

وحتى لو لم نكن واعين دائما بالمعركة بين الذات والآخرين، فان قوى التعبير الفردي مقابل التعاون الجماعي تبقى هي المهيمنة. كانط فكّر بشيء ما يُمارس عالميا بين افراد عقلانيين. انها ظاهرة يجب ان تُناقش كثيرا في العلن لأنها الحقيقة الاساسية حول طبيعتنا كنوع بشري.

احدى القضايا السائدة بين الجماهير هي اننا نعيش هذا الصراع كل يوم ولكن لاننتبه له كثيرا. في الولايات المتحدة، أحد الاشياء التي يقوم بها المجتمع بشكل جيد هي التوازن بين التعبير الفردي والتعاون الجماعي. من الصعب انكار هذا لأن هناك ما يقارب 330 مليون شخص في الولايات المتحدة أغلبهم يعيش في بيئات حضرية فيها الكثافة السكانية عالية. في مدينة نيويورك وحدها، مثلا، هناك 8.5 مليون شخص. جميع هؤلاء الناس يعيشون قريبين من بعضهم، ربما نعتقد ان التعبير الفردي السائد كثيرا سيقود الى اضطرابات وعنف دائم. ولكن، حتى عندما يكون هناك شعور نيويوركي معين، لكن لا وجود لعنف واسع او اضطراب مستمر. هناك عنف في الولايات المتحدة، ولكن مقدار العنف مقابل عدد الناس يجعل العنف هامشيا حتى مع الزيادة الطفيفة في حوادث إطلاق النار.

لكي نعرف ما يجب علينا فعله تجاه نوعنا الانساني، يجب الحذر من الاعتقاد اننا يجب ان نتنبأ بمزيد من العنف بين السكان. هذه ليست هي الحالة. قد يتغير هذا بمرور الزمن ولا يجب ان يكون مستغربا في ضوء وصف كانط لطبيعتنا. عندما يبدأ شعور التعاون الجمعي بكبح التعبير الفردي الى النقطة التي يشعر فيها الناس انهم يُعاملون كثيرا كجزء من الجماعة، سيكون هناك مزيدا من العنف. لاتوجد هناك طريقة أفضل للتعبير عن الفردية أكثر من الادّعاء بان شيء ما هو ملك لفرد معين وعندئذ سيدافع عنه ضد كل منْ يهدد تلك الملكية.

من جهة اخرى، لو نحن مُنحنا مساحة واسعة للتعبير عن أنفسنا كأفراد، عندئذ فان الميول للاعتقاد بأنفسنا كمالكين صريحين لأشياء معينة سوف يخلق بالتأكيد انقساما بين الناس. في تلك النقطة، يجب ان يتم احتواء الفرد لكي يمكن حمايته من نفسه ومن الآخرين.

اعتماداً على المنحى الفلسفي للمرء ذلك سوف يقرر كيفية تفسير الحقيقة الاساسية للنوع الانساني.

البعض سيكونون متفائلين ويعتقدون ان الانسانية يمكنها ان توازن بما يكفي بين التعبير الفردي والتعاون الجماعي بدون التضحية كثيرا بأحدهما دون الآخر. ومن جهة اخرى، سيكون هناك المتشائمون الذين يعتقدون ان مصير الانسانية يتأرجح كثيرا من أحد جوانب الطيف الى الآخر دون امكانية ايجاد توازن ابدا.

نحن لا يمكننا الهروب من هذا الصراع لأنه جزء من كوننا كبشر. طالما نحن مقيّدون به، يجب ان نتأكد على الأقل ان نكون واعين بطبيعة الصراع والإبلاغ عنه متى ما كان ذلك ممكنا. في الولايات المتحدة مثلا، هناك تعاون جماعي جيد حتى عندما تكون هناك مشاعر لعدم التعاون. مقدرة الناس على السفر الآمن على الطرق السريعة هو دليل على الكيفية التي دُجنّ وتطبّع بها الناس على نشاطات خطرة. هنا الناس قادرون على ابداء مستويات عالية من الامتثال الاجتماعي. مع ذلك، هم يفتقرون للمقدرة على التعبير المتناسب عن فرديتهم بنفس المستوى من النجاح. من السهل التظاهر بكونك مؤدبا ومهذبا او مدنيا. لكن من الصعب التعبير عن أنفسنا ضد الطلبات الجماعية. الجماهير سوف تكافح دائما لسحق الفرد، والفرد سوف يبحث دائما عن الاعتراف بين الجماهير.

عندما يعبّر المرء عن نفسه كفرد، هو يحتاج ان يتذكر بان ذلك هو أقوى وأغلى سلاح لديه ضد طلبات الجماهير والامتثال لها. تعبيره عن الذات هو الكيفية التي يُعرّف بها بين الجماهير. وبالتالي، هو يجب ان يكون حذراً عندما يسعى للتعبير عن الفردية لأنها تعكّر التعاون الجماعي. نحن نحتاج ان نكون حذرين بان لا نسمح لأنفسنا لنكون منهمكين جدا في خدمة التعاون الجماعي. الجماعي لايريدنا ان نخرج منه. مع ذلك، نحن لا خيار لدينا، وبالتالي سوف ننكمش. لكي نحقق الكثير من سلوكنا اللااجتماعي، يجب ان نجد السياق الملائم واللغة لكي نضمن ان تعبيرنا عن الفردية هو صورة دقيقة لأنفسنا، وبالشكل الذي لانتردد في استنساخه.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق