تشهد الساحة اليمنية تطورات ذات أبعاد سياسية مختلفة منذ إندلاع الأزمة الخليجية غير المسبوقة بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، حيث باتت اليمن صورة معكوسة من صور الصراع بين أطراف الأزمة الخليجية عبر الأحزاب والمجموعات اليمنية ذاتها. فبعد أن حاولت المملكة العربية...

تشهد الساحة اليمنية تطورات ذات أبعاد سياسية مختلفة منذ إندلاع الأزمة الخليجية غير المسبوقة بين قطر من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى، حيث باتت اليمن صورة معكوسة من صور الصراع بين أطراف الأزمة الخليجية عبر الأحزاب والمجموعات اليمنية ذاتها.

فبعد أن حاولت المملكة العربية السعودية الدولة الأكثر نفوذا في مجلس التعاون الخليجي تصدير نفسها على أنها تقود جبهة عربية وإقليمية، جعلت دولة قطر تقف ضد إيران خصمها الإقليمي النافذ عبر مجموعات ودول، منذ تصدر جماعة أنصار الله (الحوثيين) المشهد السياسي اليمني بعد الإطاحة بنظام الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في منتصف العام 2011.

يقابل هذه المجموعة أحزاب وحركات أخرى، دعمتها السعودية مالياً وعسكرياً في محاولة منها لإستعمالها كتكتلات بشرية تمتلك حضوراً سياسياً ومليشياوياً في اليمن، هذه القوى ذات توجهات إيديولوجية ترتهن بقوى إقليمية ودولية، فما أن إندلعت الأزمة الأخيرة بين قطر من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى حتى بدأت الساحة السياسية اليمنية بإفرازات جديدة، خصوصاً بعد إعلان دول التحالف العربي الذي يشن حربا كارثية بالمقاييس الإنسانية ضد الشعب اليمني بقيادة السعودية في إنهاء مشاركة قطر في التحالف، حيث يُتوقع في حال استمرار الأزمة الراهنة وعدم التوصل إلى حل بشأنها أن تلجأ الدوحة إلى الرد على الإجراءات التصعيدية ضدها من جانب دول المقاطعة، وذلك عبر حلفائها في مناطق الصراعات التي تؤثر على مصالح هذه الدول.

وبالرغم من أن الدور القطري في اليمن لم يكن وليد لحظة الإنسحاب من التحالف السعودي ضد اليمن، وإنما يمتد إلى سنوات تدخلها بالوساطة بحروب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح (الستة) ضد (الحوثيين) في محافظة صعدة بين عامي 2004 و2010، حيث إستطاعت الدوحة أن تلعب دوراً بارزاً في هذا السياق، وتمكنت من نسج علاقات قوية بين أطراف الصراع في اليمن أبان هذه الفترة، إلى جانب وقوفها بقوة مع التجمعات الإسلامية التي استغلت حراك الربيع العربي في عام 2011، ومن ضمن تلك الجماعات حزب التجمع اليمني للإصلاح وهو الفرع اليمني من الإخوان المسلمين، وبهذا يشير المراقبون إلى أن قطر سعت منذ سقوط نظام علي صالح إلى زيادة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في اليمن عبر ممثلها حزب التجمع اليمني للإصلاح، وقدمت للحزب الدعم المالي واللوجيستي، وكان لها دور في وصول قياداته لأعلى المناصب في الدولة اليمنية، مثل نائب رئيس الجمهورية علي محسن الأحمر، فضلاً عن وجود عدد من وزراء التجمع اليمني للإصلاح في حكومة الرئيس عبد ربه منصور.

