آراء وافكار - مقالات الكتاب

قناع مستعار

إن الأقوال لا تتحول الى أفعال، إلا في وسط الطبيعة التي تتبرعم من الحس المزروع في الفكر المنهجي الوطني، فإذا كان كل ما في السوق بضاعة رديئة، فربما تشتري الرديء وأن إعتقدته أفضل السيئين، وبذاك تغذي أفكارك صباح مساء بما يهدمها وينمي الكراهية، وتصنع منك عاجلاً أو آجلاً....

تُرتكب بحقنا أخطاء نفسية وفكرية في السياسية كما هي في التعليم، بإعتقاد أن الكتب الدراسية تطور الذكاء وتفتح العقل، كما يُصور أن كثرة إسقاطات مفاهيم السياسة، على أنها تنمي العقل سياسياً، أو تقنعه بآيديولوجيا معينة، فما بالك أن سقط علينا المشوه والمتناقض والمغلوط والرث؟!ّ كثيراً ما يجتهد الطالب قدر ما يمكنه لإختزان المعلومات، من الإبتدائية الى الشهادات العليا، فيبتلع مضمون الكتب، دون أن يشغل عقله ورأيه الشخصي، ويركز على الحفظ الذي يؤكد على الطاعة والقناعة بكل ما موجود.

وهكذا في السياسة تتقاذفه المعلومات من كل حدب وصوب بمواقع تواصل إجتماعي وقنوات وصحف، وحديث مجالس وفي سيارات النقل والأسواق، وكل ما يرده كقواعد المعادلات يحفظها على القلب، ويستنتج نتائج مشوهة، كون الحقائق مشوهة ومشوشة، ولكن كل منها ستعطي إنطباعاً بقدر ما نتيجة التأكيد والتكرار والعدوى من حديث المجموع.

لم تعد مفاهيم السياسة تعطي، سوى إيحاءات تقزز عنيف من البيئة، ورغبة بالخروج من الواقع، فالعامل لا يرغب أن يبقى عاملاً وكذلك الفلاح، والأغنياء يبحثون لأبنائهم وظائف يشترونها، ليصبحوا موظفين في الدولة، ولم يعد للجيل تفكير بالمستقبل ومواجهة الحياة، حتى تصوروا أن النجاح لا يتطلب جهداً، وهناك جيل من الناقمين والمستعدين للتمرد، من إسقاطات قوى تعتقد أنها قصة الإنجازات، وهي عاجزة عن تقديم مشروع أو مقترح دون وجودها في السلطة.

عندما يتسلم الفاشلون والساقطون والناقمون زمام المفاصل المهمة في الدولة والرأي العام، بدءاً من موظف مسؤول على موظفين بعدد الأصابع وإنتهاءً برؤوس السلطة وما يسمى صناع الرأي العام، والقطاع الخاص، وحينها يفكر كل منهم كم يستفيد منك ولا يُفيدك، وما يرددون كالببغاوات، مفردات لا تعني سوى خداعك، ولا ترفع من مستواك الفكري والأخلاقي والسياسي، وما عباراتهم سوى مقتنيات من قواميس الإستشارة، يؤخذ ما يصلح لمصالحهم، ولا هي مفردات تناسب حلولاً للحدث.

إن الأقوال لا تتحول الى أفعال، إلا في وسط الطبيعة التي تتبرعم من الحس المزروع في الفكر المنهجي الوطني، فإذا كان كل ما في السوق بضاعة رديئة، فربما تشتري الرديء وأن إعتقدته أفضل السيئين، وبذاك تغذي أفكارك صباح مساء بما يهدمها وينمي الكراهية، وتصنع منك عاجلاً أو آجلاً تركيبة جديدة مقعرة، لا تستقر فيها سوى العدوانية، وتخوض تجربة التشويه دون أن تعرف تفاصيل أضرارها عليك.

أُسقط علينا كثير من المفردات، التي صارت تتصدر عناوين الإعلام والمجالس، والحديث يدور في فلك المحاصصة والتوافق ومقاطعات سياسية، وأيقنا أنها واقع وإن كانت سلبية لكنها أفضل السيئين، وبنفس الوقت أفهمنا روادها بأنها سبب الخراب لكنهم يصرون عليها، ولم يتحدث أحد عن إيجابية بدونها تفكك وصراع في ظل تكالب، ولم يرسموا لمستقبل في مراحل إنتقال، فهم ينتقدونها ويعلمون أجيالاً على ترديدها وهو كاره لها ولهم وما أشاعوا، فهم يبتغون تحقيق غاياتهم، لا لأجل مشاركة الشارع في الرأي بنضج عقلي سياسي، إنهم يتحدثون ويقولون ما لا يفعلون، وإنهم يرتدون قناعاً مستعاراً على وجوه لطّخها عار الفساد، والهروب من تحمل المسؤولية بكل المفردات، الى حضن المصالح الشخصية والحزبية ومنها الخارجية.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق