حصل الطلاق، وحصلتُ على مبلغ المؤخر الذي كانت تطمع به أمي حيث كانت تهدد به زوجي كلّ يوم، تهدَّمَ بيتي، مات طفلي في حادث دهس، وماتت أمي بعد سنوات، بقيتُ وحيدة، لم أكرر الزواج خوفا من خطئي الأول، أمي بدل أن تكون رحمة لي صارت نقمة عليَّ ودمرت حياتي...
هذه ليست قصة من وحي الخيال، بل هي حكاية واقعية نقلها لي صديق مقرّب، حين كنّا نناقش نسبة الطلاق العالية في مجتمعنا.
تقول صاحبة الحكاية:
كنتُ طالبة جامعية على مشارف العشرين، حين التقينا مصادفة أنا وطالب جامعي كان يسبقني بثلاث مراحل، فحين كنتُ في السنة الأولى كان هو في السنة الثالثة، لقاؤنا تم في احتفال بسيط بعيد ميلاد إحدى الطالبات التي دعتني لحضور الحفلة البسيطة داخل الجامعة، ورأيتهُ لأول مرة فيها، شاب بسيط في مظهره خجول في كلامه معتدل في نظراته، متوقِّد الذهن، يبدو عليه الحزن لكنه ما أن يفتح فمه ويتكلم حتى يُضحك الجميع بنكاته اللطيفة.
كان اللقاء الأول بيني وبينه في الجامعة، فاتحة للقاءات يومية، فلا تكاد تمر فرصة بين المحاضرات إلا ونلتقي فيها، نتمشى في الحدائق، نجلس على مقاعد الخشب، نتبادل النظرات والأحاديث المختلفة، إلى أن عرفتهُ بشكل تام، وهو كما قال عرفني كأنه يعيش معي، كان يبدو رغم بساطته وطيبته موسَّرا، يظهر ذلك من نوع الموبايل الذي يحمله، ومن محفظته المتخمة بالنقود دائما.
كنتُ أنقلُ لأمي كل ما يدور بيني وبينه، لم أضمّ عنها أي شيء، كانت أمي مستودع أسراري وصديقتي الوحيدة التي أثق بها، لم أتردد عن نقل كل ما دار بيني وبين الطالب من كلام وتبادل أحاديث مختلفة، إلى أن طرح عليَّ هو ذات يوم فكرة الزواج، وهذا ما كنتٌ أنتظرهُ.
قبل أن يطرح عليَّ الزواج كنتُ أفكرُ بذلك، وكانت أمي قد خطّطت لتزويجي منه قبلي، فقد سألتني أمي أكثر من مرة إذا كنت أرغب بالزواج منه، وكنت أجيبها بالصمت، وحين طرح الطالب عليَّ فكرة الزواج داهمني شعور غريب، فيه شحنة فرح وقلق وغموض، هل أوافق أم لا؟.....
هكذا سألتُ أمي التي سارعت فقالت لي: وافقي على الزواج دون تردد، ولكن يجب أن تعرفيه جيدا، ماذا يعمل، من أين يأتي بالفلوس التي تملأ محفظته، موبايله الثمين كيف حصل عليه، لم تسألني أمي ولا مرة عن أخلاقه، أو ذكائه، أـو مواقفه الإنسانية وطبيعة شخصيته.
كانت أمي تركّز في أسئلتها عن الفلوس ومصدرها والملابس والمظاهر المادية فقط، ولم أستغرب من ذلك، فأنا أعرف طموحات أمي جيدا، وقد تكون أثّرت في شخصيتي وهذا أمر طبيعي لأنها أمي وأنا متعلقة كثيرا بها، فصرتُ أحب الفلوس والمظاهر ولا أهتم بالمواقف الإنسانية.
في لقاء آخر كرّر طلب الزواج مني، وكانت أمي قد أعطتني الضوء الأخضر، فوافقتُ على طلبه، وبدأت إجراءات الخطوبة التي لم تتجاوز الشهرين، ثم العقد والزواج مباشرة، في زفة العرس ظهرت خطط أمي جليّة، لا تخفيها عن أحد، فأوصتني أن أسيطر على زوجي وأن أعوّدهُ منذ اليوم الأول لزواجنا على سماع كلامي، وأن أحصل منه على أكبر مقدار ممكن من المال، وأشتري به ذهبا، على الرغم من أنه اشترى لي ضمن مهري ضعف ما يُشترى للعرائس الأخريات.
لكي أكون أمينة ومنصفة زوجي قبل الزوج بقي نفسه بعد الزواج، طيب حنون لطيف وحزين ظاهريا، كريم لا يرد لي طلبا، لكن أمي أفسدت كل شيء بيننا، وأنا أعرف أنها سوف تفسد حياتي الزوجية بطلباتها وتوصياتها المادية، فالفلوس صارت ديدنها، لا شيء توصيني به غير السيطرة المادية على زوجي، كما أنها طلبت مني زيارتها بين يوم وآخر، وفي كل زيارة لبيت أهلي، كانت أمي تشحن عقلي بوصايا تخرّب بيتي ولا تعمّره.
زوجي بدأ يتذمر من كلمات أمي وطلباتها، ولم يكن يُظهر لي تذمره حرصا على مشاعري، لكن مع الوقت لم يعد يتحمّل فينفجر ويقول كل ما أخفاه عني سابقا، وأنا بسبب تمسكي بأمي وحبي لها أرفض كلامه، ولا أقبل باحتجاجه، وأهدده بالذهاب إلى بيت أهلي فيصمت ويتحمل لكن إلى متى؟؟
ذات صباح وخلافا للاتفاق الذي تم بيني وبين زوجي، ظهرت عليَّ أعراض الحمل، وتأكد ذلك عبر تحليل المختبر الطبي، ورغم أنني ضربت الاتفاق – الذي عقدناه لأننا لا نزال طلابا - لكن زوجي لم يغضب، حلّ الطفل بيننا بتخطيط وضغط من أمي، وبموافقة مني، لكن تدخلات أمي في كل صغيرة وكبيرة بحياتي جعلت عشّنا الزوجي الصغير جحيما، لم يمر يوم دون أن تحدث مشكلة صعبة بيني وبين زوجي، وكنت أزعل وأذهب إلى بيت أهلي بشكل متكرر.
أمي هي السبب الأول في تدمير حياتي الزوجية، والسبب الآخر أنا، حين ضعفت وتهاونت في منع أمي من مواصلة عملها التخريبي، فكنتُ أنفّذُ حرفيا كل ما تقوله لي، وحين يغضب زوجي من أمي ومن تصرفاتي لا أبالي بذلك، بل أثور عليه وأتركه وحده لأيام وليالٍ طويلة، حتى بلغنا نقطة النهاية.
حصل الطلاق، وحصلتُ على مبلغ المؤخر الذي كانت تطمع به أمي حيث كانت تهدد به زوجي كلّ يوم، تهدَّمَ بيتي، مات طفلي في حادث دهس، وماتت أمي بعد سنوات، بقيتُ وحيدة، لم أكرر الزواج خوفا من خطئي الأول، أمي بدل أن تكون رحمة لي صارت نقمة عليَّ ودمرت حياتي.......
اضف تعليق