ان السلاح المنفلت أبرز مشكلاتنا منذ سنوات الاحتلال الاولى، وغالبا ما استخدم لفرض الارادات المشروعة وغير المشروعة، فلا أظن للحكومة الحالية التي تتشكل وفق الآليات المعتادة القدرة على حصره بيدها، فلا سبيل لهذا الهدف الكبير سوى اعادة صياغة العملية السياسية بما يعزز دولة المؤسسات، والمدخل من ساحة التحرير...

انتهت الأزمة الايرانية الأمريكية، وعادت الامور الى طبيعتها، وكل شيء على ما يرام بحسب تعبير ترامب، وحصل الرد ولا نريد التصعيد على حد قول وزير الخارجية الايراني ظريف، وأدركت جميع الأطراف الرسائل الظاهرة والمبطنة التي انطوت عليها الأزمة، وكل عرف حجمه وخياراته وما يمكن له أن يخسره ويربحه فيما اذا خرجت الأزمة عن السيطرة، واتضحت الحيرة التي كانت عليها حكومة تصريف الأعمال التي يقودها السيد عبد المهدي، والضعف الكبير الذي كانت عليه.

بحيث تعذر عليها الوثوق بأي قرار يمكن اتخاذه، فالتزمت الصمت حيال ما يجري او تكرار ما يردده الآخرون او نقل الرسائل بين الأطراف المتأزمة، وأفرزت الأزمة انقساما حادا في مواقف الرأي العام العراقي والشركاء في العملية السياسية ازاء ما يجب أن يكون عليه موقف العراق حفاظا على سيادته وتأمينا لمصالحه.

وبعيدا عن طرفي الأزمة ايران وأمريكا، فان الأزمة بالنسبة للعراق يفترض أن تكون مفترق فاصل بين مرحلتين، يُعاد في ضوئه تقييم معطيات الواقع وتشخيص مواضع الخلل واختيار البدائل المناسبة للمستقبل، بخاصة وان ارتباط العراق بطرفي الأزمة مازال قائما، اذ أكدت الأزمة بالأدلة والوقائع ان العراق عبارة عن مجموعة دويلات تقودها أطراف ترتبط بشكل او بآخر بقوى دولية.

دفعتها الأزمة صراحة الى ابتلاع الدولة ووضع الحكومة خلف الظهر، فانفردت بمواقفها وسلوكها بناء على تقييمات ذاتية وخبرات محدودة وضغوطات من هذا الطرف الأجنبي او ذاك، ولم تأبه بأي حال للمصلحة الوطنية، كما كشفت الأزمة ان أي من هذه الأطراف أقوى من الدولة ويقع خارج سيطرة الحكومة، بل تخشى الحكومة مواجهته ان ارتكب فعلا آثما، وما أكثر الأفعال الآثمة بحق العراق والعراقيين.

ان الحكومة والبرلمان اللذين ائتمنهما الشعب على مصيره ومصالحه، لم يكونا بمستوى المسؤولية، وكادت انفعالاتهما أن تذهب بالعراقيين للكارثة، فلم يكن بمقدورهما الموازنة بين المبادئ والمصالح، بالتأكيد ان أي وطني غيور لا يرضى بوجود قوات أجنبية في بلاده، لكن الواقع يقول ان خروجها بطريقة غير ودية من شأنه استفزاز الأمريكان ودفعهم لمعاقبة العراق اقتصاديا وتهديده عسكريا.

ولا يختلف اثنان على القدرات التأثيرية الأمريكية على المستوى الدولي، ولاحظنا التلويح بالعقوبات وتعليق العمليات ضد داعش والتذرع بالتركيز على حماية المعسكرات، وهو تهديد واضح بأن الحكومة العراقية لن تحصل على مساعدتهم في حال التعرض لتهديد ارهابي، والكل يعرف تماما من هي الجهات الواقفة وراء التنظيمات الارهابية والدعم غير المحدود الذي تحظى به، وربما يكررون المأساة ثانية، فذلك ديدنهم، ومن المؤكد ان التهديدات والعقوبات ستكون متزامنة بما يتعذر على أي حكومة تغطية نفقات التصدي لعمليات الغدر، والايفاء بالتزاماتها ازاء احتياجات الداخل، كما حصل عند احتلال داعش للمحافظات الغربية، ويومها كانت خزينة الدولة خاوية وأسعار النفط متراجعة.

وقد تناسى المنفعلون ان داعش وأخواتها أدوات في استراتيجية شاملة وبعيدة المدى يمكن تفعليها وتخفيضها بحسب الحاجة، فلا تصدقوا ما يقوله ممن يصفون أنفسهم بالحلفاء: بأن لها نهاية. من قرارات الأزمة حصر السلاح بيد الدولة، والسؤال هل بمقدور الحكومة وضعه موضع التنفيذ، وهل سيستجيب المسلحون فيما اذا دعتهم الحكومة لذلك، وهل لها القدرة والارادة على مواجهتهم اذا رفضوا تسليم أسلحتهم، بخاصة وانهم يبررون وجوده بالتصدي للتنظيمات الارهابية التي عجزت الدولة في يوم ما عن مواجهتها، وانه قد يستخدم عامل ضغط على القوات الاجنبية الموجودة في البلاد اذا اقتضت الضرورة؟

لا يمكن الاستهانة بهذه المبررات، ولكن من يضمن الاستخدام الرشيد لهذا السلاح في الأزمات المحلية، وألا تتحول جهاته الى أدوات تدير من خلالها قوى دولية واقليمية أزماتها على أرضنا كما حصل في هذه الأزمة، وكيف تعالج الحكومة حالات الاحراج التي ستقع بها في حال اندلاع مواجهات بين القوات الأجنبية وهذه الأطراف ؟.

ان السلاح المنفلت أبرز مشكلاتنا منذ سنوات الاحتلال الاولى، وغالبا ما استخدم لفرض الارادات المشروعة وغير المشروعة، فلا أظن للحكومة الحالية والحكومات اللاحقة التي تتشكل وفق الآليات المعتادة القدرة على حصره بيدها، فلا سبيل لهذا الهدف الكبير سوى اعادة صياغة العملية السياسية بما يعزز دولة المؤسسات ويرسّخ مفاهيمها المدنية، والمدخل من ساحة التحرير.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق