هذه المعطيات من شأنها ان تجبر الكاظمي على اتخاذ سياسة أكثر ليونة في تنفيذ برنامجه الذي سيكون محشوا بمشكلات معقدة اذ ورث الكاظمي عن خلفة عبد المهدي الذي قاد العراق الى مستنقع من الازمات جملة من المشكلات يجب يتعين عليه التعامل معها بجدية وحذر، أهمها تنظيم الأوضاع لعقد الانتخابات...

بعد مخاض عسير جاء نجاح رجل المخابرات العراقي في تمرير تشكيلته الحكومية بعد فشل مرشحين سبقاه في ذلك، هما عدنان الزرفي وعلاوي الوزير السابق الذي لم يتمكن من تشكيل حكومة في المهلة المحددة خلال 30 يوما، فيما اعتذر الزرفي تحت ضغط من أطراف شيعية مقربة من إيران، التي اعتبرته مقربا بشكل مقلق من واشنطن.

شغل الرجل طويل القامة ممشوق القوام حليق الذقن بشعر اشيب وعينين جاحظتين نسبيا، قبل تكليفه بتشكيل الحكومة منصب رئاسة جهاز المخابرات الوطني العراقي منذ عام 2016 إبان سيطرة تنظيم داعش على أجزاء واسعة من العراق.

وقد نسج خلال تواجده في هذا الموقع الاستراتيجي علاقاته مع عشرات الدول بما فيها الولايات المتحدة، كما تربطه صداقة وثيقة بشكل خاص مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وخلال زيارة نادرة إلى الرياض، شوهد وهو يعانق مطولاً ولي العهد السعودي.

كما نجح الكاظمي مؤخرا في إعادة علاقاته مع الإيرانيين إلى مسارها" بعد اتهامه رسمياً وعلانية من قبل أحد أهم الفصائل المرتبطة بإيران في العراق "بالتورط أو التواطؤ" في العملية الأميركية التي أدت لمقتل الجنرال سليماني ورئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.

وعلى ما يبدو هناك توجه امريكي إيراني لتبني هذا "الوليد" الذي سيتعين علية نزع فتيل الازمات المتراكمة وإيجاد مخرج لكثير من المعضلات في ظل أوضاع اقتصادية متردية جراء انخفاض أسعار النفط كنتيجة حتمية بعد انتشار فايروس كورونا.

أولى بوادر الاحتضان هذه ظهرت من قبل الولايات المتحدة الامريكية التي أعلنت تمديد أجل السماح للعراق باستيراد الكهرباء من إيران لمدة 120يوماً "للمساعدة في تهيئة الظروف المناسبة للنجاح"، كما اعرب سفيرها "ماثيو تولر" استعداد بلاده لدعم العراق في المجالات كافة، خصوصا الجانب الاقتصادي ومواجهة جائحة كورونا.

وفي خضم أزمات عراقية متداخلة، امنية واقتصادية سيكون العراق بحاجة ماسة للمساعدة الأمريكية لاسيما مع استئناف داعش لتحركاته مؤخرًا في بعض المناطق، وهو ما يمكن ان يكون في صالح البيت الأبيض في المفاوضات بين بغداد وواشنطن.

في مقابل ذلك جاءت أولى تصريحات السفير الايران لدى العراق "ايرج مسجدي"، لتؤكد هذا التبني اذ اكد مسجدي ان لا مشكلة لإيران مع الكاظمي في ظل تمتّعه بعلاقات جيّدة مع إيران وأميركا بوصفهما اللاعبين الأساسيين على الساحة العراقية، ووعد بأن يكون التعاون مع حكومة الكاظمي جاداً.

ويبرز التأييد الإيراني لحكومة الكاظمي جليا من خلال تجاهل كتلة "الفتح" برئاسة هادي العامري المقرب من إيران اتهامات من قبل أحد أهم الفصائل المرتبطة بإيران في العراق "بالتورط أو التواطؤ" في العملية الأميركية التي أدت لمقتل الجنرال سليماني وأبو مهدي المهندس.

اما في الشارع فلايزال حسيس الاحتجاجات يُسمع، فهو لم ينقطع رغم اجتياح الفايروس التاجي للبلاد وسقوط عشرات الموتى ومئات المصابين من العراقيين وحتى مع فرض حظر التجوال كإجراء احترازي لمواجهة كورونا.

وحدها خيام المحتجين وصور الشهداء التي لم تفارق تقاطعات الشوارع والتي لم تجرأ الحكومة على رفعها كفيلة بإشعال الشارع مرة اخرى حال اقدام الكاظمي على اي خطوة غير مدروسة، لاسيما مع تجدد الاحتجاجات في عدد من المدن عقب التصويت على حكومة الكاظمي، للتنديد بهذه الحكومة التي يعبر عنها المحتجين بأنها حكومة "محاصصة طائفية، تعيد إنتاج ذات التركيبة التي أوصلت البلاد إلى مستويات من الانهيار الاقتصادي وتردي الخدمات بسبب الفساد وسوء الادارة".

هذه المعطيات من شأنها ان تجبر الكاظمي على اتخاذ سياسة اكثر ليونة في تنفيذ برنامجه الذي سيكون محشوا بمشكلات معقدة اذ ورث الكاظمي عن خلفة عبد المهدي الذي قاد العراق الى مستنقع من الازمات جملة من المشكلات يجب يتعين عليه التعامل معها بجدية وحذر، أهمها تنظيم الأوضاع لعقد الانتخابات البرلمانية المقبلة، والرد المناسب على المطالب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي كانت سببًا رئيسيا للإطاحة بحكومة عادل عبد المهدي وهي تحديات ستكون صعبة بالنسبة لحكومة انتقالية.

بالعودة الى بداية الاحتجاجات رفع المحتجون صورا للجنرال العراقي عبد الوهاب الساعدي بطل استعادة الموصل من أيدي المتشددين والذي استُبعد من منصبه من قِبل عبد المهدي. وفي محاولة لامتصاص غضب الشارع العراقي اطل الكاظمي عبر التلفاز واعلن إعادة الساعدي للعمل في صفوف جهاز مكافحة الإرهاب العراقي وتعيينه رئيسا على الجهاز. في خطوة حظيت بتعاطف العراقيين وعبروا عنها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

ويسعى الكاظمي الى كسب ود المتظاهرين اذ امر بإطلاق سراح المعتقلين من المتظاهرين ومحاسبة المقصرين وتقديم تعويضات للمتضررين. وهو ما حدا بعشرات للخروج بتظاهرة ليلية في مدينة كربلاء ترحيباً بالقرار.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق