لا تزال الالغام قابلة للانفجار بين طرفي النزاع في السودان قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري اللذان توصلا لاتفاق بشأن بعض المسائل الخلافية بينهما، ويأتي ذلك وسط ترقب للجلسة المخصصة للتصديق على الإعلان الدستوري، في ظل استمرار الخلافات بشأن المجلس التشريعي وصلاحيات الهيئات الانتقالية....

لا تزال الالغام قابلة للانفجار بين طرفي النزاع في السودان قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري اللذان توصلا لاتفاق بشأن بعض المسائل الخلافية بينهما، ويأتي ذلك وسط ترقب لجلسة يوم الجمعة المخصصة للتصديق على الإعلان الدستوري، في ظل استمرار الخلافات بشأن المجلس التشريعي وصلاحيات الهيئات الانتقالية.

وبموجب اتفاق تقاسم السلطة الذي تم التوصل إليه في وقت سابق هذا الشهر، وافق الطرفان على الاشتراك في إدارة البلاد من خلال مجلس سيادي في فترة انتقالية تزيد قليلا على ثلاث سنوات.

الجبهة الثورية التي تضم حركات مسلحة ضمن قوى الحرية والتغيير كانت أول المنتقدين، وتبرأت من الاتفاق باعتبار أن الوساطة وطرفي الاتفاق لم ينتظروا حتى تضمين قضايا الحرب والسلام التي يجري النقاش حولها بأديس أبابا بين الجبهة وقوى الحرية والتغيير.

الخلافات حول نقطة الحصانة لم تكن وليدة اليوم فقد ابدى تجمع المهنين تحفظه على ذات النقطة، هذه الاعتراضات حول منح المجلس العسكري الحصانة المطلقة جاء على خلفية الاساليب التي اتبعها خلال فض الاعتصامات، وهو يريد من الحصانة الحماية الكاملة وعدم المسائلة فيما يتصرف.

الاعتراضات كذلك لم تتمحور حول الحصانة فحسب بل شملت حقوق المرأة في الحكومة المرتقبة والمجلس السيادي وغيرها من الامور التي تهم بالدرجة الاساس الشارع السوداني.

قوى الحرية والتغيير تريد من تلك المماطلات هو الوصول نحو رؤية شاملة لا يوجد فيها ثغرات تنعكس بصورة سلبية في المستقبل، لا سيما وانها هي الجهة التي تحمل التخويل من قبل الشارع السوداني وعلى وجه الخصوص الحراك الشعبي.

المجلس العسكري نراه متمسكا بهذا الخيار وعالاقل في المرحلة الانتقالية، تُرى مالذي يتخوف منه؟، الاجابة لا تحتاج الى ذكاء مفرط فمن البديهي بما ان الجيش هو تشكيل دستوري ويحمل غطاء قانوني فمن الطبيعي ان تكون له حصانة تجعل منه سلطة قادرة على تمشية الامور في الجوانب المختلفة المتعلة بأدارة مؤسسات الدولة حتى من تطلب الامر التدخل العسكري واجراء الاعتقالات بحق المتمردين على القانون وهو ما يفسر ذلك التمسك.

قوى الحرية والتغيير تعيش تباينات كبيرة برزت للسطح بصورة واضحة وهو امر طبيعي جدا طالما هي متكونة من تيارات متعددة وبالنتيجة عليها ان توحد خطابها وتحديد اهدافها التي تريد تحقيقها واطلقت الحراك من اجلها.

الشعب السوداني الذي خرج ثائرا على ما اصبحت عليه البلاد اليوم يأمل الاسراع في حسم الخلافات بين الجبهات المختلفة وترك المزايدات التي من شأنها تضاعف معاناتهم وترهق كواهلم، والانشغال بتقاسم السلطة واكتساب المغانم السياسية، فالشعب يريد من الفترة الانتقالية ان تكون الفترة الممهدة للاتجاه نحو صناديق الاقتراع.

التركيز على عدم منح المجلس العسكري الحصانة المطلقة يعكس مدى التشكيك من قبل قوى الحرية والتغيير بنوايا المجلس في التشبث بالسلطة ومن ثم اعطاء مبرارات على حراجة المرحلة التي تستوجب بقاء حكم العسكر كغيره من البلدان، مستنسخين بذلك التجربة المصرية التي بقيت النزعة العسكرية هي المسيطرة على تقاليد الحكم وضربت بجذورها باعماق الدولة، مع اجراء تعديلات دستورية سمحت بموجبها الاستمرار في ادارة المؤسسات الحكومية بعيدا عن الاجراءات الديمقراطية المتبعة في بلدان العالم.

المجلس العسكري في تصريحات سابقة وعد بتشكيل لجنة لمحاسبة المعتدين على المواطنين والتجاوز على الحريات وقمع الجماهير الثائرة من اجل الحرية والعيش الكريم، بينما اصابع الاتهام تتجه صوبه ولا توجد الادلة الكافية على عزمه في احقاق الحق واعادة الامور الى نصابها.

يأتي من ضمن مطالب قوى الحرية والتغيير ايضا حل قوة الدعم السريع وادماجها مع القوات المسلحة. في حين ينظر المجلس العسكري لقوة الدعم السريع على انها قوة محايدة ساهمت وبشكل كبير في اعادة الهدوء الى البلاد ابان الاحداث المتكررة في مناطق مختلفة.

اذا كانت التجاوزات مرصودة وهنالك اجماع على محاسبة القائمين بها فلماذا التخوف من قوات الدعم السريع واصبحت تشكل احدى النقاط الخلافية على طاولة الحوار؟، تلك الاصوات التي تنادي بها قوى الحرية والتغيير ربما تكون للضغط بأتجاه الحصول على المزيد من المكتسبات في ظل الازمة الراهنة واخضاع المجلس العسكري للارادة الشعبية الممزوجة بأرادات شخصية على المواقع السيادية في السلطة.

قوى الحرية والتغيير تبدي تخوفها من الطريقة التي فضت بها الاعتصامات ولاتوجد طمأنينة من عدم استمرار هذا الاسلوب في الايام القادمة وما يرجح ذلك الاحتمال هو القتال المستميت من قبل المجلس العسكري للحصول على الحصانة المطلقة التي يعتبرها الغطاء الشرعي لممارسة الافعال التي يرى الهدف منها اعادة السكينة لبعض المدن المنتفضة، بينما توجد نظرة معاكسة تماما للقوى الشعبية التي تقول ان الغرض الاساس من الحصانة هو لتعميق الحكم الجائر القائم على البطش والدمار وقتل الابرياء والتفرد بالسلطة من قبل ثلة قليلة، يقابل ذلك تهميش لشرائح واسعة من الشعب وهو ما لا يرضيهم على الاطلاق.

الكرة الآن في ملعب قوة الحرية والتغيير واذا ارادت بالبلاد خيرا عليها ان تخفظ من سقف المطاليب وتسوية الخلافات في الجبهة الداخلية لجعل العجلة السياسية في البلاد تتجه نحو التقدم والابتعاد عن اللغة العدوانية التي اتسمت بها الكثير من اللقاءات النقاشية.

اضف تعليق