لم تكن مشكلة دول الخليج يوما ما مشكلة خارجية، بل كانت مشكلة داخلية بامتياز؛ وقول اوباما في تصريحاته الأخيرة "إن أكبر تهديد أمني لدول الخليج السنية ليس إيران الشيعية وإنما سوء الحكم والتطرف في الداخل" لم يأت بشيء جديد؛ وإنما جاهر الرئيس -ولأول مرة-بالحقيقية فقط.

منذ نهايات سبعينيات القرن الماضي، بدأت شعوب الخليج تبحث عن حلول لأنظمتها السياسية، وتسعى إلى تغيير في إدارة تلك الأنظمة، وكانت الأنظمة الملكية والأميرية الحاكمة في دول الخليج تشعر بالحرج أمام تلك الرغبات الشعبية في الالتحاق بالعالم المتمدن المبني على أساس الديمقراطية والحرية والتعايش السلمي.

لكن من حسن حظ الأنظمة الوراثية أنها تحكم في دول نفطية غنية، فكان العامل الاقتصادي حاسما في تأخير رغبة التغيير السياسي لدى تلك الشعوب، فلا شك أن المحفزات الاقتصادية والأموال الكبيرة التي كنت تدخل تلك الدول كمداخل نفطية قد انعكس جزءا منها على مواطنيها من حيث السكن والصحة والتعليم والرفاهية. إذ نجحت دول الخليج العربية، الصغيرة نسبياً من حيث تعداد السكان، في التحول بسرعة من دول فقيرة إلى دول غنية تملك بنية تحتية حديثة ومدخول اقتصادي مرتفع، استطاعت بفضله أن تقدم لمواطنيها درجة عالية من الرفاهية، وأن توفر لهم الخدمات والاحتياجات الأساسية كالتعليم والمرافق العامة.

ومع ذلك فإن الأنظمة العائلية الحاكمة في الخليج وأجهزتها الإدارية والأمنية، كانت تدرك أكثر من غيرها أن توظيف عوائد النفط لتحديث بنيتها التحتية وتحقيق رفاهية لمواطنيها لن يصرف الانتباه عن الإصلاحات الضرورية لمواجهة تحديات المستقبل والحقائق الديمغرافية، وأنه لا مفر من ركوب موجة الإصلاح والتغيير السياسي عاجلا أم آجلا.

ولما كان قبول التغييرات السياسية ليس متاحا ولا سهلا لدى أفراد تلك الأسر الحاكمة، كان على أجهزة الأنظمة الخليجية أن تبحث عن فرص جديدة تتيح لها تأخير عملية الإصلاح الإداري والسياسي بضع سنين؛ ولم يكن أفضل من صناعة عدو خارجي وهمي مثل إيران بعد سقوط حكم الشاه كخطر الحقيقي يهدد الأمارات الخليجية؛ بل شعوب الخليج بأكملها في ظل الاختلافات الخليجية – الإيرانية، ودخول الغرب وأمريكا على خط الصراع بقوة..

الاتفاق الخليجي على هذا العدو أولا، وتشخيص أسباب العداء التاريخي ثانيا، وتهويل هذا الخطر على المستوى الإعلامي والسياسي والاقتصادي والدعم العربي والإسلامي والدولي لهذا العداء، كان كفيلا أيضا ليصرف نظر شعوب الخليج عن الإصلاح السياسي الذي تنشده؛ مع جرعة من تغييرات شكلية على أجهزتها الحكومية بما يعطي انطباعا أن هناك تغيير تدريجي في سياسيات تلك الأنظمة؛ ولكن هذا التغيير يظل مرهونا بالانتصار على العدو الخارجي الذي تمثله إيران.

اليوم، ومع الاتفاق النووي الإيراني- الأمريكي والأوربي يتبخر فجأة ذلك العدو الخارجي؛ لأنه وبكل بساطة ما كان يقال عن إيران بأنها عدو للخليج وشعوبها سقط مرة واحدة، وأصبحت إيران صديقا أو على الأقل شريكا للولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي هي لم تعد تمثل خطرا على أمريكا كما أنها لم تعد تمثل خطرا على الأنظمة السياسية الخليجية كما يراها السيد أوباما.

فقد أكد أوباما، أن الغضب الشعبي الذي يواجهه حلفاء واشنطن هو التهديد الحقيقي لهم وليس إيران. وقال أوباما لدى حلفائنا بعض التهديدات الداخلية:" السكان الذين يكونون في بعض الأحيان منعزلين، العاطلون عن العمل، وأيديولوجيا مدمرة ومهلكة، وفي بعض الحالات، مجرد الاعتقاد بأنه لا توجد مخارج سياسية مشروعة للمظالم".

وأضاف سنقول لحلفائنا: "كيف يمكننا أن نبني قدراتكم الدفاعية ضد التهديدات الخارجية" مستدركا وباستفاضة، "ولكن أيضا، كيف يمكننا أن نعزز الجسد السياسي في هذه البلدان، بحيث يشعر الشباب السّنة أن لديهم شيئا آخر سوى (داعش) للاختيار من بينه، هذا حوار صعب إجراؤه ولكن يجب علينا أن نجريه". وزاد أوباما، بأنه يأمل بإجراء حوار بين دول الخليج وإيرا!!.

بالمحصلة يريد أن يقول الرئيس أوباما لزعماء الخليج إن إجراء الإصلاح السياسي وتحقيق المشاركة الشعبية وتحسين حقوق الإنسان وفسح مجال الحرية الاجتماعية والسياسية والشخصية هي الخطر الحقيقي الذي كان ومازال يؤرق أصحاب السلطة والقرار في الإمارات الخليجية، وهي حقيقة يدركها الداني والقاصي، وتدركها شعوب الخليج قبل أن يدركها السيد أوباما، ولكنها ظلت مغيبة وستظل مغيبة ما لم تتوجه الأنظمة الخليجية إلى حلول واقعية للخروج من الأزمة.

هناك خيارات ثلاث كان قد طرحها النائب البحريني السابق مطر مطر بالخصوص التغيير السياسي في دول الخليج، وهي:

الأول: الا تقوم الحكومات الخليجية بفعل أي شيء؛ وهذا المسار سيجعل تكلفة التغيير أعلى وأصعب، وأمام هذا الخيار الجميع يخسر، وستخسر أيضا الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وكذلك العوائل الحاكمة وشعوب المنطقة -وهم الضحايا- أيضا.

الثاني: أن ينطلق التغيير من السعودية، وينتقل لبقية دول الخليج، لكن لا يبدو أن هذا الخيار وارد حيث يصعب على السعودية اتخاذ تغييرات كبيرة...

وأما الثالث: هو أن يبدأ التغيير في دولة صغيرة مثل البحرين لتشكل نموذج يساعد السعوديين وبقية دول الخليج على إنجاز تحول تدرجي يحمي مصالح الجميع، ولأن في البحرين يوجد قوى وطنية طرحت أفكار شجاعة لمواجهة المشكلات الاقتصادية والسياسية التي تتعرض لها دول الخليج..

وفي كل الأحوال فان التغيير السياسي في دول الخليج العربية آت لا محال، وأن العكازات التي تتعكز عليها الأنظمة الأميرية الخليجية بدأت تسقط الوحدة تلو الأخرى. وعلى دول الخليج أن تبدأ بالنقاش حول أهمية الإصلاحات السياسية بموازاة الإصلاحات الاقتصادية، إذ من المستحيل السير في الإصلاح الاقتصادي من دون الإصلاح السياسي لاسيما أن غالبية الخليجيين يتوقون لإصلاح الأنظمة لا إسقاطها. كما أن إصلاح المؤسسات الدستورية قد يكون مسألة شكلية ما لم يتم إصلاح المؤسسات غير الرسمية المتمثلة في نفوذ العوائل الحاكمة، وأن الأمن لا يكون فقط بمحاربة الإرهاب بل بالاهتمام بأوضاع حقوق الإنسان كأحد أركان الأمن.

فهل تستجيب الحكومات الخليجية لمطالب الإصلاح المشروعة بغض النظر عن دعاوي أوباما أو غيره، أم سوف تظل تواجه الملف الأطماع الإيرانية كمهدد خارجي وفي نفس الوقت تتنكر للتهديدات الداخلية الإصلاح السياسي واستيعاب الشباب وتمكينهم؟ وهل ستفلح في مواجهة التهديدين، وهل يمكنها مواجه إيران بدون الاستجابة لمطالب الإصلاح المشروعة؟ وهل نشهد تغييرات خليجية سلمية أم ثورة شعبية عارمة على أنظمتها في العاجل ام في المستقبل.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
http://mcsr.net

اضف تعليق