لايولد الانسان وفي طبعه حب للنزاع والصدام مع الاخرين، بل هو يكتسب ذلك من بيئته الاجتماعية ومحيطه الذي يتحرك فيه، والاكتساب هو أحد وجوه التعلم، بغض النظر عن نوع هذا الاكتساب خيّرا ام شريرا، صالحا ام طالحا.
لهذا تعد البيئة الاجتماعية هي الاهم في تعلم الانسان لجميع المهارات والسلوكيات والاخلاق، والتي يدرج عليها منذ طفولته وحتى موته.
ما الذي يعنيه النزاع؟
هو (الخلاف الذي ينشأ بين شخصين أو أكثر، أو بين فئتين أو حزبين أو كيانين، أو عائلتين، على موضوع معين سواء" كان ذلك موضوعا" قانونيا" أو بسبب وجود تعارض في المصالح).
والنزاع يعني عدم توافق قصير الأجل وقابل للحل إذا استخدمت أدواته بشكل صحيح، وعليه فان النزاع قد يختلف عن الصراع، حيث إن الصراع عبارة عن مشاكل طويلة الأمد وعميقة الجذور تحتوي على قضايا تبدو للوهلة الأولى أنها غير قابلة للتفاوض وعصية بوجه كل الحلول والمقترحات لحلها.
للنزاع عدة انواع، منها:
نزاعات مسلحة دولية وغير دولية - نزاعات شخصية - نزاع حول الهوية – نزاعات عقائدية.
كل نزاع من هذه النزاعات له نتائج سلبية على حقوق الانسان السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، فالنزاع يقود الى العنف والى حالة من الفوضى قد تقود الى انهيار اركان الدولة الامر الذي يعني غياب القانون وانتشار دولة الغاب اضافة الى تدمير البنية التحتية وحدوث شروخ تصعب معالجتها.
في اسباب النزاع، يرجعها الباحثون الى اسباب شتى أبرزها التنافس على الموارد المادية، وطلب الجاه والسلطة السياسية، وحب السيطرة، والاختلاف في الافكار والمعتقدات والتوجهات، واختلاف الاعراق والهوية كما ترجع لتداعيات الماضي وما تعلق في النفوس من فقدان ثقة وشعور بالغبن، والضيم والظلم فضلا عن ما يشار اليه اصطلاحا بثقافة الحرب لتوفير السلاح وتشجيع الاعلام المغرض للحرب عن قصد لخدمة مصالح تجار الاسلحة ومصالح جهات اخرى او عن غفلة وجهل عن عواقب الانزلاق في الدخول في غمار الحرب وصعوبة الخروج منها.
في مقدمة كتابه (لكيلا تتنازعوا) والمكتوب في العام 1975، والصادر في العام 2004 اي بعد مايقارب الثلاثة عقود، يتحدث الامام السيد محمد الشيرازي الراحل (قدس سره) عن النزاع وسبل حله، من خلال عدد من القصص التي عاشها وكان شاهدا عليها وعلى اطرافها المتنازعين.
وهي المنازعات التي انتشرت وتعاظمت حتى بلغت حالة خطرة في النصف الثاني من القرن الماضي، وقد تفشّت حتى عمّت الجميع من حاكمٍ ومحكومٍ ومؤسسةٍ وجماعةٍ وجمعيةٍ ـ إلاّ من عصم الله سبحانه وتعالى.
وهو في مقدمة كتابه، يجد في تلك القصص المغزى الذي يريد الوصول اليه، فالمتنازعون نصيبهم الفشل، اما الذين توحّدوا وتعاونوا فانهم قد تقدّموا، اضافة الى ان تلك القصص، فيها وحسب المؤلف، دروساً وعبراً لمن يريد التقدم ويخشى التأخر، مع وجود عامل مهم وهو (التقليل من الخصومات والنـزاعات بين أبناء الأمة الواحدة).
ويعترف (قدس سره) بعدم قدرته على انهاء الخلافات والنزاعات لأنها من طبيعة البشر، وذلك لعدم وجود إنسانين متشابهين في كل التفاصيل، كذلك عدم وجود إنسانين متشابهين في الآراء ووجهات النظر، وقلَّما تجد إنسانين على رأي واحد.
لكن هذا لايعني بحسب الامام الراحل، أنَّ الاختلاف أدّى بهما إلى حدِّ الخصومة والنـزاع، فليس المقصود بتعدد الآراء تعدد النـزاعات. وليس المقصود أيضاً دعوة أصحاب الآراء المختلفة أن يتركوا آراءهم ويأخذوا بآراء الغير ـ بصورة مطلقة ـ فليس كلامنا في هذا الاتجاه.
يعيد الامام الراحل النزاع الى ثلاثة اسباب هي الجهل والكبر والحسد.
وهو (قدس سره) كان شاهدا على هذه الاسباب الثلاثة، والتي تنتهي في الغالب منها الى (اللاشيء)، ولم يكن من نصيب أصحابها سوى (الخسارة والفضيحة).
ويضيف الامام الراحل، ان ماقصده من هذه النتيجة التي وصل اليها، ليس القول: بأنّ كل اختلاف منشأه غير شريف، ومردّه إلى العوامل النفسية الثلاثة التي ذكرتها.
فهناك صراع الحق مع الباطل، وهو صراعٌ مبدئي ولابدّ منه؛ لأنّ الحياة لا تستقيم إلاّ بمواجهة الحق للباطل.
أمّا خصائص صراع الحقّ مع الباطل فهي:
1: إنّ نزاع الحق والباطل لا ينطلق من العوامل النفسية التي ذكرناها.
2: إنّ صراع الحق والباطل مؤطرٌ بإطار الحق لا بالزيادة ولا التعدي.
3: إنَّ الحق دائماً يدفع بالتي هي أحسن وهي الإيجابية المطلقة، كما ورد في القرآن الكريم (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ).
يؤكد الامام الراحل ان مايريد قوله في خصوص هذا الموضوع هو:
1: اجتهدوا لتحرّي الحقيقة من بين الآراء المختلفة والمتناقضة.
2: وإذا تمَّ التمسك برأي ما، بعد طول اجتهاد وعناء، فلا يعني اختلاف الرأي انتشار البغضاء والعداء.
3: وإذا أظهرتم العداء ـ لا سمح الله ـ فيجب أن يكون لهذا العداء حدّ معقولٌ، فالشيء إذا جاوز حدَّه، انقلب إلى ضدِّه.
4: ثم إذا أظهر أحد الطرفين العداء فلا موجب للطرف الآخر أن يردّ على العدوان؛ لأنّه الأفضل في قانون الإسلام: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وأيضاً جاء في القرآن الكريم: (وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
فالموقف الإيجابي سيقلل من المشكلات الناجمة عن الصراعات الاجتماعية، وسيقلل من نتائج المواجهة بين الأطراف المتناقضة.
5: وليعلم الذي يُظهر العداء ويغالي فيه بالاتهام والكيد أنّه أولاً: سيؤدي بعمله هذا إلى تحطيم نفسه، وبعد أن يتحطّم هو، تتحطّم المجموعة التي ينتمي إليها، ويكون تحطيمه لنفسه أكثر من تحطيمه للمجموعة التي ينتمي إليها.
اضف تعليق