واجه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ثلاثة خيارات ارتبطت بتوجهاته في تشكيل الحكومة التي نالت الثقة لنصف وزراءها. أولها: مساكنة الأحزاب والقوى السياسية والتعايش معها في مراعاة تمثيل مصالح تلك القوى سواء في تشكيل الحكومة أو في تطبيق برنامجه الحكومي وعمله التنفيذي بكل مفاصله بما...

واجه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ثلاثة خيارات ارتبطت بتوجهاته في تشكيل الحكومة التي نالت الثقة لنصف وزراءها.

أولها: مساكنة الأحزاب والقوى السياسية والتعايش معها في مراعاة تمثيل مصالح تلك القوى سواء في تشكيل الحكومة أو في تطبيق برنامجه الحكومي وعمله التنفيذي بكل مفاصله بما يعيق إمكانية تحقيق متطلبات التنمية والإصلاح.

وثانيها: خيار الإصلاح والإضطلاع بتحييد ضغوطات الأحزاب والجماعات السياسية ومصالحها، وبالتالي مواجهة تحديات وعقبات وعراقيل صعبة ومعقدة أمام حكومته.

أما الخيار الثالث: يتمثل بالحفاظ على التوازن بين رغبات الكتل السياسية ورغبات القوى الشعبية المتطلعة للإصلاح.

بالإمكان معرفة خيار عادل عبد المهدي أي طريق سيتجه؟، وذلك عبر خارطة توزيع الحقائب الوزارية، هل ستكون الكابينة كاملة أم لا؟، وهل سيسرع بتقديم تلك الكابينة من خارج مستوطنات الكتل السياسية رغم توقعه عدم منحها الثقة؟، أم سيرشح وزراء بشكل مختلط من الأحزاب والمستقلين؟

تقديم كابينة كاملة دون تأخير، ومن خارج الكتل السياسية يعطي مؤشرا واضحا على اختياره طريق الإصلاح وتبينه خيار الشارع العراقي، أما إذا أقدم على تقديم حكومة تتألف من وزراء من داخل الأحزاب وبقاء عددٍ منها شاغرة أو بالوكالة سيؤشر تبنيه خيار التعايش والمساكنة مع الكتل السياسية بما يرجح اضطراره لتمثيل مصالح تلك الكتل.

وفي حال تقديم كابينة وزارية تمثل خليطا من مرشحي الكتل السياسية من جهة ومرشحين مستقلين (بالحد الأدنى) ضمن خياراته وقناعاته الذاتية فهذا يؤشر إتخاذه قرار مراعاة مصالح الجميع: الكتل السياسية والشارع العراقي والموازنة فيما بينهما.

من خلال الإطلاع على أسماء الكابينة الوزارية التي تم التصويت على جزء منها، والسير الذاتية وعلاقة تلك الأسماء بالكتل السياسية، اتضح أن تنازل تلك الكتل عن استحقاقها الانتخابي في إعطاء الحرية لإختيار الوزراء من قبل عادل عبد المهدي مجرد شعارات، واتضح أيضا إصرار الكتل على فرض مرشحيها في الكابينة الوزارية، وهذا ما يؤشر إختيار رئيس الوزراء الطريق الأول وهو مساكنة الكتل السياسية، لكن إلى أي مدى سينجح بمراعاة وتمثيل المصالح السياسية في ظل وجود مطالب وإستحقاقات شعبية؟

لا يعطي الإنطباع الأولي أنه سينجح بسهولة، إذ سيعاني من عملية خذلان سياسية متتالية تقوم بها بعض الأطراف خاصة من منحته التنازلات للمراهنة على فشله، وقد يتعرض من أقرب المقربين منه لإختبار الثقة والمصداقية التي يحتاج لها في بداية مشواره الحكومي لدعمه في تطبيق برنامجه ورؤيته الإصلاحية.

وأهم إختبار للمصداقية ينطلق من التساؤل التالي: هل ستعمل الأحزاب والقوى السياسية داخل مجلس النواب على إنجاح تطبيق المنهاج الوزاري لحكومته أم لا؟

من خلال جلسة منح الثقة للتشكيلة الحكومية والتحفظ على بعض الأسماء والتصويت على نصف الكابينة، كل ذلك سيشكل مادة دسمة للجدل السياسي الذي ستستغله الأطراف المناوئة للإستقرار السياسي في العراق لتوجيه سهامها لشخص رئيس الوزراء، كما سيشكل ذلك إعطاء فرصة لمن اُجبر على تكليف عادل عبد المهدي للتشفي والتطير بفشله وفقا لهامش المناورة الضيق الذي يواجههُ في ظل سيناريو رفض شخصيات والتحفظ عليها وقبول أخرى الدخول إلى التشكيلة الحكومية، مما ينعكس على التفاهمات والأداء الإنجازي للحكومة.

إذ شهدت جلسة منح الثقة تناقضا كبيرا عندما نقارن الهرولة التي طبعت توجهات بعض الساسة لدعم تكليف عادل عبد المهدي في بداية الأمر والتحفظ الذي قد ميز مواقفهم إتجاه منح الثقة لحكومته أو لبعض وزراءه.

كما أن التأخر في إعلان ملامح الخارطة الوزارية وعدم الكشف عن مسار المفاوضات وتسمية الشخصيات وطريقة الترشيح الإلكتروني التي قدم عليها الالاف من الكفاءات والتي لم تكن إلا واجهة دعائية، تشير بأن السيد رئيس الوزراء سيواجه واقع سياسي معقد، إذ كان من الأفضل أن يأخذ وقته ليتعامل مع هذه الإشكاليات الحساسة مع القوى السياسية بمهنية وجدية لإقناعها بضرورة مصالح القوى الشعبية وتقديم كابينة كفوءة ورصينة، لأن الأمر يتعلق بأختيار شخصيات وزارية يكون على عاتقها خدمة الصالح العام، لكنه أضطر إلى المساكنة وإرضاء الكتل السياسية. هذه المساكنة الإضطرارية تقدم للرأي العام انطباع حول الجدل الحاصل في الأوساط السياسية، والذي قد يؤشر علامات ضعف وأزمة بين رئيس الوزراء ومجلس النواب في هذه الدورة التي ستتجسد بالضغط المتبادل لفتح ملفات فساد أو سوء إدارة أو مؤشرات نزاهة ومساءلة وعدالة لكل طرف ضد الطرف الآخر؛ لأنها كانت حكومة توافق بالحد الأدنى.

وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى أن الخلافات السياسية بين عادل عبد المهدي والكتل السياسية في صياغة التشكيلة الحكومية الجديدة، فرضت سيناريو بأن تلك الكتل استغلت الفترة الصعبة التي مر بها السيد رئيس الوزراء وفرضوا مقربيهم في الكابينة الحكومية، وقد يفرضون كذلك ذويهم وتابعيهم في المناصب الحساسة الأخرى؛ لإحتواء أي مقبولية شعبية ودعم مرجعي متوقع بالمقارنة مع تدني شعبية الأحزاب والكتل السياسية.

في المقابل، يمكن القول: سيناريو جلسة منح الثقة، ستجبر رئيس الوزراء عادل عبد المهدي البحث عن توازنات سياسية داخل الحكومة والإنشعال بذلك على حساب تطبيق برنامجه الإصلاحي. رغم أنه يهدف أن يكون حكمه تجسيدا لمقاربة سياسية تجمع بين مزايا الإصلاح الشعبي وخصال الدعم الحزبي من البرلمان حتى ينجح، لكن يبدو هذا لم ينجح فهو اضطر قبول شخصيات نافدة في المشهد الحزبي لتمنحه غطاءً سياسيا يضاف إلى آلته التنفيذية، لكنه في الوقت ذاته يحتاج الأستعانة بشخصيات مستقلة وكفوءة تساعده في مواجهة الاستحقاقات المقبلة وإحتواء المطالب الشعبية، وهذا لم يحصل في جلسة منح الثقة ولن يحصل في التصويت على باقي الكابينة.

كيفما كانت الأسباب التي تقف وراء هذه الإشكاليات التي حصلت بجلسة منح الثقة للحكومة، فإنها تعكس بحسب الأوضاع نوعية الصعوبات التي بدأ عبد المهدي يواجهها، وتكشف هشاشة القاعدة السياسية التي تدعمه بالرغم من وجود أغلبية ساحقة في البرلمان أيدت تكليفه، ويؤشر أيضا إلى أن سحر البداية الذي أحاط بأجواء تكليفه سيتبخر لاحقا وسيفقده من القدرة على الاستقطاب الحزبي إذا لم يؤمن مصالح الأحزاب، والذي سيؤثر على النجاح في تطبيق برنامجه ورؤيته في رئاسة الحكومة، مما يؤثر سلبا على الاستقطاب الشعبي.

كان من المؤمل تقديم كابينة وزارية من الكفاءات والمستقلين؛ ليكون هنالك أمل في الإصلاح، لكن تصلب الكتل في إقصاء المستقلين والنخب والكفاءات لتكريس بقائها وإعادة أنتاج نفسها لن يدر إلا مزيدا من التراجع وصناعة الأزمات، وحجب الأفق عن أي نجاح محتمل، فاصرار الكتل السياسية تفضيل الولاء والقرابة على الكفاءة خطأ قاتل، والعودة إلى تسنيم الوزارات ضمن دائرة مغلقة من الأشخاص المحسوبين على الأحزاب، سيكونون غير مستعدين وغير راغبين في القيام باختيارات صعبة وهذا سيغذي المحسوبية وضعف الرقابة، وهما أمران يمكن أن يكونا خطراً على الديمقراطية.

إن المحاصصة السياسية إستراتيجية مألوفة عند الكتل السياسية في العراق، من أجل إحكام القبضة على السلطة، ولهذا تعمل على استمرار غياب الديمقراطية وعدم تجديد وصناعة النخب الوطنية، الأمر الذي يتنافى مع المطالبة بالإصلاح الذي لن يتحقق إلا بالإعتماد على المنطق الحداثي لإسناد الوزارات والمناصب العليا والمسؤوليات والمهام للكفاءات، وليس على أساس الهويات والإنتماءات السياسية.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق