كون الانتخابات الايرانية باتت في نظر الكثيرين من الدول، الانتخابات الأكثر فاعلية في الإقليمين العربي والشرق أوسطي، تتوجه الأنظار صوبها، في انتظار ما تتمخض عنه صراعاتها الداخلية، لاسيما وأنها على أعتاب انتخابات رئاسية هي الأهم، كما يتوقع العديد من المتابعين منذ إعلان الجمهورية الإسلامية عام 1979، أول انتخابات رئاسية بعد الاتفاق النووي الإيراني، والظرف في منطقة الشرق الاوسط على صفيح ساخن وخاصة الاحداث الجارية في سوريا واليمن والعراق، كذلك تنامي لليمين الشعبوي في العواصم الأوروبية، واستفتاء تركيا، ناهيك عن تولي (ترامب) الرئاسة في امريكا في كانون الثاني 2017، وتصريحاته بتعطيل الاتفاق النووي، وتمزيقه حال تنصيبه رئيسًا للولايات المتحدة، والتهديدات ضد ايران واعتبارها دولة راعية للإرهاب، كل هذه الاحداث لها تأثير في الانتخابات الايرانية.

في ظل هذا الزخم العالمي، تترقب الأنظار الصراعات الداخلية في إيران للوصول إلى كرسي الرئاسة في انتخاباتٍ أعلنت وزارة الداخلية أنها ستُجرى في 19 مايو (أيار) المقبل، وبين من يؤيد المعسكر الإصلاحي ومن يؤيد ما يعرف بالمعسكر المتشدد، وهي الانتخابات الرئاسية الثانية عشر في ايران منذ الثورة الايرانية عام 1979، وقد اعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية الايرانية ان مجلس تشخيص مصلحة النظام وافق على ترشيح 6 شخصيات لخوض هذه الانتخابات، وهم الرئيس الحالي (حسن روحاني)، وسادن الروضة الرضوية المقدسة (ابراهيم رئيسي)، والاربعة الاخرين هما (محمد باقر قاليباف، واسحاق جهانكيزي، ومصطفى هاشمي، ومصطفى مير سليم، اذ يعد كلا من الرئيس الحالي والمرشح الثاني (ابراهيم رئيسي) من اقوى المرشحين للانتخابات الرئاسية، علما انه تم استبعاد عدد من المرشحين على راسهم الرئيس السابق (محمود احمدي نجاد).

رفع الدستور الإيراني في الفصل التاسع في المواد (113-142)، موقع رئيس الجمهورية إلى قمة السلطة التنفيذية، إلا أن ذلك الدستور يحتفظ للقرارات المؤثرة والمصيرية بهياكل ومؤسسات أخرى متشعبة تشكل قيداً على حركة الرئيس، بعد أن يضع الصلاحيات الكبرى للدولة في يد مرشد الجمهورية، اذ يرأس رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية ومجلس الوزراء، وله صلاحيات في مجال الشأن الداخلي والخارجي، ويوقِّع رئيس الجمهورية أو ممثله القانوني ـ بعد مصادقة مجلس الشوري الإسلامي ـ على المعاهدات والعقود والاتفاقيات والمواثيق التي تبرم بين الحكومة الإيرانية، وسائر الدول، وكذلك المعاهدات المتعلقة بالاتحادات الدولية، ويتولى رئيس الجمهورية مسؤولية أمور التخطيط والميزانية والأمور الإدارية والتوظيفية للبلاد بشكل مباشر، ويمكن أن يوكل شخصًا آخر لإدارتها، يتم تعيين السفراء باقتراح من وزير الخارجية ومصادقة رئيس الجمهورية، ويقوم رئيس الجمهورية بالتوقيع على أوراق اعتماد السفراء، ويتسلم أوراق اعتماد سفراء الدول الأخرى، ومنح الاوسمة والنياشين.

أن صورة المشهد التأسيسي الراهن تشير مع ذلك الى وجود مرشحين اثنين محتملين من الآن، على الرغم من وجود عدد من المرشحين المجازين للانتخابات الرئاسية الإيرانية وهم ستة مرشحين، ووفق عد من المعطيات يمكن اعطاء احتمال للشخصية الاوفر حظا للفوز بهذه الانتخابات، لهذا فان الرئيس الحالي (حسن روحاني) وحسب بعض التحليلات سيكون الرئيس القادم لإيران، ومن هذه المعطيات التي ترجح فوزه هي:

1- هناك سوابق ايرانية في الانتخابات الرئاسية القاضية بفوز الرئيس بمنصبه لفترة ولاية ثانية، كما هي حال خامنئي ورفسنجاني وخاتمي وأحمدي نجاد، لذا فهي تعُد مؤكدة بالضرورة لفوز الرئيس حسن روحاني.

2- لقد تمكن الرئيس الحالي (روحاني) من الوفاء بعدد كبير من برنامجه الانتخابي، فقد استطاع ان يتجاوز ازمة البرنامج النووي الايراني من خلال اتفاق تاريخي مع مجموعة 5+1، وبهذا اصبح اول رئيس ايراني يحصل على مكسب لإيران من الغرب عن طريق المفاوضات.

3- استطاع الرئيس روحاني ان يكسب رفع العقوبات الامريكية عن ايران من خلال الاتفاق النووي، وبهذا فان ايران حققت الكثير كم رفع هذه العقوبات من خلال استعادة بعض اموالها المجمدة، والتعاقد مع الشركات العالمية، والانفتاح على اوروبا والعالم، وزيادة كميات النفط المصدرة من خلال زيادة الانتاج، فقد عاد النفط الإيراني للتدفق إلى الأسواق الدولية، وتراجعت نسبة التضخّم بشكل ملحوظ، وارتفع مستوى الاستثمار الأجنبي.

4- الهجوم الذي يتعرض له روحاني من قبل التيار المحافظ في ايران، ومن جانب القضاء، الذي اتهمه بتمويل حملته الانتخابية من اموال مشكوك فيها، كما اتهم القضاء اخو الرئيس (حسين فريدون) بقضايا فساد، هذا الهجوم سوف يزيد من شعبية الرئيس روحاني في الداخل الايراني، لان توجيه الاتهامات اثناء الانتخابات هو من اجل الكسب السياسي، وتقوية مرشح التيار المحافظ (رئيسي) في هذه الانتخابات.

5- قوة التيار الاصلاحي بعد الانتخابات البرلمانية الايرانية التي جرت العام الماضي، والتي اظهرت تقدم التيار الاصلاحي في هذه الانتخابات لمجلسي الشورى الاسلامي، ومجلس خبراء القيادة، لهذا فان دعم الشارع الايراني للإصلاحيين سوف يستمر.

6- في الداخل الايراني، يعد الرئيس روحاني من دعاة الاصلاح التدريجي وهو من تيار البراغماتيين الاساسي، وتحسين واقع حقوق الانسان في ايران، واعطاء حيز للحريات العامة، كذلك تاريخه السياسي المتوازن داخل ايران، على خلاف منافسه الرئيسي (ابراهيم رئيسي) الذي يعد شخصية غير مرغوبا فيها في الاوساط الشعبية حسب بعض المراقبين، لوجود مؤشرات سلبية على دوره ايام الثورة الايرانية في ملاحقة المعارضين للثورة، كذلك امتلاكه لثروات كبيرة.

7- تمكن الرئيس روحاني من كسب ثقة الغرب من خلال سياساته المتوازنة، ان الرئيس الإيراني لا يصنع سياسات إيران الكبرى والمصيرية، بل إن الأخيرة هي من تجعله مناسباً للموقع، ويمكن التثبت من صحة هذه الفرضية بملاحظة أن الرئيس خاتمي وسياساته الانفتاحية على الجوار والعالم (1997-2005) أخرجت إيران من عزلتها الإقليمية والدولية، وكانت مؤهلاته الفلسفية والكلامية ودعوات (حوار الحضارات) وسائله الممتازة لتحقيق ذلك، أما الرئيس أحمدي نجاد (2005-2013) فقد قلب الطاولة على التوازنات الإقليمية السائدة لمصلحة إيران بالاستفادة من الفراغ الإقليمي الكبير الناشئ بعد احتلال العراق 2003، وظهور الورطة الأميركية في السيطرة على الوضع هناك، ولعل تصريحات أحمدي نجاد النارية بخصوص الملف النووي الإيراني ودولة الاحتلال الإسرائيلي، أحد تجليات تلك المرحلة إقليمياً وإيرانياً وقتذاك، في المقابل كانت براعة الرئيس روحاني التفاوضية السابقة، وتجذره المؤسسي في هياكل صنع القرار الإيرانية، مؤهلاً كافياً ليخوض غمار المفاوضات النووية المعقدة مع الغرب بنجاح، بغرض تحييد أي أعمال عسكرية محتملة ضد إيران، وصولاً إلى رفع العقوبات الدولية التي فُرضت عليها بسبب ملفها النووي.

8- إبعاد المنافسين الاقوياء امثال الرئيس السابق ( أحمدي نجاد) من السباق الرئاسي يبدو للمتابعين متفهما وله أسبابه، نذكر منها ـ بدايةً ـ ما ذكره المرشد الأعلى، بأن الظرف الراهن لا يتواءم مع الأفكار التي يحملها نجاد؛ فالرجل الذي عادى الدول الكبرى لأجل البرنامج النووي لا يمكنه أن يكون رئيسًا في ظل اتفاق يوليو (تموز) 2015، السبب الثاني يعبر عن الطبيعة (البراجماتية) للانتخابات، أي اخذ الواقع الموجود على الارض في الحسبان هذا ما سوف يقوي من فرص (روحاني) للفوز بهذه الانتخابات.

اما على مستوى تأثيرها الاقليمي، فأمر طبيعي أن يكون لهذه الانتخابات آثار إقليمية منتظرة، في وقتٍ تمتد فيه أياد إيران في المحيط العربي، وبوضوح كبير في سوريا والعراق واليمن، وغيرها من البلدان العربية. لكن بالعودة إلى الوراء، تحديدًا في العام 2009، حيث الانتفاضة الخضراء، سندرك أن كل الخيارات المتاحة اليوم لا تصب في إطار التغيير، فعلى الأرجح؛ أصحاب التغيير الحقيقي مغيبون بأمر المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، فالخلافات التي ظهرت عام 2009، كانت خلافات داخلية بين أبناء الثورة نفسهم، بعد إعادة انتخاب (أحمدي نجاد) لولاية ثانية، وللأهمية؛ فالصراع كان بين أبناء الثورة الواحدة، ولم يكن بين الثورة ومعارضيها، لذا فهو مهم لفهم الخريطة السياسية الإيرانية قبل تلك الأحداث وبعدها، لا يتوقع غالبا أن تغير نتيجة الانتخابات من التوجهات الإقليمية لإيران، الأمر فقط يتعلق بحيثيات المشاركة، وطريقة التناول الإعلامي؛ إذ لم يكن هناك من حرج أن يستخدم أحمدي نجاد –لو كان على رأس السلطة اليوم– وصف الدفاع المقدس لما تقوم به ايران في سوريا، وهو التناول الذي لم يقع فيه الرئيس روحاني، لكن على المستوى الإجرائي، فطالما كان خامنئي وحرسه الثوري راغبا في المشاركة، فهي واقعة، ولا يمكن تغييرها.

على الرغم من كل الفرص التي يتمتع بها روحاني للفوز بهذه الانتخابات، الا ان السياسات الداخلية المتشددة لا تزال سارية في إيران، ومنها توقيف المعارضين، وإغلاق الصحف ومنع وسائل الإعلام من ممارسة عملها بحرية، كل هذا لم يختلف كثيرًا في عهد روحاني عما كان عليه في عهد سابقه.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2017
www.fcdrs.com

اضف تعليق