مضى أكثر من أربعة أشهر على تنحي مسعود البارزاني (رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني) عن رئاسة الإقليم الذي شغله منذ العام 2005 وهذا ما يعتبر انجازاً كبيراً تحقّق للسياسة الكردية على اعتبار ان وجود البارزاني لعقد ونصف من الزمن في منصب واحد يعتبر كابوساً مزعجاً للكثير من الأحزاب والتيارات السياسية الكردية، لاسيما الجديدة منها وكذلك العراقية والشيعية المعارضة له، بفعل النهج العائلي الذي يتخذه كمسار لحزبه المسيطر على أغلب منافذ وواردات الإقليم منذ ثلاثة عقود تقريباً أي بعد الانتفاضة ضد النظام البعثي عام 1991، إلا أن ما يخفيه البارزاني بعد ازالته أكبر وأخطر وأعظم بكثير من فرحة خصومه السياسيين، والعبادي في مقدمتهم.

المعجزة التي أجبرت البارزاني على التنحي جاءت نتيجة الضغوطات الدولية والإقليمية والمحلية التي تعرض لها وهي لاتختلف كثيراً عن مثيلتها التي أزاحت المالكي عن منصب رئاسة الوزراء بعد أكثر من ثماني سنوات على تسنمه للمنصب المذكور، إلا أن الفرق بينهما أن المالكي عوّض خسارته بالحصول على منصب آخر، وهو نائب رئيس الجمهورية بالتوافق السياسي لحمايته من الملاحقة القانونية والقضائية بعد تورطه بملفات خطيرة أبرزها سقوط الموصل، وإهدار مليارات الدولارات، فضلاً عن عقود الفساد الكبيرة، والبارزاني كذلك متهم بالكثير من عمليات الفساد لاسيما ملفات بيع النفط وعدم معرفة أين تذهب واردات الإقليم من بيع النفط وتعطيل برلمان الاقليم لعامين تقريباً، وطرد رئيسه ومنعه من دخول أربيل في شهر أكتوبر من العام 2015 وغيرها من الملفات الأخرى التي لاتقل خطورة عن ملفات بيع النفط، لكنه بقيّ وحيداً بعد التنحي، ولم يستعد تحالفاته السابقة الداخلية أو الخارجية خصوصاً تركيا، على عكس المالكي الذي حافظ على بعض من حلفائه الإستراتيجيين في الداخل، وكذلك مع ايران التي مازالت تدعمه في الكثير من المواقف السياسية ضد خصمه العبادي.

أكاد أجزم أن زوال حكم مسعود البارزاني بعد حكم امتد لنحو 13 عاما أي نصف الفترة الزمنية التي حكم فيها صدام، لايختلف كثيراً عن زوال حكم الدكتاتور صدام حسين في ظل حكم لربع قرن، وسلسلة جرائم ضد أبناء شعبنا "المكرود" والأشقاء الكويتيين، وهذا اعتقاد الغالبية العظمى من الشعب الكردي الذي عانى ومازال يعاني من السياسة الخاطئة لعائلة البارزاني وبعض المؤيدين له من الأحزاب والاطراف السياسية الأخرى، لكن مخطئ جداً من يعتقد أن البارزاني سيبقى ساكتاً أو صامتاً أمام ما تعرّض له بعد أجرائه الاستفتاء وازاحته من المشهد السياسي، فهو يمر الآن بفترة نقاهة، ويحضّر لـ"مصل انتقام" قوي جداً يلدغُ به كل الذين وقفوا ضده وفي مقدمتهم الأحزاب الكردية الأخرى، والعبادي وأطراف شيعية عديدة، والأيام كفيلة بإثبات ذلك.

ازاحة البارزاني من رئاسة الإقليم، وتجميده سياسياً بتدخل اقليمي ودولي، كانت ضربة موجعة جداً لعائلة البارزاني وحزبه، إذ لم يكن ذلك متوقعاً أبداً، باعتباره حليفاً استراتيجياً لتركيا وبعض الدول الخليجية التي تقف بالضد من التدخل الايراني في العراق، لكن الديمقراطي الكردستاني وبحسب طبيعته، يفكر بعقلية ثأرية، لذلك سيعمل على إعادة هيبة رئيسه بخيارات مفتوحة أبرزها مناهضة الأطراف التي وقفت ضده في الانتخابات المقبلة لاسيما في قضية الإستفتاء، خصوصاً العبادي وحركة التغيير وغيرها، لمنعها من الحصول على مناصب عليا في الحكومة الاتحادية.

إلا أن مفعول لدغة البارزاني سيظهر بعد الانتخابات العراقية، ومع الحاجة إليه للدخول في توافقات سياسية لتشكيل الحكومة القادمة، إذ ستكون الساحة مهيأة للبارزاني من أجل تنفيذ خططه الرامية لإشعال فتنة وحرب سياسية تنافسية بين الأحزاب الشيعية خصوصاً بين القطبين المتنافرين المالكي والعبادي، وكذلك بين الأحزاب الكردية المعارضة، ومنها التغيير وحزب برهم صالح وحراك الجيل الجديد الذي يرأسه رجل الأعمال الكردي المثير للجدل شاسوار عبدالواحد من طرف، والإتحاد الوطني من طرف آخر خصوصاً فيما يتعلق بالمناصب العليا في بغداد والتي تعتبر من حصّة الكرد ومنها رئاسة الجمهورية والوزارات السيادية والمناصب الأخرى على مستويات مختلفة.

المعطيات السياسية تشير إلى استحالة عودة البارزاني الى رئاسة الإقليم لغاية الآن، والديمقراطي الكردستاني مقتنع بذلك من الناحية السياسية، إلا أن البارزاني وحزبه سيعوّضان ذلك بضربة موجعة ولربما قاضية لكل من يقف بالضد من الأمر، وسيعمل جاهداً على إلغاء أو تجميد منصب رئاسة الإقليم لفترة زمنية معينة لحين اكتمال الخطة واعادة الهيبة للبارزاني بشكلٍ أو بآخر.

سيعتمد البارزاني وحزبه في تنفيذ ما يخطط له ضد خصومه على الإعلام بالدرجة الاولى، عكس المرات السابقة التي تمثلت بالترهيب واستخدام القوة العسكرية كأهم وسائل للانتقام من خصومه مهما كلفه الأمر، ويوم 31 آب من العام 1996 خير دليل على ذلك عندما اتفق مع صدام حسين على ضرب قوات الاتحاد الوطني الكردستاني التي فرضت سيطرتها على أربيل وألحقت هزيمة كبيرة بقوات الديمقراطي، ما دفع بالبارزاني الى الموافقة على دخول قوات صدام حسين لأربيل، ومعها عشرات الدبابات والمدرعات العسكرية والجنود لمطاردة بيشمركة الوطني الكردستاني وملاحقتهم الى الحدود الايرانية، وهو بمثابة يوم أسود في صفحات تاريخ الكرد.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق