q
تنزلق الدولة العراقية بسرعة نحو الزبائنية، لتكون في وقت واحد دولة مكونات هشة ذات طبيعة زبائنية، والزبائنية Clienteles مصطلح ذو نكهة سلبية يشير الى \"نظام اجتماعي وسياسي قائم على المحسوبية\"، وشراء الرضا بتقديم خدمات ومكاسب للجمهور، تقرب مما يمكن تسميته بالرشوة، وترتبط الزبائنية بالفساد السياسي...

تنزلق الدولة العراقية بسرعة نحو الزبائنية، لتكون في وقت واحد دولة مكونات هشة ذات طبيعة زبائنية، والزبائنية Clienteles مصطلح ذو نكهة سلبية يشير الى "نظام اجتماعي وسياسي قائم على المحسوبية"، وشراء الرضا بتقديم خدمات ومكاسب للجمهور، تقرب مما يمكن تسميته بالرشوة. وترتبط الزبائنية بالفساد السياسي والإداري وعرقلة مؤسسات الدولة ومخالفة القيم الديمقراطية الحديثة.

في وقت شبه متزامن اتخذ البرلمان والحكومة قرارات متسرعة بهدف ارضاء الجمهمور وذلك بفتح ابواب التوظيف الحكومي بدون حساب المردودات السياسية والاقتصادية لهذه القرارات، بما في ذلك ارجاع عناصر الشرطة الاتحادية الهاربين او تحويل الاجراء اليوميين او المتعاقدين الى الملاك الدائم.

وبلا شك ان الكاتب يسعده حصول المواطن العراقي على عمل دائم يحفظ كرامته الشخصية. لكن ينبغي النظر للمسالة كما في غيرها من منظور اوسع يتعامل مع الدولة ككيان متكامل ومترابط، من زاوية علمية وموضوعية، وليس بدافع التسابق على كسب الجمهور.

ويأتي اتخاذ هذه القرارات فيما يعاني العراق من ظاهرتين سلبيتين هما: البطالة وتضخم الجهاز الوظيفي للدولة. وهما ظاهرتان تضربان امال التقدم الاجتماعي بالصميم.

يتصور البرلمان والحكومة انه بقراراتهما موضوع الحديث سوف يساعدان على حل مشكلة البطالة في العراق، دون ان يلتفتا الى المضاعفات السلبية لزيادة عدد الموظفين الحكوميين بدون مراعاة الحاجة الفعلية وحساب الجدوى.

ليس سرا ان الدولة العراقية احدى الدول التي تملك عددا من الموظفين الحكوميين اكبر كثيرا مما لدى الدول المماثلة. ولا يشكل هذا عبئا على الدولة فقط، انما ينطوي مضاعفات اجتماعية وسياسية خطيرة ايضا.

ويكشف هذا التسرع في اتخاذ القرارات الخطيرة عن قلة خبرة عملية وسطحية معرفة نظرية بهذه المواضيع.

ان تحويل الجزء الاعظم من القوى البشرية العاملة الى موظفين حكوميين يقضي على امال تشكّل مجتمع مدني مستقل وطبقة وسطى فاعلة يشكلان معا البنية التحتية لقيام ديمقراطية فعالة.

لا نقاش في ان من وظائف الدولة تيسير حصول المواطن على فرص عمل مناسبة. وصحيح ان الشاب والشابة يتوقعان الحصول على عمل وراتب منتظم فور تخرجهما من الجامعة مثلا.

لكن ذلك لا يتم عن طرق زج العدد الكبير من الموظفين في جهاز الدولة بدون حساب لان ذلك يؤدي ببساطة الى خلق بطالة مقنعة في دوائر الدولة.

معالجة الامر تتطلب اولا ضبط مخرجات الجامعات، والحد من اللاتخطيط في القبول بالجامعات. وهذه هي ربما تكون وظيفة وزارة التخطيط.

ويتطلب ثانيا تشجيع القوى العاملة من الشباب للتوجه نحو القطاع الخاص. وهذا يتطلب قيام الدولة بتشجيع ودعم القطاع الخاص.

ويتطلب ثالثا، وهذا هو الاهم، مساعدة الشباب في تكوين مشاريعهم الصغيرة الخاصة بهم سواء في الزراعة او الصناعة او التربية الحيوانية او قطاع الخدمات الخ. وهنا تاتي ضرورة تسهيل مساهمة المصارف ذات العلاقة وخاصة المصرف الصناعي والمصرف الزراعي وغيرها ان وجدت في مساعدة الشباب وتقديم القروض الميسرة لهم وبقية اشكال الدعم المطلوب.

وليس سرا ان الدولة الزبائنية الهشة ليس بمقدورها القيام بشيء ذي بال في هذه المجالات الثلاثة، ولذلك ليس عندنا ما نقوله عن جهد مبذول على هذا الصعيد.

وهذا يتطلب تغييرا جذريا في عقل الدولة والقواعد الحاكمة على تصرفاتها.

ان الطبقة السياسية الراهنة الماسكة بازمة البرلمان والحكومة تواصل تخريبها لدولة المكونات التي اقامتها بعد سقوط النظام الدكتاتوري، على عكس ما كان منتظرا ومتوقعا منها وهو بناء دولة حضارية حديثة على اساس المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق