q
إِذا كانت الحرب النَّاعمة تعني القُدرة على التَّأثير في سلوكِ الآخرين بالجاذبيَّة [الأَخلاق والنُّموذج الحَسن والسُّلوك الرَّفيع] بدلاً عن الإِرغام والإِكراه والعُنف، فإِنَّ الإِسلام الذي بلورهُ وكرَّسهُ وقدَّم نموذجهُ أَهلُ البيت هو أَوَّل مَن نظَّر وشرعنَ الحرب النَّاعِمة، جَوهر هذا النَّوع من الحروبِ؛ التَّأثير في سلوكيَّات النَّاس...

أ/ إِذا كانت الحرب النَّاعمة تعني القُدرة على التَّأثير في سلوكِ الآخرين بالجاذبيَّة [الأَخلاق والنُّموذج الحَسن والسُّلوك الرَّفيع] بدلاً عن الإِرغام والإِكراه والعُنف، فإِنَّ الإِسلام الذي بلورهُ وكرَّسهُ وقدَّم نموذجهُ أَهلُ البيت (ع) هو أَوَّل مَن نظَّر وشرعنَ الحرب النَّاعِمة من خلالِ مفاهيمِ الآيات القُرآنيَّة التَّالية كنماذج لهذا النُّموذج؛

{وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍۢ} فالأَخلاق أَوَّلاً فهي المِعيار.

{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ ۗ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا} فحريَّة التَّعبير والإِختيار توأَمان.

{فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} و {لَآ إِكْرَاهَ فِى ٱلدِّينِ} قاعدة التَّبليغِ الذَّهبيَّة.

{وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍۢ} لا لإِحتكارِ الحقيقةِ المُطلقةِ عندَ الحِوارِ معَ الآخر.

{وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُۥ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ} خلق الأَجواء الآمنة بعيداً عن الإِرهاب.

{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} لا للتَّجاوز على حريَّة الإِعتقاد والأَديان.

أَمَّا أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فلقد لخَّصَ جَوهر كُلَّ ذلك بالقاعدةِ الذَّهبيَّةِ التَّالية {وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ} والحديثُ هُنا عن الرَّعيَّة التي تشملُ كُلَّ المُجتمعِ بِلا تمييزٍ على أَساس [الإِيمان والكُفر] أَو [الأُسرةِ والعشيرةِ] وغير ذلك.

كما أَنَّ الإِمام جعفر بن محمَّد الصَّادق (ع) شرحَ أُسُس الحرب النَّاعمة التي تعتمد النُّموذج أَو ما يُطلق عليهِ اليَوم بالماركة، بقولهِ {يا معشرَ الشِّيعة إِنَّكم قد نُسِبتُم إِلينا، كونُوا لنا زيناً، ولا تكونُوا علينا شَيناً} ويُضيفُ (ع) {إِنَّ الرَّجل يكونُ في القبيلةِ من شيعةِ عليٍّ فيكونُ زينتها، أَدَّاهُم للأَمانةِ وأَقضاهُم للحقُوقِ وأَصدقهُم للحديثِ... تُسأَلُ العشيرة عنهُ فتقولُ؛ مَنْ مِثل فُلان! إِنَّهُ أَدَّانا للأَمانةِ وأَصدقنا للحديثِ}.

ولقد قالَ الإِمام الحسن السِّبط المُجتبى (ع) لرجُلٍ إِدَّعى أَنَّهُ شيعيٌّ {يا عبدَ الله إِن كُنتَ في أَوامرِنا وزَواجرِنا مُطيعاً فقد صدقتَ وإِنْ كُنتَ بخلافِ ذلكَ فلا تُزِد في ذنوبكَ بدعواكَ مرتبةً شريفةً لستَ من أَهلِها، لا تقُل أَنا من شيعتكُم. ولكن قُل؛ أَنا من مواليكُم ومُحبِّيكُم ومُعادي أَعدائكُم وأَنتَ في خَيرٍ وإِلى خَيرٍ}.

