الواقع المزري الذي يعيشه المسلمون في ظل حكومات وأحزاب تدعي انتمائها الى الإسلام هو في الحقيقة مجرد وهم تحاول تلك الجهات او الحكومات زرعه في عقول الناس من اجل التغطية على جرائم العنف والاستبداد التي مارستها للوصول الى السلطة ومن ثم البقاء فيها أطول فترة ممكنة...

"الإسلام دين الحرية والتحرر"
المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي

تقارن الحرية التي تتمتع بها اغلب المجتمعات الغربية مع نظيراتها في العالم العربي والإسلامي، على وجه الخصوص، او مع مثيلاتها في دول العالم الثالث، على وجه العموم، حيث تكون الغلبة لتلك المجتمعات الغربية، مع الفارق الكبير في سقف الحرية الممنوح للمواطن فيها مقارنة بالمواطنين في المجتمعات الاخرى، وبعجالة ونقد غير مبني على معايير دقيقة في التحري والبحث عن الحقيقية، يتم توجيه أصابع الاتهام الى الاسلام لأسباب يذكر منها:

1. الواقع المزري الذي يعيشه المسلمون في ظل حكومات وأحزاب إسلامية.

2. القيود التي يفرضها الحكام باسم الإسلام على الحرية والتحرر.

3. انعدام الرفاه والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تعيشه هذا المجتمعات.

قبل ان ندخل في تفاصيل هذه الإشكالات، لنتفق على حقيقة أشار اليها المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي وهي: "أن المجتمع الذي تكثر فيه حالة الظلم، لابد وأن تكثر فيه الاضطرابات المختلفة، وحالة عدم الاستقرار، وتترتب عليه آثار وخيمة جداً في نفوس أبناء المجتمع، خصوصاً إذا كان الحاكم نفسه ظالماً لشعبه، مستبداً برأيه، لا يهمه سوى مصالحه الشخصية، وبقائه في الحكم مدة أطول"، وهذا يعني:

1. الظلم يولد مختلف الاضطرابات وانعدم استقرار المجتمع.

2. استبداد الحاكم او الطبقة السياسية والمصلحية اهم أسباب حالة عدم الاستقرار الاجتماعي والنفسي.

وقد ينسحب استبداد الطبقة السياسية وفسادها الى مفاصل حيوية أخرى في الدولة، ويولد المزيد من المشاكل الاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية والعرقية، وبالتالي الى ضعف الشعوب وموتها، وهو ما أشار اليه المرجع الراحل بالقول: "المشاكل التي تعترض طريق تقدم البلاد الإسلامية، بما فيها المشاكل السياسية والاقتصادية، وأزمات الغذاء والسكن، ليست ناتجة عن قلة في الثروات أو زيادة السكان وما إلى ذلك، بل يرجع الكثير منها –إن لم نقل جميعها– إلى استبداد الحكومات الفاسدة المفسدة والأساليب الديكتاتورية التي تمارسها اتجاه الشعوب، فهذه الأساليب من الطبيعي أن تقود إلى أزمات ومشاكل جادة تودي بحياة الشعب، فيأتي البعض ليعالج النتيجة دون الالتفات إلى السبب، مختلقاً الحجج والتبريرات التي لا تصمد أمام الواقع".

الحرية والتحرر

اذا اتفقنا علی ان الواقع المزري الذي يعيشه المسلمون في ظل حكومات وأحزاب تدعي انتمائها الى الإسلام هو في الحقيقة مجرد وهم تحاول تلك الجهات او الحكومات زرعه في عقول الناس من اجل التغطية على جرائم العنف والاستبداد التي مارستها للوصول الى السلطة ومن ثم البقاء فيها أطول فترة ممكنة، وان السبب في ذلك هو الدكتاتورية او الميكافيلية التي قمعت حريات الناس وسلبت إرادة المواطن من اجل اخضاع المجتمع لطمع السلطة وفسادها اللامتناهي، وهذه السلطة الغاشمة لا تعترف بالأديان ولا تحترم الحقوق وان فعلت ذلك فهو مجرد غطاء سرعان ما يزول.

