q
التفشي الثاني يمكن ان نعده بداية الجولة الثانية من الحرب العلنية التي قُرعت طبولها في مطلع العام الحالي، والتهمت نيرانها اعداد غير متوقعة، ومع جميع ما يبذل لتقليل الخسائر بالأرواح، يبقى الجميع أسيري القدر ولم يعرف أحد مدى تضع تلك الحرب أوزارها وتختفي آثارها عن الوجود...

مرت ايام قبل هذه اللحظة قللت وسائل الإعلام اهتمامها بالأخبار المتعلقة بفيروس كورونا، نتيجة انحساره في بعض الدول التي أخذت موقع الصدارة في الفترات السابقة، اما الايام القليلة الماضية عادت تلك الأخبار الى الواجهة، وضاعفت الفضائيات تركيزها على اخبار الفيروس المقلقة.

هذا التركيز لم يعود مجددا لو لا ارتفاع حالات الإصابة في الكثير من الدول المحيطة ودول الاتحاد الأوربي، التي لم تنال نصيب من الرأفة، من بطشه مخلفا آلاف الإصابات الى جانب الوفيات، وهو اليوم يشن هجمته الثانية والتي وصفت من قبل مختصين على انها أقوى من الموجة الأولى بعض الشيء.

الزيادة الحاصلة في الاعداد لها تفسيرات عدة، لكن ما يهمنا أكثرها قربا من الواقع، اذ قامت اغلب البلدان التي تفشى بها الفيروس بشكل غريب بإهمال الإجراءات الوقائية، كذلك أطلقت نداءات لشعوبها بان تتعايش مع الفيروس وان تعود لممارسة الحياة بصورة طبيعية.

وكما هو متوقع الحدوث، حصل تهاون كبير مع الفيروس القاتل، ولم تعد الشعوب تتعامل معه على انه قاتل خفي، ما ادى الى الوقوع بالفخ، والعودة الى المربع الأول، فاليوم نشاهد دول أصدرت تعليمات أكدت فيها على ضرورة العودة مرة اخرى للاتزام بالإجراءات الوقائية والطرق العلاجية الموصى بها من قبل الجهات الصحية العالمية.

وفي المضمون ذاته عمدت بعض العواصم الأوربية الى إغلاق مطاراتها امام المسافرين، وعادت الى الحضور عبارات التحذير من خطر الفيروس، كما ان المؤسسات العلمية قلصت ايام تواجد الطلبة فيها الى اقل النصف، وهذا يعطي مؤشر واضح على اننا لا نزال في دائرة الخطر.

التسابق الذي يدور بين المراكز البحثية لإيجاد لقاح يوقف تمدد الفيروس وتفاقم خطره، لم ينته الى نتائج مرضية وملموسة، اذ تولد لدى الشعوب المراقبة اشبه بالإحباط من الوعود غير الصادقة، طالما النتائج قابعة في المختبرات ولم تخرج لتطمأن الملايين وتجعلهم يثقون بوحود امل قريب للخلاص.

النظام العالمي نظام معقد وطبيعة التعامل مع الفيروس تختلف من بلد لآخر، لذلك لم نلاحظ تظافر للجهود وتعاون كبير فيما بين الدول والمؤسسات الصحية الاخرى، لكبح الجماح، فكل دولة تواجه بما لديها من امكانات بعيدة عن التفاهمات مع الدولة الاخرى، وان كانت في بعض الاحيان جارتها.

هذا التشضي وعدم التوصل لنتيجة قابلة للاعتماد فسح المجال امام التكهنات واعطى الفرصة للمهاترات بين اصحاب القرار والسلطة على المستوى الدولي، فتارة يتباهى ترامب بالإنجاز الذي حققه فيما يخص التوصل للقاحات ناجعة.

بينما فلاديمير بوتن يقول ان بلاده هي من وضعت اللبنة الأولى في رحلة البحث عن العلاجات الصائبة، ويستمر التسابق في هذا المضمار سعيا للوصول الى القمة، والشعور بالغلبة على الغريم الدائم.

هذه الصرعات وغيرها من الأسباب خلقت انطباع لدى العامة، بان لا يوجد امل يلوح في الأفق، وكل ما يدور لم يخرج عن إطار الحرب السياسية القائمة منذ عقود، وهو الذي دفع بالأفراد تحمل المخاطر والنزول الى الشوارع غير آبهين بما سيلحق بهم، نتيجة فقدان الثقة بالأنظمة العالمية، التي اعتادت على المرواغة واتباع الحرب الكلامية دون جدوى تذكر.

الموجة الثانية كانت متوقعة، ولكنها ليس بهذه الصورة، اذ اجبرت الكثير على إعادة النظر في طبيعة التعاطي مع الفيروس الشرس، وأجبرتهم ايضا على اعداد العدة لمواجهة المرحلة القادمة التي ربما تكون اكثر ضراوة من الايام الماضية.

تصاعد وتيرة تفشي الفيروس لم تتمكن اي دولة تقليل وطأتها مالم يتحلى الأفراد بوعي كاف نستطيع من خلاله مساندة الجهات الصحية التي قدمت وما زالت تقدم ما بوسعها لتحسين حالة الأفراد، فضلا عن تجنب انهيار المنظومة الصحية بشكل غير مسبوق.

التفشي الثاني يمكن ان نعده بداية الجولة الثانية من الحرب العلنية التي قُرعت طبولها في مطلع العام الحالي، والتهمت نيرانها اعداد غير متوقعة، ومع جميع ما يبذل لتقليل الخسائر بالأرواح، يبقى الجميع أسيري القدر ولم يعرف احد مدى تضع تلك الحرب أوزارها وتختفي آثارها عن الوجود.

اضف تعليق