ما نقصده بفقر النظافة، يتعلق بانعدام أو ضعف ثقافة النظافة في المجتمع، وهذا يتسبب بمشكلة كبيرة تجعل من حياة الناس أكثر صعوبة، فالفرد الفقير بنظافته، سوف تظهر عليه علامات فقر النظافة ويبدو ذلك في مظهره، وملبسه، وحين نبحث في البيئة التي ينتمي إليها، سوف نجد أنها بيئة طاردة للنظافة...
النظافة مفردة ذات معان متعددة، لكن المعنى الأوضح لها هي سلامة الجسد من خلال نظافته، فقد قيل إن (العقل السليم في الجسم السليم)، وسلامة الجسم تأتي من نظافته، فيمكن الاستعاضة عن مفردة (السليم) بمفردة (النظيف)، فالعقل النظيف يوجد في الجسم النظيف، ومفردة النظافة هنا ليست مادية بل معنوية.
فالنظافة التي سمّاها الإغريق بـ (فن الصحة) هي مجموعة من الممارسات المترافقة مع حفظ الصحة والمعيشة الصحية. والنظافة في هذه الحالة مفهوم طبي، فضلا عن ممارسات العناية الشخصية والمهنية المتصلة بمعظم نواحي الحياة، وإن كانت على الأغلب مرتبطة بالنظافة والمعايير الوقائية.
في المجال الطبي، تستخدم ممارسات النظافة لتقليل الإصابة والحد من انتشار الأمراض. وتستخدم كلمة النظافة في عبارات متعددة مثل نظافة الجسم، والنظافة المنزلية، ونظافة الأسنان، والنظافة المهنية، بما يتعلق في مجالات الصحة العامة. وممارسات النظافة الصحية تختلف اختلافاً كبيراً، وما يعتبر مقبولا في إحدى الثقافات قد لا يكون مقبولا في ثقافات أخرى.
ولكن هل تتوقف النظافة عند هذا الحد المألوف، أم هناك معانٍ أخرى للنظافة؟، بالطبع يمكننا معرفة أنواع ليست مادية للنظافة، ومنها (نظافة العقل، نظافة، الروح، نظافة القلب) وينتمي لهذا النوع من النظافة، نظافة الأفكار ومن ثم نظافة التعاملات والسلوكيات، لكننا في هذا المقال سوف نركّ أكثر على الجانب المادي في حياتنا، على الرغم من أن نظافة العقل والروح والقلب لها دور حاسم في حياتنا.
بيئة طاردة للنظافة
ما نقصده بفقر النظافة، يتعلق بانعدام أو ضعف ثقافة النظافة في المجتمع، وهذا يتسبب بمشكلة كبيرة تجعل من حياة الناس أكثر صعوبة، فالفرد الفقير بنظافته، سوف تظهر عليه علامات فقر النظافة ويبدو ذلك في مظهره، وملبسه، وحين نبحث في البيئة التي ينتمي إليها، سوف نجد أنها بيئة طاردة للنظافة.
يدخلُ في هذا المجال عدم نظافة البيت، فالإنسان غير النظيف حين نستطلع بيته الذي يعيش فيه سوف نجده غير نظيف وغير منظّم ومليء بالقاذورات والأمراض، مما ينعكس على شخصية الفرد، وينتقل هذا الواقع المريض إلى سلوك الإنسان فنكون أمام إنسان غير نظيف في مظهره وتفكيره وسلوكه.
وحين يترك بيئته الخاصة ويخرج إلى البيئة العامة، كالشوارع والحدائق والساحات، سوف نلاحظ تصرف الشخص غير النظيف بطريقة تسيء لعامة الناس، فهناك من يرمي نفاياته في الشوارع، وعلى الأرصفة، ومنهم من يرميها بجوار حاوية النفايات، ولا يكلف نفسه رميها في الحاوية التي لا تبعد عنه أكثر من متر واحد أو أقل.
إنه لا يريد أن يكلّف نفسه القيام بهذا العمل السهل، وهو رمي القمامة في مكبّها أو في الحاوية المخصصة لها، عجزا أو تقاعسا أو لا كمبالاةً، وكل هذا يحدث بسبب الجهل، والفقر الشديد في جانب النظافة.
هناك قاعدة أو مقولة تؤكّد علي أن (امتناعك عن إلقاء القمامة في الشارع يعني توفيرك انحناءة لظهر عامل النظافة)، أي أنك إذا امتنعت عن إلقاء القمامة في الشارع، فإن عامل النظافة سوف لا يضطر لينحني كي يلتقط القمامة من الأرض ويلقيها في حاوية النفايات، وهناك من لا يعرف قيمة الانحناءة لأنه لا يفكر في الجوانب المعنوية التي يمكن أن تجعل الإنسان سعيدا أو كئيبا ومخذولا.
حتى الذهب لا يستحق الانحناء
لماذا يرمي بعضهم القمامة في الشوارع وهم يعرفون أن عمال النظافة سوف يقدمون جهدا مضاعفا لجمْعها، ومن ثم رميها في المكان المخصص لها، فهل سأل هؤلاء أنفسهم لماذا يزيدون من متاعب عامل النظافة، فيجبرونه على الانحناء وجمع القمامة بسبب فقرهم الواضح للسلوك النظيف.
وهنا تحضرني قصيدة نثر عصماء لأحد الشعراء يقول فيها: (وأنا أسيرُ إلى أمام، تتعثّرُ أقدامي بالذهب، فلا ألتقطهُ لكي لا أنحني)، لاحظ قيمة الانحناء، حتى الذهب لا يستحق أن ينحني له الإنسان، فكم نقسو على عمال النظافة حين نجبرهم على الانحناء لكي يرفعوا القمامة التي يلقيها بعضنا في الشوارع وعلى الأرصفة بسبب إصابته بمرض فقر النظافة.
والفقر الأخطر في النظافة يتسلل إلى تدمير البيئة، فالإنسان غير النظيف لا يعبأ بنظافة البيئة، ولا يعطيها أية درجة من الاهتمام، بل ما يهمه أن يحقق رغباته حتى لو جاءت بالضد من النظافة والحفاظ على البيئة، فهناك كثيرون يرمون أوساخهم في الأنهار، وهناك من يدمّر البساتين، وهناك من يتسبب بالحرائق والدخان الملوث الذي يشترك بطريقة أو أخرى بظاهرة الاحتباس الحراري.
كل هذا وغيره الكثير يتسبب به الإنسان المصاب بفقر الثقافة، لأنه لا يدرك النتائج التي تنتهي إليها أفعاله المضادة للنظافة، كما أنه يدرك بأن أعماله غير المحسوبة، وأفعاله غير النظيفة تهدف إلى قتل البيئة مع سبق الإصرار، ناسيا أو جاهلا بالنصيحة الذهبية التي تقول: (لا تقتل البيئة كي لا تقتلك)، فمن يسعى جاهلا لعدم النظافة وتدمير البيئة، فإنه كالذي يسعى لقتل نفسه دون أن يعلم بذلك.
الخلاصة يجب غلق هذه الثغرة عبر السبل الصحيحة والمتاحة، ونقصد بها ثغرة (فقر النظافة) عند بعض الناس وبعض المجتمعات، لذا يجب أن يصبح مجتمعنا نظيفا من خلال معالجة فقر النظافة في المجتمع، وهذا يتحقق من خلال نشر ثقافة معاكسة لتخريب العقل والقلب والروح والبيئة أيضا، إنها ثقافة النظافة الشاملة.
اضف تعليق