حتمية الصراع والمواجهة ما بين المنتصرين قائمة لتوافر جميع شروطها فالسلاح موجود والدعم موجود والاحتفاظ بالأرض موجود والاعلام موجود وجميعها مخاطر متوافرة بالرغم من سعي الحكومة العراقية لاحتواء الموقع عبر استيعاب اعداد من المقاتلين ضمن تشكيلاتها الرسمية ووضع ضوابط مالية وقانونية لهيئة الحشد الشعبي...

في كثير من الاحيان تستعين الدولة بالجهد الشعبي في مواجهة خطر مُحدق وتتجلى تلك الاستعانة بحسب طبيعة واهمية الخطر القادم، وفي العادة تلجأ لهذا الاسلوب بقصد مواجهة شيء فوق امكانيتها او حتى لاستنفاذ مجهودها دون علاج الحالة او لربما بهدف سياسي بغرض التحشيد ضد جهات معارضة او ما سواها، وتتوزع هذه المخاطر فمنها الطبيعي كالفيضانات والاعاصير والبراكين وما سواها، ومنها بفعل مؤثر ما كالحروب التي تشنها دول ضد اخرى او الانقلابات خارج المألوف او الثورات المضادة او مواجهة عدو داخلي ذات قدرة اختراقية تهدد كيان ووجود الدولة وغيرها من الامور.

وفي ضوء ما تقدم، فان العراق في عام 2014 تعرض لهجمة شرسة يقودها عدو داخلي مدعوم خارجياً يحمل افكاراً هدامة الغرض منها ازالة شيء اسمه الدولة والتعويض عنها بكيان جديد مستعيناً بمفاهيم واحاديث ودلالات تاريخية يسوغها لإقناع الجمهور بها وحث المسلمين بالهجرة اليها، وبعد ازدراء الخطر ووصوله لقلب العراق واحاطته بالعاصمة بغداد مع انهيار شبه تام للمنظومة العسكرية والمؤسسات الامنية فضلاً عن انهيار المعنويات لدى المقاتل والمواطن على حد سواء لم يتبقى لدى الدولة سوى المجهود الشعبي والذي تعزز عبر فتوى المرجعية الشيعية بضرورة التطوع في الاجهزة الامنية لدفع الخطر القادم قدر المستطاع.

وبالتالي توافقت الرؤى ما بين دولة تبحث عن جهد شعبي لإنقاذ المتبقي وما بين مرجعية اوجبت على المواطن القادر على حمل السلاح بالدفاع عن الوطن وهنا تكاملت الرؤى، وبالرغم من انهيار المؤسسة الامنية وانها غير قادرة على استيعاب وتدريب وتجهيز المتطوعون فقد انبرى بعض الفصائل للمهمة واحتوت اغلب العناصر الجيدة ضمن تشكيل اطلق عليه الحشد الشعبي وصدر له قانون في 2016 ويتبع لرئاسة الوزراء وبالتعاون مع جميع القوات الامنية تم تحرير العراق نهائياً من الوجود العسكري لتنظيم داعش الارهابي.

وبعد تحقق النصر تصدرت ولا زالت تتصدر مخاوف عدة من احتمالية صراع نفوذ للحصول على المكاسب وفي هذه المرة ما بين المنتصرين أنفسهم وهو ما يخشاه البعض او فعلاً حصلت حوادث تنذر بهكذا احتمال، فبعض الفصائل التي قاتلت داعش هي خارج سلطة الدولة وخارج منظومة هيئة الحشد الشعبي وبالتالي صعوبة في السيطرة عليها لا سيما انها تمتلك اسلحة ومعدات اضافة الى كونها تسيطر على اراضي شاسعة استعادتها من تنظيم داعش ولا زالت تحتفظ بها، وهناك مجاميع تتخذ من العراق منطلق لمعاداة دولة الجوار وايضاً شاركت في قتال داعش كما هو حال حزب العمال الكردستاني والذي يسيطر الى الان على مدينة سنجار في اطراف الموصل، وهناك الحشد العشائري وهم ذات اغلبية سنية انبروا للدفاع عن مدنهم ويشكلون حضور قوي في المناطق السنية ودخلوا في تنافس مع العائدون او القادة التقليديون، اضافة الى الكرد والذين يبحثون عن سيطرة على كركوك والمتنازع عليها والاخطر من كل ذلك الفصائل الشيعية التي قاتلت وانتصرت واغلبهم من مدن جنوب العراق واكثرهم مرتبطون بأحزاب وكتل سياسية وبالتالي يبحثون عن مكاسب سياسية لكونهم الاحق بها بعد التضحيات التي قدموها ولإنصاف مقاتليهم بحسب ادعائهم.

فبالتالي حتمية الصراع والمواجهة ما بين المنتصرين قائمة لتوافر جميع شروطها فالسلاح موجود والدعم موجود والاحتفاظ بالأرض موجود والاعلام موجود وجميعها مخاطر متوافرة بالرغم من سعي الحكومة العراقية لاحتواء الموقع عبر استيعاب اعداد من المقاتلين ضمن تشكيلاتها الرسمية ووضع ضوابط مالية وقانونية لهيئة الحشد الشعبي والشروع بالمصالحة ببعض المدن وهذه اجراءات صحيحة تحتاج لتعزيز وديمومة عبر طرق عدة ومنها:

1- العمل على وضع جدول زمني لاستيعاب المقاتلين خارج منظومة الحشد واعادة هيكلتهم داخل المنظومة الرسمية.

2- استيعاب المتطوعين ممن هم ساند الجيش لاسيما المنضبطون منهم لاسيما في المناطق السنية.

3- سحب الاسلحة الثقيلة والمتوسطة من الفصائل المسلحة لمنع اي تهديد او صراع مستقبلي سواء مع المنافسين او مع الدولة.

4- البدء بمصالحة شعبية ووطنية في المناطق المحررة لمنع الانتقام او الثأر وتقديم المتهمون للقانون.

5- سحب جميع المقاتلين ومن جميع الفصائل من داخل المدن والحاقهم بوحدات مشتركة حتى وان كانوا ضمن منظومة الحشد الشعبي واعادة انتشارهم في اطراف المدن لاسيما الخطرة منها بالتعاون مع الجيش والوحدات المحلية.

6- منع تسيس اي فصيل داخل هيئة الحشد باعتباره قوى عسكرية تنطبق عليها المعايير المعمول بها في الوحدات العسكرية.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2018
www.fcdrs.com

اضف تعليق