ويقولُ الصَّادق (ع) {كونُوا دُعاةً للنَّاسِ بغيرِ أَلسنتِكم، ليَرَوا منكمُ الوَرع والإِجتهاد والصَّلاة والخَير، فإِنَّ ذلكَ داعيةٌ}.

في الحربِ النَّاعمةِ لا يتحدَّثُ [الدَّاعيةُ] عن دينهِ بلسانهِ وإِنَّما يتحدَّثُ عنهُ بسلوكهِ، وهذا هوَ جَوهر هذا النَّوع من الحروبِ؛ التَّأثير في سلوكيَّات النَّاس بالسُّلوك السَّليم والعمل الصَّالح والإِنجاز والنَّجاح، وليسَ باللِّسان والشِّعارات.

ب/ و [الماركة] يُمكنُنا تقديمها بالعلمِ والنُّموذج، وهُما العلامتان المُضيئَتان اللَّتان أَضاءتا من مدرسةِ أَهلُ البيت (ع) بالتَّجسيدِ بشَكلٍ نموذجيٍّ وفشلنا في تجسيدهِما لتقديمهِما للآخر في إِطار الحرب النَّاعمة.

إِنَّ فيها مليُون بابٍ من العلمِ، كما أَشار إِليها أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في قولهِ {علَّمني حبيبي رسولُ الله (ص) أَلفَ بابٍ من العلمِ يُفتَحُ لي في كلِّ بابٍ أَلفَ بابٍ} ولكن؛

كم بابَ علمٍ فتحنا مصارعَها ونحنُ نسبحُ في خِضمِّ بحرٍ مُتلاطمٍ من التحدِّياتِ؟!.

كم بابَ علمٍ روَّجنا لها في هذا العصرِ الذي يعتمدُ العلمَ والمعرفةَ كأَساسٍ للبناءِ والتطوُّر والتَّنميةِ؟!.

بدلاً من ذلكَ، وللأَسف الشَّديد، فلقد تسمَّرنا في ماضينا ولم نستطع الإِنتقال إِلى المُستقبلِ مروراً بالحاضرِ، ولعلَّ في طريقةِ تعاملنا مع رسالةِ عاشوراء، وهي في الحقيقةِ مِحور رسالة مدرسة أَهلُ البيتِ (ع) ولذلكَ أَكَّد كلُّ الأَئمَّة (ع) على وجوبِ إِحيائِها بالشَّعائر لتبقى حيَّةً طريَّةً تنبضُ بالحياةِ والقِيم والمبادئ، فأَين كلَّ هذا من واقعِنا؟! أَين كلَّ هذا في سلوكيَّاتنا؟! وفي طريقة تعاملِنا مع أَنفسِنا ومع الآخر؟! وفي علاقاتنا الأُسريَّة وفي علاقاتنا على مُستوى محلِّ العملِ والمدرسةِ والجامعةِ والسُّلطة والإِعلام وفي كلِّ شَيْءٍ؟!.

ثمَّ نريدُ كسبَ الحربِ النَّاعِمةِ!.

لقد غابَ العلمُ والمعرفةُ عن واقعِنا عندما سيطرت علينا ثقافة الخُرافات والأَحلام وثقافة الماضي الذي توقَّفت عندهُ عقارب السَّاعة، ثمَّ غابَ عندنا النُّموذج في العملِ والسُّلوك والإِنجازِ الذي يمكنُ أَن نقدِّمهُ كبديلٍ يُحتذى نُؤَثِّر بهِ في سلوك الآخرين، ثمَّ نريدُ أَن نتغلَّبَ في الحربِ النَّاعِمة؟!.

لقد قدَّمنا أَسوء نُموذج [سياسي] وأَسواء نُموذج في [السُّلطة] في العراق منذُ التَّغيير ثمَّ نزعل لأَنَّنا فشِلنا في الحربِ النَّاعمة؟!.

إِنَّنا فشِلنا في إِقناعِ النَّشء الجديد بنموذجِنا وعلى مُختلفِ الأَصعدةِ، فكيف تُريدُنا أَن نقنعَ [الآخر] بهِ؟!.

[email protected]

اضف تعليق