ومن بين أبرز ما تحاول الدكتاتورية استلابه من الانسان هو (الحرية) في التعبير عن رأيه من دون قيود او خوف، وكذلك (التحرر) من القيود التي تجعل الانسان اسيرا او مرتهنا لفكرة او انسان او عادة او معتقد غير منطقي، لأنها (الحرية والتحرر) ببساطة تهدد اركان الظلم والاستبداد وترتقي بالإنسان الى مستويات فكرية وروحية عليا، وهو بالضبط ما دعا اليه الدين الإسلامي الحنيف وباقي الأديان السماوية التي حاولت اخراج الانسان من الظلمات الى النور، وبناء مجتمعات استشارية قائمة على الحرية والتحرر، "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" الآية، حيث يلخص السيد الشيرازي هذا المعنى بالقول: "لقد جاء الإسلام ليخرج عباد الله من عبادة الناس الى عبادة الله، فالإسلام دين الحرية والتحرر".

ان محور الاديان السماوية هو الانسان ومصلحته، لذلك لا يمكن فصل الحرية عن الانسان او العكس، لكن ما يحاول فعله الفكر الاستبدادي هو خنق الحرية بحجج دينية لا تمت للأديان السماوية باي صلة من اجل القضاء على المجتمعات الاستشارية القائمة على الحرية والتي حاول الاسلام والاديان السماوية الاخرى بنائها من اجل عدم الاستئثار بالسلطة: "تقوم الأديان السماوية على مصلحة الإنسان، لذلك فإن للأديان وخصوصاً الإسلام القدرة على اقتلاع جذور الأفكار الضيقة المبنية على مصلحة القوم أو الفئة أو العرق أو اللغة أو الجغرافية، وبالدين تكونت أمم عامرة وقامت حضارات زاهرة".

تأصيل الحرية

لقد أصل الاسلام للحرية في ظل مجتمع استشاري بامتياز من خلال:

1. للإنسان الحرية الكاملة في التعبير عن الرأي من دون الخوف للتعرض للقمع او العنف "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" الاية.

2. للإنسان الحرية في تبني الرأي المعارض، اي المعارضة بمختلف اشكالها الفكرية والثقافية والسياسية "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين".

3. للإنسان الحرية في اعتناق اي فكرة او معتقد او طريق يراه مناسباً لحياته، فالحرية الشخصية للفرد مقدسة في الاسلام "وهديناه النجدين" الاية.

ويمكن القول ان الحرية التي حاول الإسلام زرعها في نفس الانسان الحر لا تقتصر على جانب دون الاخر، بل شملت الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والثقافية وغيرها، كما انها طبقت على ارض الواقع في زمن حكم النبي الاكرم (صل الله عليه واله وسلم) ولم تقتصر على التنظير فقط: "كان الإسلام سابقاً حضارةً قائمةً لا على المبدأ والتنظير فحسب، بل على التطبيق والإنجاز أيضاً".

ولعل من ابرز مصاديق الحرية التي سعى الإسلام الى تطبيقها على ارض الواقع هو تطبيق مبدأ الشورى في الحكم كبديل عن أي نوع من أنواع الاستبداد والدكتاتورية التي من شأنها القضاء على كل الحريات التي تنعم بها المجتمعات الاستشارية، خصوصاً اذا علمنا انها (الشورى) احد اركان الامن والأمان والاستقرار في المجتمع كما أشار اليها المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي: "لا يكفي للحاكم الإسلامي أن يطبق مبادئ الإسلام وقوانينه، بدون تطبيق مبدأ الشورى الذي هو ركن من أركان الحكم في الإسلام، ذلك لأن الناس عندما يرون أنه لم يطبق قانون الإسلام الذي هو الشورى، ينفضون من حوله، ثم يثورون عليه حتى إسقاطه"، مؤكداً: "إن عدم تطبيق الشورى يجعل الفاصلة بين الحاكم والمحكومين شاسعة وكبيرة، فيأخذ كل طرف بقذف الطرف الآخر، وهنا يبدأ الصراع، فيأخذ الحاكم الذي يسمي نفسه بالإسلامي بمهاجمة المسلمين وبقذفهم بمختلف أنواع التهم، ابتداءً من: ضد الثورة، أو ضد الحاكم، أو عملاء للاستعمار والأجنبي، وانتهاءً بأنهم رجعيون خرافيون، وأنهم كسالى عاطلون، إلى غير ذلك من التهم والافتراءات".

* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث/2002–2019Ⓒ
http://shrsc.com

اضف تعليق