العصفور الذي تخلص من قفص الاستبداد وحلق في سماء الحرية لن يعود لكي يرضى بالفتات، الأستاذ الناجح قد بنى في حملته الانتخابية الصامتة مجموعة من الأفكار التوجيهية الثورية مثل الكتلة التاريخية والحكم المحلي ومقاومة التطبيع وإعادة الاعتبار للأدوار الاجتماعية للدولة المدنية. كما أصر على فرض...

"العصفور الذي تخلص من قفص الاستبداد وحلق في سماء الحرية لن يعود لكي يرضى بالفتات"

تشير التقديرات الأولية التي قدمتها مؤسسات سبر الآراء وقبل الإعلان الرسمي عن النتائج من طرف الهيئة المستقل العليا للانتخابات إلى تقدم المرشح الثوري الأستاذ الجامعي قيس سعيد بنسبة تفوق السبعين في المائة من أصوات الناخبين والناخبات في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية التونسية سابقة لأوانها.

من المعلوم أن الأستاذ الناجح قد بنى في حملته الانتخابية الصامتة مجموعة من الأفكار التوجيهية الثورية مثل الكتلة التاريخية والحكم المحلي ومقاومة التطبيع وإعادة الاعتبار للأدوار الاجتماعية للدولة المدنية. كما أصر على فرض إرادة القوانين واحترام الدستور والتصدي للتهرب من العدالة وأكد على أهمية استمرارية مؤسسات الدولة في تقديم الخدمات العمومية للمواطنين على غرار الصحة والتعليم والشغل.

لقد ساندت القوى الثورية والمنظمات المهنية والأحزاب المحسوبة على تونس الجديدة المرشح قيس سعيد ولكن الفئة الاجتماعية التي حسمت الموقف ومثلت الخزان الانتخابي الداعم للأستاذ منذ الدور الأول هي الفئة الشابة وخاصة المتخرجين من الجامعة والمعطلين عن العمل والفصائل النشطة في الحركة الطلابية.

لقد رفض الأستاذ التمويل العمومي لحملته الانتخابية وكان زاهدا عن تلقي المساعدات واكتفى بجملة من التبرعات الرمزية من المجموعات المتطوعة التي قامت بالدعاية له منذ سنوات وجعلته يتصدر نوايا التصويت وفضل البقاء بعيدا عن وسائل الإعلام وقريبا من الناس واكتفى بتنظيم حوارات شعبية في المناطق الداخلية نظمها عدد من الجمعيات التي تنتمي إلى المجتمع المدني وابتعد بنفسه عن التجاذبات السياسية وأعلن في الكثير من المرات بقائه في وضع الاستقلالية وفسحه المجال للناس لكي يبلوروا بأنفسهم مبادراتهم التشريعية ويصوغوا مطالبهم وانتظاراتهم وينتخبوا ممثليهم بصيغة تشاركية للحكم.

لقد مثل صعود أستاذ القانون الدستوري المتقاعد إلى كرسي الرئاسة في تونس مفاجأة مدوية وحقق انتصارا ساحقا على الكثير من الوجوه المحسوبة على النظام القديم وعلى وجوه تنتمي للدولة العميقة وأعلن نهاية السيستام وتفكك المنظومة القديمة وقدم دفعا جديدا للمسار الثوري والانتقال الديمقراطي.

صحيح أن بعض القوى الديمقراطية المحسوبة على التيار الديني والقومي قد ساندت المرشح الثوري ولكن اليسار التونسي انقسم حوله فسانده البعض وهاجمه البض الآخر وبقي فريق ثالث في وضع الحياد ولكن الأهم من كل ذلك أن بعض المناضلين اللاسلطويين هم الذين ساندوه ووقفوا معه منذ الدور الأول.

لقد دافع الأستاذ في المناظرة التلفزية التي وقع تنظيمها لأول مرة في العالم العربي بينه وبين منافسه عن حرية التعبير وحرية التفكير وطال ببعث مؤسسة فداء تعتني بأسر الشهداء والجرحى ووعد ببعث مجلس أعلى للتربية والتعليم يعيد للتعليم دوره التربوي ونصح بتدريس الفلسفة للأطفال لوقايتهم من الإرهاب.

لقد كان الأستاذ المعبر عن لسان حال المضطهدين والثوار وظل وفيا للشهداء والجرحى الذين شاركوا في الانتفاضة الجماهيرية ضد الاستبداد ومنحه أكثر من ثلاث ملايين من الناخبين ثقتهم في الدور الثاني وبيّن أن شعار "الشعب يريد" الذي رفعه في حملته هو القاعدة الذهبية التي طبقها لكي يتمكن من قلب الطاولة على منافسيه وتجميع أكبر عدد ممكن من المستقلين والمثقفين والمتحزبين والإقلاع بتونس نحو الحرية. لكن هل يقدر الرئيس الفائز على السير بثبات بالجمهورية التونسية نحو التقدم والتنمية والتطور المنشود؟

* كاتب فلسفي

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق