q

عندما نكون نحن من أوائل الأمم الأولى التي اكتشفت الكتابة ونشرتها بين الآخرين، هذا يعني أننا أصحاب عمق وجذر متميز في تربة الثقافة والمعرفة، ومن المفترّض أننا نجاري ما يستجد في هذا المجال، أعني مجال الثقافة والوعي والمعرفة، إن لم نتصدر الآخرين في ذلك، ولكن ثمة حقائق تؤكد أننا لم نعد من الأمم الاولى، بعد أن انتشرت ثقافة الاثير والتناقل عبر الهواء بالوسائل الإلكترونية (الرقمية) المتطورة!.

لقد تناقلت الاخبار ومصادر الاعلام قبل سنوات خبرا يقول، إن اليابان احتفلت بالقضاء على الامية الالكترونية، فلم يعد لديها مواطن ياباني واحد لا يحسن التعامل مع العالم الرقمي وأدواته، بمن فيهم الاطفال اليابانيين، وحينها فكرت بالبون المعرفي الشاسع الذي يفصل بين شعبين ينتميان الى قارة واحدة، هي قارة آسيا، والشعبان هما الشعب الياباني والشعب العراقي!!، وأن الثقافة الرقمية باتت تشكل فضاء العصر المتكامل، ونعني به هو عصرنا الراهن، لدرجة أن الحياة باتت صعبة جدا بغياب التعامل الصحيح مع العالم الرقمي على مستوى الافراد أو الجماعات، حتى لدينا في العراق، عندما تحاول البحث عن وظيفة ما، فإن السؤال الذي ستواجهه من رب العمل والذي يتقدم جميع الاسئلة، هو هل تحسن التعامل مع الكومبيوتر؟، ولا يدخل في ذلك الاستخدام الروتيني لمواقع الاتصال الالكتروني مثل الفيس بوك والتويتر وسواهما، لهذا صار العراقيون جميعا أمام الامر الواقع، وعلينا أن نتقن التعامل مع العالم الرقمي شئنا أم أبينا، ولابد من أن نبدأ رحلة منتظمة لتحقيق هذا الهدف، ونحد من العشوائية الالكترونية التي نعيشها اليوم، أما العوائق التي تحول دون تحقيق هذا الهدف فهي كثيرة، ولابد من التعامل معها بذكاء وتخطيط حكومي مسبق، لذا فالمطلوب من الجهات المعنية، أن تعمل بجدية واخلاص وتخطيط دقيق لازالة العوائق المذكورة، وأن نبدأ مع الطلبة في جميع المراحل الدراسية، كما حدث ذلك في تركيا.

لكننا نلاحظ اهمالا حكوميا متعاقبا لهذا النوع من الاستخدام الثقافي والمعرفي ونشر الوعي بين عموم الناس من المستويات كافة، والحقيقة هناك حالة من الاستغراب تسود كثيرا من الاوساط المثقفة وحتى الشعبية، نتيجة لهذا الاهمال الغريب من لدن الحكومات العراقية لثقافة الاثير، او الثقافة الرقمية، خاصة انها تساعد على التخلص من الاساليب المعرفية القديمة، وتنتقل بعموم المجتمع الى العالم الثقافي الرقمي، لكي يصبح مجتمعا واعيا ومثقفا ومواكبا للعصر، وهكذا نتطلع أن يبدأ هذا المشروع الثقافي الأثيري بالطلاب، وهنا يتبادر الى أذهاننا عدد من التساؤلات التي تفرض نفسها علينا بقوة، هل الواردات المالية العراقية قادرة على تحمّل وزر هذه التحديثات في المجالين المعرفي والثقافي؟ وهل قادتنا السياسيون، أكثر حرصا من سواهم على تحقيق مثل هذا الهدف الجوهري الذي يسهم بطريقة فعالة في مضاعفة مستوى الوعي والثقافة لجميع شرائح وطبقات الشعب؟ خاصة اذا عرفنا ان الشعب العراقي يتحلى بدرجات ذكاء فاقت جميع الدول العربية حسب احصائيات دولية مستقلة.

إن هذه الاسلئة بالتزامن مع الاجابة عنها، الاجابة سوف تساعدنا على انتهاج المسار الصحيح لتحقيق هذا الهدف، لذلك ينبغي أن تدفعنا مستجدات العصر في مجال الثقافة الالكترونية، أكثر نحو تعزيز هذا الهدف الذي ينبغي ان يكون استراتيجيا، من اجل تحقيق الانتقال من العالم المعرفي القديم وأساليبه القديمة بعد أن أكل عليه الدهر وشرب، الى التعامل مع العالم الثقافي المعرفي الرقمي الحديث، وذلك من خلال نشر الثقافة التي تعتمد الأثير وتفعيل المحيط الألكتروني والاستفادة منه لتحقيق مساحات ثقافية اوسع، تصل الى بالمعلومة المتنوعة الى اكبر عدد ممكن من الأفراد والجماعات، وهذه مهمة حكومية أولا، ثم تأتي بعد ذلك، جهات اخرى ساندة  لها، لانجاز مثل هذا المشروع الحداثوي العملاق، مثل المنظمات المحلية والدولية التي تهتم بنشر الثقافة الالكترونية، كذلك لابد من حضور دور القطاع الخاص في فتح ابواب الاستثمار الواسعة، أمام خدمة البرامجيات والتعليم الالكتروني وفق ضوابط تحمي المستثمر والمستهلك في آن واحد، وتجعل من المجتمع قادرا على التعامل مع التقانات الحديثة.

لهذا نحن نعتقد أن الاوان قد حان لكي تقوم الحكومة العراقية بدراسة هذا المشروع الثقافي الخطير، ومن ثم تبدأ بإطلاقه كمشروع مكتمل يهدف الى نشر الثقافة عبر الأثير، على أن تخطط له وتضعه جهات علمية متخصصة، وينبغي أن يتدارسه خبراء من ذوي الشأن، ويمكن أن نبدأ بهذا المشروع في وقت غير بعيد، نظرا للحاجة الى مثل هذه المشاريع الثقافية التي تنعكس على عموم حياة المجتمع، من هنا نضع هذا المقترح أمام أعين وعقول القادة السياسيين في الحكومة الاتحادية والحكومة المحلية التي تعاني من نمطية التفكير وعدم الاهتمام بالثقافة التي تواكب العصر الراهن!.

اضف تعليق