كما حرصت الدوحة على التواصل المستمر مع قيادات الإصلاح في اليمن، وعقدت لقاءات معهم من أجل الحفاظ على مصالحها في اليمن، استغلت قطر علاقاتها مع حزب التجمع اليمني للإصلاح من أجل تعزيز وجودها في جنوب اليمن، وبناء شبكة تحالفات أمنية تابعة لها هناك، بحيث تُمكنها من منافسة دول التحالف في الجنوب، تعود قطر بعد خلافها مع السعودية والإمارات بالضغط من جديد على حلفائها اليمنيين بعد إشتعال اليمن بالحرب الأهلية منذ العام 2014، التي افتعلتها السعودية أثر وقوفها سياسياً وحربياً مع جماعات كثيرة من ضمنها حزب التجمع اليمني للإصلاح فضلا عن جماعة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، من أجل أن تضمن لها نفوذا سياسيا بعيدا عن هيمنة السعودية والإمارات، ومن ملامح هذه الضغوط هو تحييد حزب الإصلاح والشروع بعقد اتفاق مع جماعة أنصار الله (الحوثيين) على إدارة الدولة، وبقدر ما يقوي جبهة الحوثيين ضد خصومهم المحليين من أنصار الرئيس عبد ربه منصور والقاعدة وغيرهم فأنه يوازن بالقوى بين المعسكر السعودي - الإماراتي من جهة، والمعسكر الإيراني - القطري من جهة أخرى، خاصة وأن التواجد السياسي والحزبي من الشمال اليمني إلى العاصمة صنعاء يتمركز فيه قوى جماعة أنصار الله (الحوثيين) وحزب المؤتمر الشعبي اللذان لا تزال إيران، إضافة إلى دور القبائل اليمنية هناك ضابطة لإيقاع التفاهم السياسي فيما بينهم برغم مقتل زعيم حزب المؤتمر الشعبي من قبل جماعة الحوثي، إذ تدرك القوى المتصارعة المحلية والإقليمية مدى قرب بعض القيادات كأحمد نجل علي عبد الله صالح من التوجه الخليجي وبالتحديد الإمارات.

في حين تزداد حدة الصراع في الجنوب اليمني الذي يشهد منذ فترة إنقسام سياسي وأمني بين القوى الرئيسة كالفصائل المسلحة الموالية للرئيس اليميني عبد ربه هادي والحراك الجنوبي إلى جانب حضور حزب التجمع اليمني للإصلاح هناك، وهذا الإنقسام الجنوبي يزيد على المحور الخليجي بقيادة السعودية الإرباك في ضوء ما يسجل عليها أمميا ودوليا من إنتهاك لحقوق الإنسان بفعل القصف الجوي، وإنتشار المجاعة، والأمراض، التي أصابت مئات الأطفال في ظل تعثر حربها من تحقيق أهدافها المعلنة لغاية الآن.

وفي ضوء ذلك قد تشهد الساحة اليمنية ما يلي:

1- إتفاق بين حزب الإصلاح الإخواني مع جماعة أنصار الله الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي في صنعاء قد يغير موازين القوى لصالح القوى الرافضة لحكومة عبد ربه منصور هادي والقوات الساندة له.

2- تصاعد التذمر الجنوبي ضد حكومة عبد ربه منصور وفي ظل خلافهم مع الحوثيين قد يدفع بالجنوبيين إلى إعلان إستقلال الجنوب رسميا عن الشمال.

3- قد تقود الخلافات الداخلية المشار إليها إلى الإسراع بإنهاء الحرب من قبل التحالف الذي تقوده السعودية لأسباب يمنية داخلية وأخرى من جراء الضغط الدولي، وهنا قد يكون اليمن أمام سيناريوهين: إما استمرار الحرب الأهلية الداخلية أو توصل الأطراف المختلفة ومن ضمنها جماعة أنصار الله الحوثيين إلى عملية سياسية توافقية تجمع كل الأطراف، خاصة تلك التي تؤمن باليمن الموحد كحزب الإصلاح الإخواني.

4- بقدر عجز السعودية عن تحقيق إنجاز عسكري لصالح معسكرها اليمني الداخلي المتشتت لحد الآن فإن هذا مؤشر على أن السياسة الخارجية التي تتبعها السعودية منذ صعود محمد بن سلمان إلى السلطة على المستوى الإقليمي فشلت في سوريا كما أنها اليوم تفشل في اليمن.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/2001–2018Ⓒ
http://mcsr.net

اضف تعليق